«نجارو المناصرة»: التأمين على العمال لا يمر من هنا - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 1:07 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«نجارو المناصرة»: التأمين على العمال لا يمر من هنا

المناصرة ورش اثاث تصوير احمد عبد الجواد
المناصرة ورش اثاث تصوير احمد عبد الجواد
كتب ــ محمد نبيل حلمى:
نشر في: الأربعاء 29 أبريل 2015 - 10:30 ص | آخر تحديث: الأربعاء 29 أبريل 2015 - 10:53 ص

أبو المعانى يعمل مستقلًا.. وفشل فى الحصول على وظيفة بأحد المصانع لتوفير علاجه حال المرض

يبلغ عدد العمالة غير المنتظمة فى مصر نحو 8 ملايين شخص بما يمثل 55% من إجمالى قوة العمل، بحسب تصريحات سابقة لوزيرة القوى العاملة ناهد العشرى.. وفى عيد العمال تنصب أغلب الاهتمامات على العمال الذين يندرجون تحت قوة مصانع أو جهات رسمية أو خاصة، وأغلبهم ممن يخضغون لمظلة التأمين الاجتماعى.. فى هذا التحقيق تلقى «الشروق» الضوء على عدد من العمال الذين يؤدون وظيفتهم خارج أى حماية أو اهتمام من الدولة، وسط ظروف معيشية وصحية صعبة.

25 عاما قضاها هشام أبو المعانى، 44 عاما، فى التعلم والعمل بتنجيد أطقم «الأنتريه»، ربع هذه السنوات على الأقل هى مدة حتمية لإتقان الصنعة ولكى يحظى بلقب «أسطى».. بدأ أبو المعانى العمل مستقلا قبل 10 سنوات داخل ورشة تقارب 7 أمتار، تقع فى عطفة صغيرة تسمى «كوم الصعايدة» بمنطقة المناصرة، ومنذ بداية عمله لم يخض تجربة العمل تحت غطاء شبكة التأمين الاجتماعى، رغم أنه حاول مرارا البحث عن عمل فى أحد المصانع الكبرى، حتى يستطيع تأمين الحصول على معاش وتوفير العلاج فى حال المرض.

تتكون أسرة أبو المعانى من 3 أطفال أكبرهم بالصف الخامس، إضافة للأب والأم، لكن الأخيرين فقط مع الابن الأكبر هم فقط من يحظون بإدارج أسمائهم ضمن بطاقة التموين، ورغم أن الرجل يعترف باستفادة المنتفعين من التموين بمنظومة توزيع الخبز، فإنه يعتبر توزيع بقية السلع غير مفيد لتقارب سعرها مع مثيلتها بالأسواق العادية.

كان عمل أبو المعانى فى بدايته يعتمد على فكرة صناعة أطقم «الأنترية» وتنجيدها تحديدا، وتقديمها لأصحاب المحال المنتشرة فى منطقة المعارض بالمناصرة، وكان الرجل يعتمد على ما يعرف عند التجار بـ«البيع بالآجل»، بمعنى أن يتلقى مبلغا من المال «عربون» ويسلم المنتجات، ثم ينتظر سداد ما تبقى من ثمنها بعد بيعها من قبل أصحاب المعارض، وكانت تلك المرحلة تشهد رواجا فى حركة البيع، لكنه توقف منذ 3 سنوات عن البيع بتلك الطريقة بعد تعرضه للنصب وتأخر تحصيله لمستحقاته من قبل كبار التجار.

يقول أبو المعانى، إن ورشته الصغيرة للتنجيد كان يعمل بها 3 «صنايعية»، كان راتب الواحد منهم قبل 3 سنوات نحو 50 جنيها يوميا، لكن مع توقفه عن التعامل مع المحال، والاكتفاء بعمل التنجيد للأفراد والزبائن بشكل مباشر، أصبح العمل محدودا.

ويرجع الرجل السبب فى صعوبة حركة البيع إلى ارتفاع الأسعار الذى طال الخامات، وبات ما يعرف بـ«الشغل الجاهز» هو الأكثر بيعا، لأنه يصنع بشكل كامل عبر الماكينات فتصبح تكلفة العمالة البشرية فيه أقل، لكنه يفقد ميزة المتانة والدقة، رغم ما يبدو عليه من شكل جيد، وبحسب أبو المعانى، فإن عددا من «الصنايعية» خلال السنوات الخمس الأخيرة تركوا المهنة بشكل نهائى، فيما قرر آخرون العمل فى مصانع إنتاج الأثاث.

