القضاء «مسئولية ــ مبادئ ــ رجال ــ مهارات» 7 ــ جور السلطات - جمال قطب - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 10:43 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

القضاء «مسئولية ــ مبادئ ــ رجال ــ مهارات» 7 ــ جور السلطات

نشر فى : الأربعاء 31 مايو 2017 - 9:10 م | آخر تحديث : الأربعاء 31 مايو 2017 - 9:10 م
فى قصة نبى الله يوسف عليه السلام، أفصح الصبح لذى عينين، وأشرقت شمس الحقيقة وجاءت المعجزة الناطقة على لسان الطفل الرضيع معلنة إنشاء علم القرائن القضائية ومعلنة براءة يوسف مما وجه إليه من اتهام.. ولكن الحقيقة شىء وتغول السلطات على الحق شىء آخر.. فبعد ذلك النطق المعجز يتوافق أهل السلطة على سجن البرىء!!! هكذا أخبر القرآن: ((..ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ)).
نعم.. أرأيت إلى البرىء يدخل السجن والجانى يتمتع ليس بحريته فقط، بل باعتلاء أريكة السلطة والسلطان والاستقرار فى موضع القرار. نعم لقد تم سجن يوسف بن يعقوب وبقيت امرأة العزيز سيدة القصر والحكم!!!
ــ1ــ
كان القانون المصرى ــ فى زمن امرأة العزيز ــ يفرض القتل عقوبة للزنا، فلو زعمت المرأة أنه أراد بها الزنا لكان الحكم على يوسف بالقتل، لكن امرأة العزيز ــ وهى من هى ــ زوجة رئيس الوزراء (العزيز) لابد وأن تستبقى الفتى أملا فى تراجعه وموافقته، لذلك زعمت أنه أراد بها السوء فقط وليس الفحشاء، ووجهت زوجها إلى ما تريد قائلة ((مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءا إِلا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)). فالعقاب المناسب الذى تقترحه المرأة هو العذاب أو السجن!!! لماذا؟ حتى لا يقتلوه ويبقى تحت نظرها فلعله يرجع عن صموده.
ــ2ــ
وعلى الرغم من وضوح القرينة وجلاء المعجزة فى نطق الطفل الرضيع لكن.. لكن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة.. لقد توافق أركان السلطة على الانتقام من البرىء جزاء براءته: ((... ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ)). لعلك تتعجب معى لهذا الحكم الملغم بالظلم! فالفتى يسجن بغير جريرة.. ثم يكون الحكم بسجنه «حتى حين» أى لمدة مجهولة غير محددة!!! لكن الرحمن الرحيم جل جلاله قد قدر أن تكون مدة السجن مدة إعداد وتجهيز، فما كاد الفتى يدخل السجن حتى تعرف السجناء على الفتى وتوسموا فيه الصلاح والإحسان، فها هم يقولون له ((إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)).
ــ3ــ
هذا هو القدر الإلهى يخرج يوسف من كيد النساء إلى سعة الحياة، ومن مرافقة العزيز (رئيس الوزراء) إلى مرافقة الملك فيصبح قريبا للملك صاحب القرار. فالسجن الذى دخله يوسف ليس نهاية الدنيا، ولا بداية التعاسة، إنما هو مقدمة التقدم ورفعة الشأن. وفى السجن التقى يوسف مع بعض المسجونين السياسيين (طباخ الملك وساقى الشراب) فقد أدخلا إلى السجن بتهمة التآمر على الملك بدس السم له فى الطعام والشراب.. وهكذا تعرف هؤلاء السياسيون على الفتى وما يتصف به من سكينة وعلم وحسن وإحسان. يقص القرآن: ((وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ ۖ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّى أَرَانِى أَعْصِرُ خَمْرا ۖ وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّى أَرَانِى أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِى خُبْزا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ ۖ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ ۖ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)).
ــ4ــ
تعال نتعلم من ذلك البرىء المسجون. فالفتى على الرغم من براءته قد دخل السجن فكيف تكون نفسية هذا الفتى؟ وفيم يفكر؟ الفتى غير مشغول بما تعرض له من ظلم، بل مشغول بضرورة استمرار فعل الخير والدلالة عليه مهما كانت الظروف.. فلما أحس حاجة الزميلين إلى علمه سارع بوعدهما أن يجيب طلبهما فى تفسير الحلم. واستثمر يوسف ثقة الرجلين وحاجتهما إليه فانطلق يلفت نظرهما إلى الخير فقال: ((يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ* مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ ۚ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۚ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)). ثم يفى يوسف بوعده للرجلين ويقدم لهما تفسيره للحلم الذى رآه كل منهما فقال: ((يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِى رَبَّهُ خَمْرا وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِى الأَمْرُ الَّذِى فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ)). وسرعان ما ألهمه الله أن يؤكد لأحدهما الذى عرف من الحلم الذى رآه أنه مظلوم وستظهر براءته وسيخرج عائدا إلى وظيفته فى البلاط الملكى..هكذا حكى القرآن ((وَقَالَ لِلَّذِى ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِى عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِى السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ)).
يتبع

 

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات