يارينا تواجه بوتين فى كييف - جورج فهمي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 10:24 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

يارينا تواجه بوتين فى كييف

نشر فى : الأربعاء 2 مارس 2022 - 9:55 م | آخر تحديث : الأربعاء 2 مارس 2022 - 9:55 م

اتخذ الرئيس الروسى فلاديمير بوتين قراره بغزو دولة أوكرانيا فجر الخميس فى الرابع والعشرين من فبراير، واتخذ الحبيبان الأوكرانيان يارينا أرييفا وسفياتوسلاف فورسين قرارهما بالزواج فى اليوم نفسه.

لم تكن هذه خطتهما منذ البداية. فقد خطط الحبيبان للزواج فى مايو من هذا العام، إلا أن تسارع وتيرة الصراع السياسى بين روسيا وأوكرانيا دفعهما إلى اتخاذ هذه الخطوة، خاصةً بعد إعلان روسيا بدء الهجوم على أوكرانيا بسلسلة من الهجمات الصاروخية، قبل أن تبدأ القوات الروسية هجوما من ثلاث جهات بهدف السيطرة على البلد الذى يبلغ عدد سكانه 44 مليون نسمة.

وبينما كانت القوات الروسية تسير وفق خططها العسكرية للوصول إلى العاصمة الأوكرانية كييف باستخدام قواتها البرية والبحرية والجوية، شهدت المدينة وبالتحديد دير القديس ميخائيل مراسم زفاف يارينا وسفياتوسلاف البسيطة، التى جرت وسط دوى صافرات الإنذار بدلا من أجراس الكنيسة كما هى العادة فى مثل هذه المناسبات. ولم تمضِ ساعات على زواجهما حتى اختار الحبيبان الالتحاق بالمقاومة الشعبية التى بدأت فى التشكّل من المواطنين الأوكرانيين للدفاع عن مدنهم فى مواجهة زحف القوات الروسية.

• • •

تعود جذور هذه الأزمة بين أوكرانيا وروسيا إلى العام 2014 عندما خرج الأوكرانيون إلى الشوارع فى موجة احتجاجات واسعة ضدّ رئيس الدولة آنذاك فيكتور يانوكوفيتش الموالى لروسيا. ونجحت الاحتجاجات عقب شهور عدّة فى الإطاحة بيانوكوفيتش الذى هرب إلى موسكو. فردّت روسيا على هذا الأمر، مستغلّةً حالة فراغ السلطة لتسيطر على شبه جزيرة القرم جنوب أوكرانيا، التى تقطنها أغلبية من ذوى الأصول الروسية. وقد كانت شبه جزيرة القرم تابعة لروسيا إلى أن ألحقها الرئيس السوفياتى السابق نيكيتا خروتشوف بأوكرانيا كهدية فى العام 1954، ثم أصبحت جزءا من أوكرانيا بعد تفكّك الاتحاد السوفياتى. استغلّت روسيا تلك الأزمة لتضع القرم مجددا تحت سيادتها، فأُجرى استفتاء عام فى مارس 2014، حيث صوّت سكان القرم للانضمام إلى روسيا. غير أن أوكرانيا والدول الغربية رفضت نتيجة الاستفتاء متّهمةً إياه بأنه غير شرعى.

دعمت روسيا أيضا الحركات المعارضة لسلطة أوكرانيا فى مناطق شرق أوكرانيا، التى تسكنها أكثرية ناطقة باللغة الروسية، وسرعان ما اتخذت هذه الحركات المعارضة طابعا مسلحا مع ظهور ميليشيات انفصالية مدعومة من روسيا. وقد خاضت هذه الميليشيات حربا ضد القوات الأوكرانية أودت بحياة أكثر من 14 ألف شخص منذ اندلاعها فى أبريل 2014.

• • •

ازدادت حدّة التوتر مرة أخرى بين روسيا وأوكرانيا فى نهاية العام الماضى، حين قامت روسيا بنشر أعداد كبيرة من قواتها المسلحة بالقرب من حدود أوكرانيا. وصرّح بوتين بأن اتفاقات السلام بين روسيا وأوكرانيا لم تعد موجودة، مُعلنا اعتراف روسيا بالمناطق الخاضعة لسيطرة المتمرّدين داخل أوكرانيا باعتبارها مناطق مستقلّة.

جاءت هذه التحرّكات الروسية ردّا على التقارب بين أوكرانيا وكلّ من الاتحاد الأوروبى وحلف الناتو، حيث يرى بوتين أن هذا التقارب مُوجَّه بالأساس إلى روسيا، ويهدّد مستقبلها وتاريخها كأمّة. وترى روسيا أن على حلف الناتو ألا يقبل أبدا انضمام أوكرانيا إليه، وألا ينشر أى أسلحة هجومية بالقرب من الحدود الروسية، وأن ينسحب من البلدان التى تعتبرها روسيا دول «المواجهة» مثل بولندا ورومانيا وبلغاريا، التى كانت فى السابق ضمن حلف وارسو الموالى للاتحاد السوفياتى قبل انهيار هذا الأخير.

إضافةً إلى هذه الأسباب كلها، يشعر بوتين بالقلق من أجواء الحرية والديمقراطية التى تعرفها أوكرانيا، والتى يمكن أن تدفع الشعب الروسى إلى المطالبة بحريات مشابهة لتلك التى يتمتّع بها جيرانه، وهو ما سيهدّد بالتأكيد سلطة بوتين ونخبة الحكم المرتبطة به. فقصة الحب نفسها بين يارينا وسفياتوسلاف نشأت خلال أحد الاحتجاجات الشعبية التى شهدتها كييف فى العام 2019، فى إطار هذا المناخ الديمقراطى الذى يخشاه بوتين، حيث التقى الحبيبان وقرّرا الارتباط.

• • •

بنى بوتين قراره بالهجوم العسكرى على اعتبارات عدّة، فى مقدّمتها الفشل الذى مُنى به حلف الناتو فى أفغانستان، إضافةً إلى سياسة الإدارة الأمريكية الجديدة القائمة على تقليل تواجدها العسكرى خارج حدودها، وهو الأمر الذى سيضع على كلّ من الطرفين قيودا على فرص تحرّك عسكرى مباشر ضد الهجوم الروسى. كذلك يراهن بوتين على اعتماد العديد من الدول الأوروبية على الغاز الروسى الذى يشكّل قرابة الـ40 فى المائة من احتياجات أوروبا، الأمر الذى سيفرض بدوره قيودا على قدرة الدول الأوروبية على التحرّك ضد روسيا، ولا سيما خلال شهور الشتاء التى يبلغ فيها الطلب على الغاز فى أوروبا ذروته.

لكن ربما ما لم يتوقّعه بوتين هو تلك الروح المقاومة لدى الشعب الأوكرانى، كما هو حال يارينا وسفياتوسلاف، بل أيضا الكثيرين غيرهما ممّن رفضوا الاستسلام والهروب، وقرروا الصمود فى مدنهم باستخدام أسلحة خفيفة وزجاجات المولوتوف، وجلسوا فى انتظار القوات الروسية. كما أن الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلنسكى خرج فى تسجيل مصوّر ليعلن أنه لم يعطِ أوامر بالانسحاب أو ترك السلاح، وأنه مع الأوكرانيين للدفاع عن أرضهم. وقد أشارت تقارير صحفية إلى رفض زيلينسكى عرضا أمريكيا بإجلائه من كييف لكى لا يقع فى أسر القوات الروسية، وفضّل البقاء وسط قواته فى كييف.

وكذلك الحال خارج أوكرانيا؛ حيث ثمّة تعاطف واسع من العديد من شعوب العالم مع الشعب الأوكرانى الذى يدافع عن أرضه بأدواته البسيطة فى مواجهة غطرسة القوة الروسية. وقد انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعى صورة الحبيبين الأوكرانيين وهما فى الكنيسة خلال مراسم زواجهما وبعدها، وكلّ منهما يحمل سلاحه بينما تستند يارينا على كتف حبيبها. وصارت الصورة رمزا لصمود الشعب الأوكرانى فى المعركة بالحب والنقاء والسعادة فى مواجهة الآليات العسكرية الروسية المتطورة.

تبدو حسابات الاجتياح الروسى لأوكرانيا معقّدة. فقد قررت روسيا التصعيد وهى تعلم حدود قدرة الدول الغربية على مواجهتها، ما يعطيها فرصة حقيقية فى حسم المعركة لصالحها. لكن يارينا وغيرها من المواطنين الأوكرانيين الذين اختاروا البقاء فى مدنهم لا يأبهون بتعقيدات تلك الحسابات السياسية أو ميزان القوى العسكرية بين روسيا والغرب. فقد حسموا أمرهم واختاروا المقاومة. تقول يارينا فى حوار معها إنها لا تزال تأمل أن تتمكّن من الاحتفال بزواجها يوما ما: «عندما تخرج القوات الروسية من بلادنا سيكون لدينا القدرة على الاحتفال بشكل طبيعى فى ظلّ بلد آمن وسعيد». ويبدو أنها مصرة على هذا الأمر.

جورج فهمي أستاذ مساعد بالجامعة الأوروبية بفلورنسا
التعليقات