المصادفة وحدها قادت محمد حسين، 18 عاما، للمرور بجوار ورشة أبو المعانى، حيث كان يعمل بها لسنوات كمساعد للأسطى الكبير، قبل أن يتجه للعمل فى أحد المصانع الموجودة فى المناصرة.

لا يشعر حسين بأنه بحاجة للعمل تحت مظلة للتأمين، يعتقد أنه كشاب لم يُتم العشرين من عمره ليس بحاجة للأمر، لكنه عندما وتذكر والده الذى يعمل كنجار، بدا كما لو أنه يحدث نفسه قائلا: «طبعا التأمين خصوصا الصحى هيبقى مفيد للناس الكبيرة، لكن مفيش مصانع بتأمن على حد، ولو حصل المرتب بيقل كتير والعامل بيحتار فى الاختيار».

لدى حسين شقيقان يكبرهم جميعا، وبدأ فى العاشرة من عمره العمل فى «تنجيد الأثاث»، وتمكن من إتقان المهنة بعد نحو 3 سنوات، وكلفه ذلك الإتقان والتفرغ للعمل عدم حصوله على شهادة تعليمية.

يحصل «الصنايعى الشاب» على راتبه من المصنع الصغير بطريقة الإنتاج بالقطعة، ويقبض ما يقارب 130 جنيها نظير تنجيد طقم كامل من «الأنتريه»، إلا أنه يجزم معتمدا على خبرته أن إنتاج الورش الصغيرة أفضل من إنتاج المصانع وأكثر جودة، لكن الأول هو الأرخص ثمنا فى الأسواق، وبالتالى الأكثر بيعا.

من ماسبيرو إلى كوم الصعايدة
رغم أنه بدأ العمل فى نجارة الموبيليات فى العاشرة من عمره، إلا أن محمود أحمد، 32 عاما، حرص على الحصول على دبلوم صناعى من قسم النجارة، حتى يتمكن من الفوز بفرصة العمل ضمن أبناء العاملين فى اتحاد الإذاعة والتلفزيون، فقد كان والده يعمل ملاحظ ديكورات إسلامية فى ماسبيرو، لكن رحليه المبكر حال دون تعيين الابن فى الوظيفة.

تعمل عائلة أحمد فى النجارة أبا عن جد، ويعمل 9 من أعمامه بصناعة الأثاث، ويتمسك هو حاليا بصناعة غرف النوم والمكتبات دون غيرهما من غرف الأثاث، ويعتبر نفسه متقنا لهما ومتخصصا فى صناعتهما.

4 أمتار فقط هى مساحة الورشة التى يعمل بها النجار الثلاثينى، لكنه يدفع نحو 600 جنيه كإيجار لها، ويفسر تمسكه بالمكان الذى يقع فى شارع ضيق يسمى كوم الصعايدة بمنطقة المناصرة، أن بعض الزبائن يرتبطون بالمكان، كما أنه يعتمد فى عمله على السمعة و«تربية الزبون» الذى يحصل على صنعة جيدة وبالتالى يخبر أقاربه ومعارفه وهو ما يساعد فى رواج عمله.

يحتاج أحمد إلى مدة تقارب الشهر والنصف للانتهاء من صناعة غرفة واحدة، لكنه يشكو من ارتفاع أسعار الخامات وخصوصا المعدنية منها التى تأتى مستوردة، وبحسب قوله فإنه ومنذ شهر نوفمبر الماضى لم يأت له زبون واحد لصناعة غرفة كاملة، ويقوم عمله الأساسى على إصلاحات صغيرة أو تركيب أو نقل للأثاث، وجميعها أعمال تكفى بالكاد إيجار الورشة وجانبا صغيرا من مصروفاته الشهرية، يقول الرجل محاولا تصوير حالته المادية: «اللى بييجى على العطش ما يرويش».

قبل 6 شهور كان يعاون أحمد فى ورشته الصغيرة، 4 أفراد نصفهم «صنايعية خبراء»، والنصف الآخر مساعدون، لكنهم جميعها لم يبق منهم أحد بسبب توقف عجلة العمل، وكان متوسط أجر «الصنايعى» من 100 ــ 150 جنيه يوميا، بينما يحصل مساعد النجار على 70 ــ 80 جنيه يوميا، وكان الإقبال على الورشة يجلب الرزق للجميع، لكن الأمر لم يعد كذلك الآن.

