أيام القاهرة (15).. مشاهد من تاريخ المدينة التي لا تعرف الحزن - بوابة الشروق
الثلاثاء 21 مايو 2024 2:53 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أيام القاهرة (15).. مشاهد من تاريخ المدينة التي لا تعرف الحزن

محمد حسين
نشر في: الثلاثاء 9 أبريل 2024 - 5:58 م | آخر تحديث: الثلاثاء 9 أبريل 2024 - 5:58 م

 يتمتع شهر رمضان في مصر، بخصوصية وتفرد عن غيره من أشهر السنة، حيث يزخر به الطقوس والعادات المميزة التي تضفي أجواءً فريدة من البهجة والسعادة.

وتشهد شوارع القاهرة سهرات وتجمعات العائلات والأصدقاء لتوثيق تلك الأجواء الفريدة والمبهجة خلال الشهر الكريم.

وتشارك "الشروق"، مع قرائها لقطات ساحرة من تاريخ القاهرة، الذي يعود لأكثر من 1000 عام، وصور إلهامها للمبدعين، وذلك في سلسلة حلقات بعنوان "أيام القاهرة" على مدار النصف الثاني من شهر رمضان.

الحلقة الأخيرة..

نختتم حلقات سلسلتنا مع قراءة في الشخصية المصرية، وتأمل في طرق التعبير عن مشاعر البهجة والسعادة والتي تجسدت في مظاهر وطقوس احتفالية بالمناسبات المختلفة، والتي أثارت الدهشة، لدرجة وصفت  مجازا بأنها القاهرة مدينة لم يعرف أهلها الحزن أبدًا.

-  كيف أدهش المصريون نابليون؟

تقول الكاتبة رشا عدلي في كتابها "القاهرة.. المدينة والذكريات"، إن البساطة وعدم التعقيد كانت ميزة ذلك العصر، معظم الأهالي ينضمون للحرف المختلفة التي تتبع الطوائف، تنظم وقتها تنظيما جيدًا لذلك كان هناك دومًا متسع من وقت لدى المصريين كان يُقْضَى معظمه في التسلية واللهو، سواء عن طريق الحمامات العامة أو المقاهي، وتفنن المصريون في خلق احتفالات، حيث كان هناك أكثر من 80 مولدًا للأولياء منها ما يستمر يومًا أو اثنين، وأخرى تستمر الأسبوع، بالإضافة للاحتفالات الدينية الأخرى مثل شهر رمضان، والأعياد، والمولد النبوي، ويوم عاشوراء، والاحتفال برأس السنة الهجرية والمحمل، كذلك كانت هناك الاحتفالات الخاصة كالزواج والختان والاحتفال بالمولود الجديد.

وكانت الاحتفالات الاجتماعية والرسمية هي الأكثر شهرة وبذخا في الاحتفال عندما يجتمع كل طوائف الشعب لا يفرقهم دين ولا لغة كأعياد شم النسيم، وشق الخزان، والكرنفال، وعيد الجلوس، ومما يذكر أن القائد نابليون بونابرت عند دخوله البلاد يمتطي صهوة جواده الأبيض متقدم صفوف الحملة الفرنسية تصادف مروره بـ100 عرس تحتفل بقرع الطبول وتعلق الزينات، فقال تلك العبارة المشهورة عجبت لهذا الشعب الذي لا يعرف الحزن أبدا.

 مظاهر إقامة حفلات الزواج

في مصر لا توجد أمة تتفنن في إقامة أفراحها كلها كما يفعل المصريون فإنهم لا يدخرون شيئًا من أسباب السرور والانشراح إلا وأدخلوه في أفراحهم مهما كلفهم هذا، وليس ذلك على الأغنياء والموسرين منهم فقط بل الفقراء أيضًا، وكثيرا ما كانت تلك الأفراح سببًا في إفلاس بعض العائلات.

