إذا لم تستح فاطعن كيفما شئت - أميمة كمال - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 9:15 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إذا لم تستح فاطعن كيفما شئت

نشر فى : الإثنين 3 أكتوبر 2011 - 8:55 ص | آخر تحديث : الإثنين 3 أكتوبر 2011 - 8:55 ص

والله العظيم أتحدى أى مسئول شريف، يحمل حبا لهذا البلد، أو يحفظ لها ودا، أو حتى جرب يوما ذلك الشعور بالحنين إليها بعد غياب، أتحداه أن يقوى قلمه بالتأشير على طلب بالطعن على أحكام ذلك القاضى النبيل، الذى أصدر حكما باسترجاع شركات القطاع العام إلى الدولة، بعد أن يكون قد قرأ حيثيات الحكم. أقول إذا كان شريفا، ومحبا، وحافظا للود، وقرأ الحيثيات.. فإنه حتما لن يستطيع.

 

لن يستطيع حتى ولو كان قد شارك فى ذلك الاجتماع الذى عقد أخيرا بغرض الالتفاف على تنفيذ الحكم القضائى، وخلق الذرائع للمماطلة فى تسلم شركات القطاع العام الثلاث، حتى التوصل إلى اتفاق على الجهة الحكومية التى تقبل حمل وزر التقدم بطعن على الحكم. بعد أن كانت قضايا الدولة، والشركة القابضة قد أعلنتا أنهما لن تطعنا، وستلتزمان بالتنفيذ.

 

والحقيقة أن كل المبررات التى تجعل أى مسئول فى الحكومة يفكر فى الطعن على الحكم سبقهم القاضى بالرد عليها، وكأنه كان يعرف أن أول ما سيبحث عنه المسئولون هو سبل التهرب من تنفيذ الحكم. فهم يحذرون من أن هذا الحكم سوف يعرض مصر للتحكيم الدولى الذى يمكن أن يكلف الدولة ملايين الجنيهات فيقول القاضى، سلمت يده ولسانه، فى حيثيات حكم شركة طنطا للكتان، مثلا: «عقد بيع شركة طنطا تم إبرامه مشوبا بالفساد وإهدار المال العام، والإضرار بالاقتصاد القومى، ووفقا لسياسات قام عليها مسئولون عاثوا فى الأرض فسادا، وشاركهم مستثمرون كل غرضهم زيادة أرباحهم على حساب إهدار المال العام. الأمر الذى يجعل هذا العقد الباطل الذى تم التحصل عليه بطريق الفساد غير جدير بالحماية الدولية المقررة للاستثمارات الأجنبية، التى يغطيها مركز تسوية منازعات الاستثمار فى واشنطن».

 

أما المفزوعون من تأثير الحكم على مناخ الاستثمار وتطفيش المستثمرين الأجانب، فحيثيات الحكم كفيلة بإخراسهم.. «الحماية القانونية للمستثمر هى أبرز الضمانات التى تجعله يأخذ قرار الاستثمار. ومن ثم يكون تحفيزه عن طريق منحه ضمانات الحماية من التعرض لمخاطر البلد المضيف كالحروب، والتأميم، والمنع من تحويل ناتج الاستثمار إلى الخارج. ومن ثم فإن المستثمر المخطئ والذى تعترى تعاقداته شبهات الفساد، لا يمكن اعتباره مستثمرا حسن النية، سيما عندما يتكشف غرضه فى انتهاك قوانين الدولة، وإفساد وتخريب وتدمير المشروع المسند إليه. فإن الصمت على هذه الجرائم، وعدم القضاء بما هو حق بذريعة الحفاظ على المستثمر، لا يكون إلا إنكارا للعدالة يعاقب عليها القاضى، بل ويعد معاقبة من جانب القضاء لكل من يدافع عن المال العام».

 

ويبدو أيضا أن القاضى كان حريصا على ألا يجعل المسئولين يترددون فى التنفيذ فتأتى الحيثيات «أساس الوجود الشرعى للسلطة الحاكمة هو احترام وتنفيذ الأحكام القضائية، ولئن كان القضاء هو ملجأ من يلوذ به، فإنه ومهما أوتى من عزم، فإنه لن يلبى متطلبات الشرعية إلا باستجابة فورية، وإرادة فعالة من السلطة التنفيذية على أن تنفذ أحكام القضاء».

 

ولا أعرف كيف يبرر أى مسئول حكومى مازال يجلس على كرسيه بعد ثورة يناير قراره بالطعن على حكم أصدره قاض فى مواجهة ما أظهره الحكم من أن عمليات الخصخصة تعكس مدى السيطرة الأجنبية على القرار الاقتصادى فى مصر والذى تم برضا مجلس الشعب، ورئيس الدولة. فالقاضى يقول فى حيثياته: «المحكمة قد هالها ما انطوت عليه الدعوى من فساد جد خطير، ألا وهو تمويل الجهات الأجنبية لقرارات الخصخصة فى مصر. وهذا خير شاهد على التدخل السافر فى الشئون الاقتصادية للبلاد، وتسخير أموال المنح والمعونات للمساس بسيادة الوطن. «وكانت اتفاقية منحة مشروع الخصخصة بين مصر وأمريكا فى عام 1993 هدفها مساعدة مصر فى بيع 150 مشروعا. وقد أديرت مسئوليات تنفيذ الخصخصة بواسطة (مكتب الشئون المالية والاستثمار) التابع لإدارة التجارة بالوكالة الأمريكية للتنمية الدولية. وهى جهة أجنبية تحكمت تماما فى المسئوليات الخاصة بتنفيذ الخصخصة. وأشارت الإتفاقية إلى التزام الحكومة المصرية بتقديم تقارير سنوية إلى الوكالة الأمريكية عن عدد المشروعات التى تم بيعها». «بل إن اتفاقية المنحة الأمريكية أسهمت فى الرغبة الجامحة لإتمام الخصخصة فى أسرع وقت، وعلى أى نحو من أجل استنفاد نقود المنحة، لأن الإخفاق فى البيع معناه استرداد ما تم صرفه من هذه المنحة».

 

فإذا كانت المحكمة قد هالها السيطرة الأجنبية ولم تجد لديها إلا إصدار حكم ضد تداعيات هذه السيطرة، فالطعن معناه على الفور هو موافقة من حكومة الثورة الجالسة على كراسى الحكم الثورى أنها لا تضايقها السيطرة الأجنبية، ولا ترى أى غضاضة من أن سياسة الخصخصة فى مصر كانت صنيعة أمريكية بإيدى مصرية.

 

ويبدو أنه قد فاتكم أيها المجتمعون على طعن الحكم أن المحكمة نصت فى حيثياتها على أن الصيغة التنفيذية يمكن أن يحصل عليها كل من له منفعة من تنفيذ الحكم، وعليها ختم المحكمة. «وإذا تعدد المحكوم لهم، أو تعدد من تعود عليه منفعة من تنفيذ الحكم، كان له الحق فى الحصول على صورة تنفيذية للتنفيذ بمقتضاها فيما حكم به». لذلك اطعنوا كيفما شئتم، لأنكم فعلا لستم أصحاب لا مصلحة ولا منفعة. أما أصحاب المصالح فتملأهم منافع هذا الحكم حماسا لا يفتر، حتى فى ظل أزهى عصور الطعون الذى نعيشه الآن.

 

سوف يفعل أصحاب المنفعة ما لا يستطيع غيرهم فعله، وذلك بفضل ختم المحكمة الذى يحملونه الآن، وقبله نسيم يناير.

 

okamal@shorouknews.com

 

أميمة كمال كاتبة صحفية
التعليقات