رغم أن العمل فى مرحلة التصنيع الأولى للأثاث يعتمد على النشاط اليدوى خصوصا فى الورش، لكنه يحتاج فى بعض الأحيان للآلات، ورغم أن أحمد لا يملك فى ورشته سوى ماكينة صغيرة لقطع الأخشاب، لكنه تعرض لإصابة قبل سنوات لاتزال تترك أثرها فى أصابع يده اليمنى، وعالجها بشكل شخصى، إذ إنه لا يخضع لحماية أى مظلة تأمينية.

تبدو شبكة العمل مرتبة بشكل دقيق بالنسبة للعاملين فى صناعة النجارة، فيقول أحمد: «لا أستطيع التعامل بشكل مباشر وتوريد ما أنتجه للشركات، لأن الأمر يحتاج لعمل الورشة لسجل تجارى وتأمينى، وتجرى الأمور على أن يحصل أحد المقاولين على أمر التوريد من شركة ويقوم بالاتفاق مع ورشة صغيرة من الباطن لإنتاج الأثاث، ويضع هامش ربح بعد محاسبة الورشة».

12 ساعة عمل
تسبب الزلزال الذى ضرب مصر عام 1992، فى انتقال عائلة محمد هريدى،37 عاما، من منطقة بولاق التى وُلد بها ونشأ فيها مع أسرته، إلى عمارات سكنية بمدينة السلام خصصتها الحكومة حينها لمنكوبى الزلزال.

منذ دخوله للصف الأول الإعدادى عمل هريدى فى ورشة «استورجى»، متخذا نفس الطريق الذى سلكه احد أشقائه الأربعة، ونتيجة لهذا الانخراط فى العمل لم يحصل هريدى على شهادة أكبر من الإعدادية.

يقيم الرجل مع والدته وحدهما، بعد انفضاض بقية اعضاء الأسرة للزواج أو لطبيعة العمل، ورغم وصوله للعقد الثالث من العمر فإنه لم يتزوج حتى الآن ويكتفى بالقول: «ادعى لنا ربنا يرزقنا».

يتقاضى هريدى يومية من محل عمله فى ورشة الاستورجى تتراوح بين 70 و80 جنيها نظير العمل 12 ساعة، تبدأ منتصف الظهر وتنتهى منتصف الليل، ويدفع ما يقدر بنحو 10 جنيهات يوميا لركوب المواصلات من مدينة السلام إلى المناصرة ذهابا وعودة، يضاف إليها 5 جنيهات لشراء علبة كشرى أو غداء بنفس القيمة، فضلا عن علبة سجائر متوسط سعرها 10 جنيهات، ما يعنى اقتطاع 25 جنيها من اليومية.

بحسب خبرته فى العمل، يقول هريدى إن الانتهاء من «تشطيب طقم بالأُستر» يحتاج مدة تقارب الاسبوع من الصنايعى، مشيرا إلى أن الأمر يتفاوت بحسب عدد القطع فى الطقم الواحد.

فى نفس ورشة الاستورجى يعمل محمود عبدالمعطى، 28 عاما، وبدأ منذ سن الثامنة العمل فى نفس الورشة، ورغم أنه مقيم بمحافظة الفيوم فإن والده الذى كان يعمل كعامل بناء، أحضره إلى القاهرة ليبدأ العمل.

لم يحصل عبدالمعطى على أى شهادة تعليمية، لكنه تزوج مبكرا وأنجب طفلين (آدم 7 سنوات، وحبيبة سنتان)، وتقيم عائلته الصغيره فى بلدته «الكعابى الجديدة» فى الفيوم، بينما يحصل الثلاثينى على إجازة أسبوعبة من عمله يقضيها بصحبة أسرته، فيما يقيم بقية أيام الأسبوع فى الورشة التى يعمل بها.

ويعمل عبدالمعطى 6 أيام اسبوعيا لمدة 12 ساعة، ويبدأ اسبوع العمل منذ الاثنين وحتى يوم السبت.. يعيش الصنايعى الشاب مع أسرته فى شقة بالإيجار فى محل إقامته بإحدى القرى التابعة للفيوم، يدفع لها نحو 300 جنيه إيجار، فيما يمتلك بطاقة تموين تضم فردين فقط، بما يمثل نصف أسرته، ويسعى جاهدا لإضافة بقية افراد الأسرة للاستفادة من السلع المتاحة.
فى تقدير عبدالمعطى فإن مسألة التأمين على العامل تكاد تكون مستحيلة بالنسبة لمن هم فى مثل ظروفه التعليمية والحياتية، مشيرا إلى أنه وفى حال كان حصل على شهادة تعليمية، فإنه لن يتمكن من العمل فى مصنع يؤمن عليه بسبب صعوبة وندرة الأمر.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك