توجه الفرص الاستثمارية والاقتصادية فى عالم متغير - محمد الهوارى - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 8:01 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

توجه الفرص الاستثمارية والاقتصادية فى عالم متغير

نشر فى : السبت 2 نوفمبر 2019 - 9:10 م | آخر تحديث : السبت 2 نوفمبر 2019 - 9:10 م

من أهم الاختلافات بين الاقتصادى ومدير صناديق الاستثمار أن الأول رأسماله رأى يقوم على علم ودراسات ويدافع عنه وعادة ما يأخذ كثيرا من الوقت ليغير وجهة نظره إذا اكتشف خطأ رؤيته. أما الثانى فرأس ماله حسابات موجبة وسالبة، وعندما يكون له رؤية فهو يتخذ قرار بناء عليها ولكنه يحسب نسبة إمكانية الخطأ فى رأيه قبل اتخاذ القرار وغالبا ما يقرر النقطة التى سيتخلى فيها عن قناعاته لأن الأسواق أثبتت خطأ رؤيته وذلك من قبل أن يدخل فى مغامرته المالية. هذا فى تقديرى أهم أسباب فشل بعض كبار الاقتصاديين فى إدارة الأموال حيث إن مدير الاقتصاد يحتاج إلى أن يبقى خط رجعة حتى لا ينتهى مستقبله المهنى بسبب خطأ واحد فى التقدير.
هذه المقدمة مهمة لأن العالم اليوم يبدو أنه قى لحظة فارقة يشوبها الاختلاف والخلاف حول ماهيتها وكذلك فى استقراء المستقبل منها أكثر من أى وقت منذ الأزمة المالية العالمية. هناك من جهة مثلا رأى الاقتصادى الحائز على نوبل روبرت تشيلر والذى أعلنه أخيرا أن أمريكا بعيدة كل البعد عن مخاطر الكساد الاقتصادى خاصة اذا تم انتخاب ترامب لفترة جديدة حيث أن فترة رئاسته تميزت بالعديد من المحفزات لمجتمع الأعمال. من جهة أخرى يوجد رأى مجموعة من الاقتصاديين وعلى رأسهم الحائز على نوبل جوزيف ستيجليتز وبينهم اقتصاديون مناهضون للعولمة واقتصاديون صينيون ينادون بإعادة رسم العلاقات الاقتصادية الأمريكية ــ الصينية وذلك للحفاظ على مسار ايجابى لأكبر اقتصادين فى العالم تجنبا لمخاطر لا يحمد عقباها. من جهة أخرى، راى داليو رئيس أكبر صندوق مخاطر فى العالم يرى اللحظة الحالية شبيهة بفترة أواخر الثلاثينايت وهى الفترة التى سبقت الحرب العالمية الثانية بكل المشاحنات والخلافات الدولية فى التجارة والعملة وغيرها ويرى ان العالم يتجه نحو فترة كساد وإن كان يتوقع أنها لن تكون عنيفة. رأى رابع لجيم روجرز وهو مدير الاستثمار الأسطورى الذى بدأ الصندوق الكمى Quantum Fund مع جورج سورس منذ عقود وأعلن اعتزاله منذ أن كان فى الثلاثينيات من عمره وهو يرى أن العالم وأمريكا بالذات مقبلة على انهيار فى أسواقها سيكون الأكبر فى حياته وهو الذى عايش الإثنين الأسود عام 1987 والأزمة المالية العالمية عام 2008.
عودة للمقدمة، إذن فاتخاذ قرار استثمارى اليوم يعتبر من أصعب ما يمكن. لدينا علماء أجلاء ومديرو استثمار عظماء، آراؤهم على جميع درجات الطيف من الايجابى جدا وحتى شديدة السواد. لكن لاتخاذ قرار استثمار جيد لا يحتاج أن تكون لك وجهة نظر صائبة فى كل شىء، انت تحتاج فقط إلى أن تنظر للمعطيات التى اتفق عليها الجيمع وتأخذ منها المؤشرات الواضحة. ما هى أهم هذه المعطيات؟