ولكي نتأكد من ذلك الكلام بإمكاننا أن نحيي ترتيبات حفل الزواج في القرن الـ19 ومضاهاته به لم يكن من المسموح بكشف وجه المرأة في ذلك الوقت، ولم يكن هناك اختلاط من أي نوع بين الرجال والنساء، فكان الزواج يقوم بطرق تقليدية، فإما أن تكون العروس من أقارب العريس، وإما أن تكون الزيجة عن طريق الخاطبة التي تعرف البيوت التي بها فتيات في سن زواج وتقوم بترشيحهن للشباب الذين يرغبون في ذلك، أو عن طريق الحمامات الشعبية التي كانت أكثر الطرق شيوعًا في ذلك التوقيت، فكان الحمام الشعبي أكبر تجمع للفتيات من كل شكل ونوع وبإمكانها اختيار العروس المناسبة له، وهنا وصف للكاتب إدوارد وليم لين، وهو مترجم ألف ليلة وليلة إلى الإنجليزية عن كتابه "المصريون المعاصرون": "لا يمكن أن تتزوج فتاة بدون كرسي العمامة وهو عادة يكون فخما غالي الثمن مصنوعًا من الخشب الخيزران وله مظلة من الحرير ومحلى بالذهب ليضع عليه العريس عمامته عند رجوعه من العمل، ومن الشائع تعليق الفوانيس والزينات قبل الحفل بـ10 أيام، وتزين الحبال بالأعلام الحمراء والخضراء".

أما في البيت فقد أعدت الموائد طيلة تلك الأيام ويرسل الأهل والأصدقاء صواني نحاسية مغطاة بالحرير المطرز تحمل هدايا من الأرز باللبن والشموع وغيرها، ولم تنقطع الفرقة الموسيقية عن عزفها ولا الراقصات عن رقصهن، وتغزل شيلان من البشكير كل من البلانة والخاطبة والمرضعة والدادة وتركب كل منهن حمارًا ويسرن في موكب يتصدره دقاقو الطبول، ويطفئ هؤلاء السيدات على بيوت الصديقات يدعوهن للذهاب للحمام ويسمى ذلك الموكب "المدهناك"، ثم تخرج العروس وقريباتها وصديقاتها في زفة الحمام يقودها رجلان يحملان صينية مستديرة عليها الملابس التي سوف تلبسها العروس، وفي خلف الموكب يسير السقا الذي يحمل قربة مملوءة بالماء يوزع الماء على المدعوين، تبركا بالعروس، وخلف العروس هناك رجلان أحدهما يحمل قمقما وهو إبريق من الفضة مملوء بماء الزهر يرشه على المدعوين.

أما الرجل الثاني فهو حامل المبخرة الذي يقوم بتعطير المدعوين برائحة زكية ولمنع الحسد، وفي مطلع الحشد تسبق العروس صديقاتها وقريباتها المتزوجات يرتدين الحبرة السوداء ثم خلفهن العذارى بالحبرة البيضاء وخلف الجميع سارت

العروس وخلفها وحولها 4 رجال يحمل كل منهم عمودًا من 4 عمدان خشبية المظلة زاهية اللون يظللون بها العروس التي ليست رداء يخفيها وغطيت بشال من قمة رأسها إلى قدميها لم يظهر منها إلا القصبة، وهو قرص من الذهب رصع بالزمرد والماس واللؤلؤ وضع فوق رأسها، وشبك في الشال من الخلف وتدلى منه من الأمام فروع من الماس ولبست فوق رأسها طرطورًا أبيض من الورق المقوى وتسير أمامها سيدة تحمل مروحة كبيرة من ريش النعام الأسود وتقوم بالتهوية للعروس، ومن الضروري أن يسلك الموكب الجهة اليمنى حتى لو كان الحمام بالجهة الأخرى من الطريق، فكان الاتجاه لليسار يجلب الفأل السيئ، وفي أغلب الأحيان يكون الأب قد حجز الحمام بأكمله لتلك الزفة.

