لم نسمع أصواتهم.. فأسمعونا صوت الرصاص - رباب المهدى - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 4:52 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لم نسمع أصواتهم.. فأسمعونا صوت الرصاص

نشر فى : الأحد 3 فبراير 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 3 فبراير 2013 - 8:00 ص

حينما كتب المدون والناشط الشاب محمد أبوالغيط تدوينته الشهيرة «الفقراء أولا يا ولاد..» فى صيف ٢٠١١، كان يعبر عن غضب فئة غير قليلة من اختزال النقاش السياسى فى معركة أولوية الدستور أم الانتخابات، وبرغم اهتمام وسائل الإعلام بدعوته للانتباه لمطالب الفقراء (مقابل التركيز على ترتيب الإجراءات السياسية والاستحقاقات الانتخابية) وثناء الفرقاء السياسيين عليها، فإنها ما لبثت أن خفتت وعاد الجدل حول الانتخابات، والنزاع بين ما يسمى التيار الإسلامى والتيار المدنى (سواء فى انتخابات مجلس الشعب أو الرئاسة) لتصدر المشهد.

 

•••

 

أصرت النخبة السياسية ــ حكاما ومعارضة وإعلاما ــ خلال العامين الماضيين على اختزال الثورة فى «عملية تحول ديمقراطى»، وقصر الجدل على الإجراءات الأنسب لذلك، ورفض الحكام ــ العسكر ثم الإخوان ــ الالتفات لاستحقاقات العدالة الانتقالية الناجزة والشاملة، أو العدالة الاقتصادية وتوزيع الثروة، بل واستغلوا مطالبات القصاص والعدالة الاجتماعية لمحاولة تمرير إجراءات تعزز سلطتهم، سواء كانت إعلانا دستوريا مقيتا أو ضرائب ظالمة.

 

فكانت النتيجة الحتمية لمحاولات اختزال الثورة فى عملية تحول ديمقراطى (مشوهة) دون إحداث أى تغيرات جذرية، وانشغال السياسيين بالصراع حول الهوية الإسلامية أو العلمانية لدولة خربة، هى موجة العنف التى نشهدها. فالعنف ــ إضافة لكونه تعبيرا عن كفر بالدولة وسياستها ــ هو تعبير عن كفر بالقوى السياسية، ومؤشر على قناعة مجموعات من المصريين بانسداد الأفق السياسى للتغيير الجذرى، ومن ثم اضطرارهم اللجوء للعنف، حتى وإن تأكدوا أنه لن يحقق شيئا. فما بين التطبيع مع رموز نظام مبارك والعسكر، وإعادة إنتاج سياسات نظامه الأمنية والاقتصادية، وتعامل كل القوى السياسية مع البشر كأصوات انتخابية (البعض يتهمهم بالجهل ويدعو لحرمانهم من التصويت أو «الارتقاء» بوعيهم، وآخرون يحاولون استغلال حاجتهم ومشاعرهم «لتوجيههم»)، لم يعد مستغربا أن يفقد جزء كبير منهم الإيمان بالعملية السياسية برمتها.

 

وبالتالى فتحميل مجموعة صغيرة من الشباب يسمون البلاك بلوك مسئولية العنف، أو إلقاء المسئولية على جبهة الإنقاذ وقوى الثورة المضادة، هو قصر نظر، سيؤدى لتكرار موجات العنف، فلا الجبهة، ولا الرموز الشبابية من أيقونات الثورة الذين يظهرون على الفضائيات، يستطيعون إيقافه، لأنهم ــ ببساطة ــ غير مرتبطين بفئات فقراء المدن الذين خرجوا ليسمعونا صوت الرصاص بعد أن رفضنا سماع أصواتهم، فأقصى ما تستطيع الجبهة فعله ــ كما وضح فى بيانها الأول فى هذه الأحداث ــ هو محاولة تعظيم مكاسبها الانتخابية.

 

•••

 

نعم، بالتأكيد هناك بلطجية ومسجلون خطر وجزء من الأجهزة الأمنية يتكسبون على هامش المشهد ــ مثلما حدث خلال الأيام الأولى للثورة ــ ولكنهم ليسوا الوقود الحقيقى لا لموجة العنف هذه، ولا لموجات أخرى أراها قادمة (وأرجو أن يخيب ظنى)، فالقلب الصلب لهذا المسار هم فقراء المدن، الحرافيش كما سماهم نجيب محفوظ، ممن أنجزوا الثورة على الأرض فى ٢٨ يناير ٢٠١١ ثم عادوا لينتظروا ثمارها فلم يجدوا غير الخذلان من الجميع؛ نحن ندفع ثمن استبعاد أغلبية الشعب من العملية السياسية بحصرها فى معارك لم يقرروها، ولم تكن يوما ما ضحوا لأجله، وإغفال معارك أخرى أكثر وضوحا وتماسا مع حياتهم.

 

أما محاولات إيقاف العنف عن طريق الحلول الأمنية فهى ــ مع تكلفتها الباهظة فى الأرواح ــ تبقى محدودة الأثر، وغير مستدامة، فمحاولات وراثة دولة مبارك بأجهزتها القمعية وسياستها الظالمة لن تجدى نفعا لأن الدولة صارت نمرا من ورق؛ خيال مآتة لا يخيف غير الطيور وذوى أحلام العصافير، فعلى من يتكلم عن هيبة الدولة إدراك أن الهيبة لم تكسر وحدها، وإنما كسرت معها قبضة الدولة الحديدية، وبالتالى فالسبيل الأوحد لاستعادة الأمن هو بناء شرعية العدل لا القوة.

 

•••

 

فالأنجع من إعلان الطوارئ، أو التفاوض حول قانون الانتخابات، هو إقرار مشروع متكامل للعدالة الانتقالية، ورسم سياسات اقتصادية يطمئن الناس إلى أنها ستحقق العدالة الاجتماعية، أما محاولات إسكات الناس عن مطالبهم المشروعة، مرة بحجة عجلة الإنتاج، وبوصمهم بالبلطجة وكبح وسائل الاحتجاج السلمى (بدءا من إصدار قانون تجريم الاعتصامات ومرورا بتجاهل إضرابات العمال والأطباء والمدرسين)، فلن يورثنا إلا مزيدا من العنف وصوت الرصاص.

 

 

 

 

 

أستاذة العلوم السياسية بالجامعة الامريكية

التعليقات