أولا: العولمة والنمو المطرد فى الأسواق الناشئة وخاصة الصين منذ عام 2000 حمس العالم على تنمية القطاع الصناعى وقطاعات الموارد الطبيعية مثل التعدين والاستكشافات وحفر آبار البترول بصورة مطردة تسببت فى أن العالم اليوم يعانى من تضخم العرض فى هذه القطاعات وتسبب ذلك بالتالى فى تدهور الأسعار لأغلب السلع الرئيسية منذ سنوات.تسبب ذلك بالتالى لتوقف أو تباطؤ الاستثمار فى أغلب هذه القطاعات، بذلك يكون من المنطقى أن ننظر لأكثر القطاعات تضررا من تضخم العرض وننظر لخريطتها الاستثمارية لنستقرئ مستقبل هذه الصناعة أو السلعة.البترول مثلا مثال واضح على هذه الحالة.المعروض العالمى فى ازدياد خاصة مع سماح الولايات المتحدة لآليات استخراج النفط الصخرى. تسبب هذا فى أن أوبك تكاد تكون فى حاجة دائمة لوقف بعض الامدادات حتى تحافظ على مستوى سعرى معقول لنفطها. وتسبب ذلك أيضا فى تراجع الاستثمار فى هذه الصناعة. بالطبع هناك أسباب أخرى للضغط على أسعار النفط مثل تزايد استخدامات الطاقة المتجددة والبديلة وهبوط تكلفة استثماراتها ولكن أغلب الظن أن الاستثمار فى النفط متأثرا بكل هذه العوامل قد تراجع لمستوى سيجعل المعروض فى لحظة ما فى المستقبل أقل من الطلب وتصبح العملية مربوطة بالتوقيت الجيد للدخول فى هذه الصناعة باستثمارات جديدة.
اقتصاديا تراجع القطاع الصناعى والتعدينى يعنى أن العالم يتجه الآن للاقتصاد الخدمى.كنا نعلم دائما أن أدنى نقطة فى السلسلة الغذائية هو مورد الخامات سواء كانت هذه الخامة ذهب أو حديد أو نفط أو غاز.الصناعات التحويلية أصبحت شىءلابد منه لتعظيم الاستفادة من هذه الموارد. الجديد أن حتى الصناعات التحويلية أصبحت الاستفادة منها ضئيلة ويتوجب على الدول والمستثمرين الآن تحويل هذه السلعة إلى خدمة. أبسط مثال على هذا زراعة القطن. فلننظر لحصيلة مزارع القطن من محصوله فى مقابل المصنع المحلى الذى يقوم بتحويل القطن إلى قميص لصالح شركة أمريكية مثلا بناء على مواصفاتها وأخيرا فلننظر لأرباح كلاهما مقابل أرباح هذه الشركة الأمريكية التى حولت هذا القميص إلى خدمة: سلعة معروضة فى محل،عليها علامة الشركة كضمان للجودة والنوعية، ويساعدك بائعين لإيجاد أفضل قميص يناسبك وقياسه وشراؤه واسترجاعه اذا غيرت رأيك أو كانت لديك مشكلة فيه. مثال آخر واضح أرباح مصنع هواتف الآى فون الصينى مقابل أرباح شركة آبل المالكة. العالم يتجه لاقتصاد خدمى فى المقام الأول ويتعين علينا اللحاق به.
ثانيا: التضخم العالمى فى تراجع وبالتالى أسعار الفائدة. منذ السبعينيات واتفاقية بريتون وود،أصبح للبنوك المركزية استقلالية ودور واضح وهو السيطرة على معدل التضخم الوطنى. قد يكون هناك أهداف أخرى معلنة ولكن يبقى التضخم كهدف أساسى دائما وأبدا.اذن فقد يكون هناك فترات لارتفاع أسعار الفائدة ولكن الاتجاه السائد سيكون أسعار فائدة منخفضة.ومعنى ذلك أن المستثمر يجب أن ينظر للفرص التى تستفيد من هذا الوضع. وهذا كان من أهم أسباب نجاح تجربة مصر فى أسواق الدين العالمية لأن معدل الفائدة الحقيقى أعلى بكثير من المعدلات الأجنبية وسيظل هذا الوضع ثابتا طالما هناك استقرار فى سعر صرف العملة حتى بعد تخفيض أسعار الفائدة من البنك المركزى.تواجدنا فى أسواق المال العالمية بصفة مستمرة وقوية يعنى أن تكلفة التمويل لدينا ستنخفض مع الوقت اذا تمكننا من تلافى أى صدمات قوية وستمكننا من تمويل مشاريعنا بأسعار تنافسية.
ثالثا: كنا تكلمنا فى مقال سابق عن تراجع العولمة وضرورة بناء تكتلات اقليمية وقارية قوية لمواجهة التغير فى النظام العالمى. وعندما نربط النقطتين السابقتين بهذه الحقيقة نجد أن لدينا صورة كاملة نستطيع أن نبنى عليها ليس فقط رؤية استثمارية واضحة ولكن أيضا رؤية اقتصادية تمكننا من اللحاق بركب القرن الواحد والعشرين وتبوء مرتبة اقتصادية متقدمة وكذلك رخاء اقتصادى لشعوبنا اذا كانت هناك رؤية واضحة للتنفيذ وتهيئة العمالة بالتعليم والتدريب لخلق سلاسل قيمة جديدة وكاملة للمنتج المصرى وايصاله للعالمية على الأقل فى بعض الصناعات التى نتميز فيها.

محمد الهوارى مدير صناديق استثمار دولية
التعليقات