ظل رسم "الخطوط الحمراء" سياسة راسخة لدى الرؤساء المتعاقبين على البيت الأبيض، فكانت تلك العبارة التحذيرية حاضرة خلال العقود الأخيرة للحديث عن قيود لا يمكن لخصوم أو حتى حلفاء واشنطن تخطيها.
ومع استمرار العدوان الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزة، اعتبر الرئيس الأمريكي جو بايدن قبل أيام أن اجتياح إسرائيل لمدينة رفح جنوب القطاع "خطا أحمر"، لكن اللافت للنظر أن بايدن لم يوضح مطلقا ماذا سيحدث بالضبط، إذا تجاوز رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هذا الخط، وإن اكتفى بالقول إن نتنياهو يؤذي إسرائيل أكثر ما يساعدها.
في المقابل، رد نتنياهو على تصريحات بايدن بالقول إن الخط الأحمر بالنسبة له هو عدم تكرار هجوم 7 أكتوبر الماضي، في إشارة إلى عملية "طوفان الأقصى" التي شنتها المقاومة الفلسطينية على مستوطنات غلاف غزة وإسرائيل.
*بايدن والخطوط الحمراء السابقة
وبحسب تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، فإنه من غير الواضح ما إذا كان قد تردد لأنه لم يرد التلميح لطبيعة الاستجابة التي ربما يعدها، أو لأنه لا يريد التعرض للانتقاد إذا تراجع عن أي إجراء يفكر فيه.
ورجحت الصحيفة أنه بالنظر إلى خبرة بايدن الطويلة في مجلس الشيوخ والبيت الأبيض، تذكر أن رسم خطوط حمراء كانت نهايته سيئة للرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما عندما تعلق الأمر بسوريا، وبالنسبة لجورج دبليو بوش عندما تعلق الأمر بكوريا الشمالية وإيران.
وبحسب الصحيفة، صدم حلفاء واشنطن بتراجع أوباما عن الخط الأحمر الذي أعلنه بشأن استخدام سوريا لأسلحة كيماوية في عام 2012، وكانت هناك انتقادات لبوش الابن الذي شن غزواً على بلد لايمتلك أسلحة نووية – العراق – فيما اختبرت كوريا الشمالية أول سلاح نووي لها في عهده.
ورأت الصحيفة الأمريكية أن الحديث عن الخطوط الحمراء ليس بجديد فكثيرا ما يتردد على لسان قاة الدول لوصف تحركات لا يجب أن تفكر حتى فيها دولة أخرى، لأن التداعيات ستكون أكثر إيلاماً مما يمكن تخيله.
واعتبرت "نيويورك تايمز" أن الشيء الغريب في هذه الحالة أن الخطوط يرسمها حليفان يحتفيان بانتظام بمدى قربهما لكن نقاشهما بدأ يصبح ساماً إلى حد ما.
* ما الذي يعنيه تحذير بايدن؟
كان المعنى الواضح على ما يبدو لتحذير بايدن أنه إذا مضى الإسرائيليون قدماً في خططهم ونفذوا عملية عسكرية أخرى تسفر عن سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين، سيفرض بايدن للمرة الأولى قيوداً على استخدام تل أبيب للأسلحة التي تزودها بها الولايات المتحدة.
وحتى الآن، رفض بايدن أي خطوة مماثلة – بالرغم من أن واشنطن تضع شروطاً بشأن كل عملية بيع للأسلحة تقريبا، بما في ذلك طلب الالتزام من أوكرانيا بعدم إطلاق الصواريخ الأمريكية أو المدفعية أو الطائرات بدون طيار " الدرونز" على روسيا.
لكن مسئولين أمريكيين تحدثوا مع بايدن يقولون إنه يبدو أنه يعيد النظر ببطء في نفوره من القيود على كيفية استخدام إسرائيل للأسلحة التي تشتريها، موضحين أنه لم يتخذ أي قرار بعد، ولا يزال يبدو أنه يبحث المسألة.
كما أحجم البيت الأبيض عن مناقشة المسألة. وخلال مؤتمر صحفي، أمس الاثنين، بينما اتجه بايدن إلى نيوهامشير من أجل إحدى الفعاليات المرتبطة بالحملة الانتخابية، رفض متحدث باسم البيت الأبيض أن يقول ما الثمن الذي ستدفعه إسرائيل حال تجاوزت الخط الأحمر الذي حدده بايدن.
*منطقة الخطر لرؤساء أمريكا
ورأت "نيويورك تايمز" أن بايدن باستخدامه عبارة الخط الأحمر، خاض في منطقة خطر على الرؤساء الأمريكيين؛ فقد وصف أسلاف بايدن مرارا وتكرارا خلال العقود القليلة الماضية، القيود التي لا يستطيع خصوم أمريكا أو حلفائها تجاوزها دون استحضار أخطر العواقب. ومرة تلو الأخرى، ندموا (هؤلاء الرؤساء الأمريكيين) على ذلك، على حد تعبير الصحيفة.
واستشهدت "نيويورك تايمز" على ذلك بالموقف الذي وجد فيه بوش الابن نفسه عام 2003 عندما أعلن أنه لن "يتسامح" مع كوريا شمالية مسلحة نوويا. كما استخدم نفس العبارة تجاه إيران. في حين اختبرت بيونج يانج سلاحا نوويا وأحرزت إيران تقدماً تجاه امتلاك تلك القدرة النووية.
وبينما شددت الولايات المتحدة العقوبات وهددت بعمل عسكري ضد كل من بيونج يانج وطهران، فإن كوريا الشمالية لديها الآن ترسانة كبيرة لدرجة أن المسئولين الأمريكيين تخلوا عن فكرة أنها ستنزع سلاحها على الإطلاق.