لا صوت يعلو..! - بلال فضل - بوابة الشروق
الأحد 5 مايو 2024 12:16 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لا صوت يعلو..!

نشر فى : الخميس 29 أغسطس 2013 - 9:00 ص | آخر تحديث : الخميس 29 أغسطس 2013 - 9:00 ص

في كل مرة تتبنى غالبية الناس رغبة السلطة وأذنابها في رفع شعار (لا صوت يعلو فوق صوت المعركة) ينتهي الأمر بألا صوت يعلو، لا صوت يعلو..خالص، سوى أصوات النعيق السلطوي بتوزيعاتها، ذلك النعيق الذي يعلم كل من قرأ التاريخ أنه مهما طال ومهما علا فإنه يكون النذير الأكيد بخسارة المعركة، أية معركة وكل معركة.

ليس عندي أدنى شك أن الغالبية العظمى من الشعب تبارك كل ما يجري على الساحة الآن من سياسات وقرارات، على الأقل هذا ما أشهده حولي في الواقعين المعاش والإفتراضي، لكن ذلك لا يعني أن من واجبي أن أؤيد ما يجري لكي لا أتهم بشق الصف، فدوري ككاتب أن أعبر عن ما أعتقده حتى لو كنت أؤمن به وحدي، ومن حق الآخرين تجاهلي أو تخويني أو شتمي أو محاولة إسكاتي كما يحلو لهم وهم لا يحتاجون توصية لممارسة هذا الحق على أية حال.

لست أدعي أن كلماتي ستغير الواقع حتما، ليس لأني يائس بل لأني واقعي مع حق تقرير الشعوب لمصيرها بحرية ومن أنصار مذهب «اللي بيشيل سلطة مخرومة بتخر على قفاه»، لكنني أثق أيضا أن الشعوب دائما ما تهب لتصحيح اختياراتها عندما تتبدى جليا أعراضها الجانبية السيئة، يحدث ذلك سريعا أحيانا ويتأخر كثيرا في أحيان أخرى، على الدوام سأحترم اختيار الشعب إذا عبر عنه بحرية، لكنني لست ملزما بالتهليل لاختياره، من حق من شاء أن يهلل كما أراد، بل ومن حقه أن يشكك في وطنية من يرفض ذلك التهليل أو من يسعى لإقناع الشعب باختيارات بديلة، فلا التخوين «يلزق» ولا الشتيمة تنفع الشاتم أو تضر المشتوم، ولا سعيك لجعل الآخرين نسخة بالكربون منك سيوصلك إلى شيئ، ولا أكثر الناس سيعقلون قوله تعالى «وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين»، لذلك ليس عليك إلا أن تقول كلمتك وتمضي، حتى تمضي على محضر أقوالك أو يمضي أهلك على محضر استلام الجثة.

ليس معنى ذلك أبدا أن تتعالى على الشعب فتظن أنك أفضل منه، على العكس عليك أن تحاول الإبداع في التعبير عن آرائك لعلها تنجح في تغيير تفكير من تصل إليه، المهم ألا تكون أبدا إمعة تصفق لكل ما يروج بين الناس لتحصل على رضاهم، وألا تشاركهم في الدوس على المبادئ عندما تعم الهستيريا لكي يقال أنك صاحب شعبية، وألا تساهم في ترويج ضلالات تتغنى بعظمة شعبك وتفرده عن باقي الأمم بدلا من أن تستمر في مصارحته بعيوبه ومشاكله، من أجل أن يصبح أفضل حقا وصدقا، لا غناءا وهتشا. من واجبك حتى لو دفعت ثمنا باهظا أن تذكر شعبك بأنه ليس شعب الله المختار بل هو كأي شعب آخر تسري عليه قوانين الكون التي وضعها الله، إذا أحسن تطبيقها أحسن إلى نفسه وإن أساء تطبيقها أساء إلى نفسه، والله تعالى لم يحكم على شعب بالتخلف الأبدي، بل جعل أسباب التقدم مبذولة لكل مجتهد دون أن يخص بها دينا أو لونا أو جنسا أو عرقا، ولذلك عندما يهاجر مواطن من دولة متخلفة إلى دولة متقدمة ويأخذ بأسباب التقدم بها يتفوق حتى على غيره من أبناء تلك الدولة الأصليين الذين لا يأخذون بأسباب التقدم.

تذكرت ذلك كله حين التقيت منذ يومين شابا وصف نفسه بأنه من رفاق الميدان، لكنه غاضب من بعض ما أكتبه لأنه يمثل تحديا للإرادة الشعبية كما يفهمها، قائلا بحماس «مشكلة اللي بيخوف الناس زيك من رجوع ما قبل يناير إن ماعندكوش ثقة في الشعب لإن شعبنا عظيم بس انتو بعيدين عنه ومش فاهمينه»، حماسه جعلني أشعر أنه يفترض أنني رجل لا يخرج من «الكومباوند» إلا مضطرا، هممت أن أطبق تلك القاعدة الذهبية التي علمتني ألا أناقش أحدا وهو في غمرة حماسه الشديد لرأيه لأن «ما فيش حد متحمس أوي إلا لما بينجرح من تعقيدات الواقع أوي»، لكن تأكيده المتكرر على رضا الشعب الذي لا يشوشه إلا أصوات أمثالي، جعلني أقول له أن خبرتي كساكن مستديم للأحياء الشعبية تدفعني لنصحه كرفيق ميدان وشريك وطن ألا يظن أن هناك شيئا ثابتا دائما اسمه رأي الشعب، لأن الشعب الذي يبهجك رضاه الآن يمكن أن يخذلك غضبه غدا إذا قلت له كلاما ملتبسا يضايقه أو يوتره أو يحمله أعباء فوق التي هو يحملها بالفعل حتى لو كان كلاما يتغنى بالثورة والشهداء وحق الشعب.

لذلك ليس أمامك إذا كنت مهموما بالشأن العام وراغبا في إصلاحه، إلا أن تحاول دائما تكوين رأي متعقل يبتعد عن «الأفورة» قدر الإمكان، ويستند إلى ثوابت أخلاقية لا تجعلك تنقلب على عقبيك كلما تغير مزاج الناس، وألا تثق في تصفيق الناس لك على الدوام، وإلا فانتظر اليوم الذي تلقى فيه مصير جماعة الإخوان التي كانت تؤمن أن الشعب يرقد مطمئنا في جيبها، لذلك صَمَت وعَمَت عن كل من ذكرها بخيانتها للثورة ولوعودها الإنتخابية، وأصرت واستكبرت استكبارا موقنا أن الشعب سيخرج ليضع روحه على كفيه فداءا لرئيسها ولقيادتها، وأنت تعرف الآن ما الذي وضعه الشعب لها حين خرج ثائرا عليها قرفانا منها ومن الذين يتشددون لها، فلا هي كسبت رضا الشعب ولا هي حافظت على مبادئ الثورة ولا حتى على بقاءها حية تُرزق، ولا أظنك ترضى لنفسك بمصير بائس كهذا أبدا.

من حقك طبعا أن تعتقد أن من الأسلم إخراس كل من يختلف معك، لكي لا يفسد صوته عليك بهجة الوقوف مع «الشعب الفرحان تحت الراية المنصورة»، لكن إن عاجلا وآجلا ستنتهي نشوة وهم الصف الواحد فلو شاء ربك لجعل الناس صفا واحدا، وعندها ستتذكر أن الشعب عندما وافق في الماضي على إسكات كل صوت يعترض على طبيعة المعركة وتفاصيلها وقادتها، لم ينته الأمر في نهاية المطاف بالشعب فرحانا، ولا بالراية منصورة.