«نون» هبة شريف.. هل تحررت النساءُ فعلا؟! - إيهاب الملاح - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 7:55 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«نون» هبة شريف.. هل تحررت النساءُ فعلا؟!

نشر فى : الجمعة 1 مارس 2019 - 11:00 م | آخر تحديث : الجمعة 1 مارس 2019 - 11:00 م

«نون النسوية»؛ عنوان الكتاب الذى صدر عن (دار العربى للنشر والتوزيع بالقاهرة)، للباحثة والناقدة والمترجمة القديرة هبة شريف؛ أستاذة الأدب الألمانى والأدب المقارن بجامعة القاهرة «سابقا»، والمديرة السابقة لمؤسسة بروهيلفتسيا السويسرية فى القاهرة وشمال إفريقيا.
الكتاب يعد الحلقة الثالثة فى مشروع نقدى ثقافى (بعد كتابيها «الكارو والمرسيدس ـ حداثة لم تكتمل»، و«دينى ودين الناس») تعكف عليه هبة شريف منذ سنوات طويلة؛ لقراءة الظواهر التاريخية والاجتماعية والسياسية، وتجلياتها فى الإنتاج الثقافى، من منظور «النقد الثقافى» أو «الدراسات الثقافية».
وعلى عكس ما قد يوحى به العنوان، من أننا قد نكون بإزاء دراسة جافة غليظة متخمة بالمصطلحات والمفاهيم الصعبة؛ أبدا؛ الكتاب عكس ذلك على طول الخط! فهو كتاب قيم ممتع رغم تناوله لأنساق من الأفكار والمفاهيم نشأت فى السياق الأوروبى، والثقافة الغربية عموما، وألقت ببعض أصدائها وظلالها على الثقافة العربية، لكنها قدمت تناولها لهذه الأفكار بكل وسائل التشويق والعرض الممتع بنجاح منقطع النظير.
ميزة كتابات هبة شريف الكبرى ــ فى رأيى ــ أنها تنأى عن العسر الأكاديمى والرصانة المصطنعة، كتاباتها تتوجه لقارئ عام تريد أن تخاطبه وتشتبك معه، لا أن تنفره وتصرفه عنها وعن غيرها.. كتبها الثلاثة التى صدرت خلال الفترة (2014 ــ 2019) تؤكد هذه الغاية، وتغرد خارج السرب بالمعنى الإيجابى، فتطرح أفكارا ورؤى وتقدم تحليلات ذكية وناقدة لظواهر ثقافية وفكرية وسياسية واجتماعية؛ تحرص خلالها على أن تكون بلغة شارحة، سلسة، لا تستعرض عضلاتها النقدية أو النظرية على القارئ..
عن ماذا ــ إذن ــ يتحدث كتاب «نون النسوية؟».
ينطلق الكتاب، ببساطة، من قراءة وتحليل ونقد لمفاهيم التيارات النسوية الحديثة التى تدعو إلى التمرد على كل أشكال القهر والسلطة الذكورية التى مارست استبدادها وديكتاتوريتها الفظة على المرأة عبر العصور!
لكن هبة شريف تنطلق فى عرضها لهذه الأفكار والبحث عن جذورها وسياق تشكلها وإنتاجها ليس بغرض الاتفاق معها أو الانطلاق من رؤيتها وفرضيتها، بل تقوم على رصد التناقض بين إنتاج الأفكار ومحاولة تطبيقها على أرض الواقع، وفى سبيل ذلك تستعين هبة شريف فى «شرح وعرض» أفكارها وتحليلاتها بكل ما يمكن من مواد معروفة للقارئ العربى؛ الفيلم السينمائى، المسلسل الدرامى، القصة القصيرة، الرواية الطويلة، الظاهرة الاجتماعية، الملبس، المأكل، العادات.. إلخ.
وهكذا تستعرض هبة شريف الأفكار والنظريات الداعية إلى التحرر النسوى فى العقود الأخيرة؛ طبعا بخبرتها الكبيرة فى البحث والرجوع إلى المصادر فضلا عن قدرتها المشهود لها بها بالقراءة باللغتين الألمانية والإنجليزية؛ قدمت سردا ممتازا ورائعا لتاريخ هذه الحركات والتيارات والأفكار التى أنتجتها؛ فضلا على تطعيم هذا السرد بأمثلة حية وقريبة من القارئ العربى؛ وبدلا من أن يُجابه مصطلحا معقدا له سياقه الفلسفى والمعرفى فى الثقافة الغربية؛ سيجد القارئ بكل بساطة وسلاسة تحليلا ممتعا لفيلم سينمائى شهير؛ مثلا (مالفيسنت وonalisa smiles) أو وهى تفكك الصور النمطية الذهنية التى تم ترسيخها لنماذج معينة من التحرر النسوى، تجد أنها تستعين بأفلام رأفت الميهى الفانتازية «سيداتى آنساتى»؛ مثلا، أو تعود إلى أفلام الأبيض والأسود مثل فيلم «مراتى مدير عام»، أو فيلم «البوسطجى»، أو فيلم «صباح الخير يا زوجتى العزيزة».. إلخ.
وبدلا من الاستغراق فى تفاصيل ودهاليز النظريات المعقدة والمتشابكة بطبيعة الحال؛ تحيل هبة شريف إلى روايات معروفة أو حققت نجاحا وانتشارا جماهيريا بدرجة ما (روايات الأفغانى خالد حسينى الشهيرة «عداء الطائرة الورقية»، و«ألف شمس مشرقة».. وغيرها) لتستخلص منها نموذجا دالا على فكرة أو تربط عن طريق المقارنة والتحليل بين شخصيات تنتمى إلى أكثر من عالم ونسق ثقافى وفكرى كى تصل إلى لب وجوهر الفكرة التى تريد التدليل عليها أو عرضها أو نقضها!
قد لا تتفق مع كل ما تطرحه هبة من تحليلات أو نظرات أو آراء، لكن لا أظن أن هناك من لا يقدر هذا الجهد ولا ينظر بإعجاب إلى عمق الثقافة والتأسيس النظرى العميق الذى لا يكاد يبين ككتلة مصمتة ثقيلة، بل يتخلل التحليل برشاقة ويسر وذكاء يثير الإعجاب..
«نون النسوية» كتاب قيم وممتع.. يستحق قراءات مطولة ومناقشات مستفيضة.