  فيضان النيل

وعرض الكتاب نموذجا آخر من احتفالات المصريين مع "فيضان النيل"، وهو احتفال بفيضان النيل الذي حرص المصريون عليه من أقدم السنين، فمنذ أن يفيض النهر يمر المنادون في أزقة المدينة وشوارعها يعلنون بصوت عال منسوب الارتفاع بناء على تقرير رسمي يعلنه القائم بمهمة القياس وحفل قطع الخزان في شهر أغسطس عندما يفيض النهر بدرجة تضر بالمحصول ويستيقظ أهالي القاهرة في الصباح الباكر، ويحمل الأولاد الأعلام الملونة وأطباقًا نحاسية وطبولا يدقون عليها مرددين "البحر علي البحر علي" ويذهبون بعدها إلى رأس القناة بمصر القديمة، وهناك من الأهالي من ينصب خيمته ويبيت الليلة، وعلى طول شواطئ النيل والقناة تروح القوارب وتجيء محملة بالمحتفلين في قناة ضيقة تفصل جزيرة الروضة عن شاطئ النيل الأصلي، وينصب سرادق كبير للخديوي يقام على شاطئ القناة ومن تلك المنصة العالية يمكنك أن ترى جزيرة الروضة بأشجارها وأسوارها المرتفعة.

وعلى مسافة بضعة أميال ترى الأهرامات وقبب المساجد والكنائس، ويتزاحم الأهالي وبائعو الحلوى والفاكهة والمخبوزات ولا يكاد السقاءون يتوقفون عن ضرب الأكواب النحاسية الواحدة في الأخرى لإصدار هذا الرنين وتعزف الموسيقى ويقدم الحواة عروضهم، وفجأة تأتي المياه مندفعة فتخترق السد الوهمي من الطين الذي يعمل على بنائه عدد من الرجال قبلها بعدة أيام حتى إيحاء هدمه أثناء ارتطام المياه به على مدى ارتفاع منسوب المياه وقوتها، وتنسكب المياه منهمرة بقوة وتمتلئ القناة بالمياه لتصبح في مستوى نهر النيل تقريبا ويظهر المحافظ الذي يلقى بعضا من قروش جديدة في القناة كتقليد متبع منذ سنين؛ اعتقادًا أن تلك العملة الفضية تدر فيضان النيل، ويقفز الأهالي في النهر ويتبارون في الحصول عليها من أعماق القناة.

 يذكر أنه في ذلك المكان تحديدا كان يقام الاحتفال بعروس النيل المتبع عن تقاليد فرعونية، إلا أن المصريين كانوا قد استبدلوا بالعروس البشرية دمية حتى جاء عمرو بن العاص وقضى على تلك العادة.

يذكر أن جزيرة الروضة هي المكان الذي وجدت زوجة الفرعون سيدنا موسى عنده، وتسمى بشجرة موسى وهناك شجرة أخرى تنسب للسيدة فاطمة بنت رسول الله، وقد عمرت تلك الشجرة كثيرا وبها اعتقاد في شفاء المرضى، تبرئ الأعرج وتجعل الأعمى مبصرا، وكان من الشائع أنه إذا نشر فوق أحد أغصانها مريض ملابسه يشفى من مرضه، ووصل فيضان النيل لأقل منسوب له عام 1877 ولم يستطع ري الربع من الأراضي الزراعية. ومن الرسومات التي كانت تنقش على العملة المعدنية في ذلك الوقت كان إله النيل، وهذا الإله راقد على الأرض ممسك بيديه عنقودًا من العنب وعلى مقربة منه تشاهد تمساحا أو فرس بحر وحدث أنه في أحد الأعوام ارتفع مقياس النيل إلى 16 ذراعًا معماريا فصكت العملة وعليها ذلك الرقم تعبيرًا عن أنه كان عاما ملينا بالخير.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك