تسالى.. - داليا شمس - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 11:12 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تسالى..

نشر فى : السبت 2 يونيو 2012 - 8:15 ص | آخر تحديث : السبت 2 يونيو 2012 - 8:15 ص

حركة القزقزة كانت تتم بشكل ميكانيكى وبسرعة كبيرة وكأننا فى فيلم «العصر الحديث» لشارلى شابلن، كميات من قشر اللب الأبيض امتلأت بها صحوننا أثناء متابعة نتائج الانتخابات وتحليلاتها، جميعنا انتخبنا ثم تحولنا بالضرورة لمتفرجين، نحاول رصد ما سيحدث لنا قريبا وبعد طول انتظار... وحاليا لا يسعنا سوى قزقزة اللب لكظم الغيظ وتخفيف مستوى التوتر الذى ساد غرفة المعيشة، نلتف حول جهاز التليفزيون، فمصيرنا أصبح يعتمد على ما سيأتى به المعلقون.. حركة الالتقاط والتقشير والتفصيص تتم بشكل عفوى، ويرتفع صوت طقطقة، الواحد يقزقز بصوت غريب وكأنه يتنقم من اللباية «المطروحية» أى التى اشترينها قبل أيام من مدينة مطروح.

 

حتى اختيار اللب لم يكن سهلا، فقد انتشرت فى المدينة نفسها، بل فى شارع علم الروم نفسه، العديد من المحمصات التى تحمل اسم «نصر» الأشهر فى عالم التسالى والقزقزة، وعلى المهتم بالجودة أن يميز بين الأصلى والتقليد، بين الغث والثمين.. ولكن وجود الكثر الذين يدعون أنهم «نصر»، يجعل الاختيار صعبا، خاصة أن لا أحد فيهم يجيبك عن سؤال: لماذا سمى الشارع والشاطئ بعلم الروم؟ فيعطيك انطباعا أن كلهم دخلاء على المنطقة، ولم يسمعوا يوما أنه كان يوجد هنا حصن للقوات الرومانية إبان الفتح الإسلامى لشمال أفريقيا. بائعو اللب بمطروح اهتموا فقط وقتها بالدبابات والمدرعات التى أخذت تجوب مدينتهم لتأمين الانتخابات، وقد انقسم معظمهم بين مؤيد لأبوالفتوح ومرسى، حتى لو لم يزرهم هذا الأخير بنفسه واكتفى ببعث أفراد من حملته. المركبة العسكرية حطمت الأسفلت تحطيما، بعد أن غرست أنيابها ــ أقصد جنزيرها الحديدى ــ فى الأرض، تاركة أثرا لا تمحوه أقدام السائرين، فهى لم تصنع لكى تمشى هكذا بيننا فى المدن والقرى، لكى تفصل بين هذا الفريق أو ذاك.. لكن على أية حال مطروح لم تحمل إلا قليلا من ذكريات التاريخ، رغم وجودها قبل مدينة الإسكندرية بعدة قرون.

 

●●●

 

نصحنا البائع بتناول حفنة من اللب الأبيض المحمص فى المساء لأن هذه الحبوب الغنية بالماغنسيوم تهدأ الجهاز العصبى وتساعد على استرخاء العضلات والنوم (ويقال أيضا إنها مفيدة فى حالات التضخم الحميد للبروستاتا).. وقد كان بالفعل نظرا للأحداث السياسية، أخذت الأفواه فى طحن وهرس بضائع «المقلة»، على غرار ما كان يفعله الوزراء وأعضاء مجلس الشعب فى النظام السابق عندما كانوا يأكلون اللب أثناء الجلسات أى داخل قاعات البرلمان. وبعد الثورة وأثناء خضوع فتحى سرور، رئيس مجلس الشعب المنحل، للمحاكمة فى قضية قتل المتظاهرين السلميين يومى 2 و3 فبراير 2011 استكمل «برنامج قزقزة اللب» داخل قفص الاتهام. توتر أو مجرد تسالى لشعور بالملل؟ مشاهد كهذه تجعلنا نتساءل عن موقع اللب على قائمة اهتمامات الشعب المصرى وهو الذى ينفق 220 مليون جنيه سنويا على القزقزة؟ فنجد أن عددا من المواطنين توجهوا يوما إلى الشيخ ياسر برهامى ليستفتوه على أحد المواقع الدينية ( طريق الاسلام) إذا ما كانت قزقزة اللب ومضغ اللبان من «خوارم المروءة»؟.. فرد عليهم أنها «من باب خوارم المروءة إذا كانت وسط الناس، أما إذا كانت فى البيت فلا تحرم». المشكلة ليست لدى الشيخ فإجابته منطقية، بل لدى من يسألونه ويطلبون مشورته فى توافه الأمور وكأن لا عقل لهم. حياتنا تتأرجح بين الذات السطحية والذات العميقة، الأولى هى التى نمضى بها فى زحام الناس والاجتماعيات والتقاليد وقد لبسنا نفسا مستعارة وثرثارة تقتل الوقت بانشغالات مثل قزقزة اللب ولعب الطاولة لنفرز مللنا وكسلنا وضيقنا، والثانية هى التى نغوص فيها ساعات وحدتنا لنكتشف أنفسنا ونتعرف على وجوهننا الحقيقية.. ربما نحتاج أن نختلى بها الآن.

التعليقات