البرادعى فى مجلس الشعب - أحمد يوسف أحمد - بوابة الشروق
الثلاثاء 7 مايو 2024 2:37 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

البرادعى فى مجلس الشعب

نشر فى : الخميس 4 مارس 2010 - 9:23 ص | آخر تحديث : الخميس 4 مارس 2010 - 9:23 ص

 فى التاسع عشر من الشهر الماضى عاد الدكتور محمد البرادعى إلى مصر يقضى فيها بضعة أيام للتواصل مع قوى التغيير التى ترى فيه مرشحا أمثل لرئاسة الجمهورية فى انتخابات 2011. ومهما كان الخلاف حول عدد من كانوا فى استقباله، وهل يقدر بالمئات أو بالآلاف فإن الحدث دون شك غير مسبوق فى تاريخ مصر المعاصر، وقد يذكرنا هذا ــ مع الفارق الكبير ــ بين عودة سعد زغلول إلى مصر فى أبريل 1921 بعد أن قطعت المفاوضات المصرية ــ البريطانية التى كان سعد زغلول على رأس «الوفد» المصرى فيها، فى أعقاب رفض لجنة ملنر إدخال التحفظات التى تقدم بها الوفد على مشروع المعاهدة. أقول: مع الفارق الكبير، لأن الدكتور البرادعى لا يواجه احتلالا أجنبيا لمصر، وإنما يواجه جمودا طال أمده، ولأن وصف المؤرخ الكبير عبدالرحمن الرافعى لاستقبال سعد فى تلك المرة ينبهنا إلى الطريق الطويل الذى مازال يتعين على الدكتور البرادعى أن يسير فيه لينجز مهمته.

يقول الرافعى فى الجزء الأول من كتابه «فى أعقاب الثورة المصرية»، معلقا على الاستقبال: «فاستقبلته الأمة بأعظم مظاهر الابتهاج والحماسة، وكان استقباله سلسلة لا نهاية لها من المظاهرات والزينات والأفراح والحفلات منقطعة النظير، واستبان من هذا الاستقبال أن الأمة قد وضعت فيه ثقتها المطلقة، وكأنه قد ملكها روحا قلبا وشعورا، وتأكدت زعامته للأمة بشكل لم يسبق له مثيل».

الفارق شاسع إذن بين الاستقبالين، ومع ذلك فإن البعد الإيجابى الواضح فى عودة الدكتور البرادعى أنه يمكن تكييفه كظاهرة شعبية صنعها عدد من الصحف المستقلة والمعارضة فى سياق حلم مشروع بتغيير حقيقى، بتأييد واضح من قطاعات لها وزنها فى النخبة السياسية المصرية ومن الرأى العام، وصنعتها كذلك استجابة الدكتور البرادعى الجسورة لهذه المبادرة، وهو ما يكشف عن حراك سياسى حقيقى اشتاق له الوطن طويلا، وعن ارتفاع مبكر بمستوى حملة الانتخابات الرئاسية «التعددية» إلى حيث ينبغى أن تكون، فلا أعتقد أنه يشرف أى مصرى بدءا من المواطن العادى وانتهاء برئيس الجمهورية نفسه أن يكون منافسو الرئيس الحالى أو من يسميه الحزب الحاكم مرشحا للرئاسة القادمة أناسا يجد المرء صعوبة فى تذكر أسمائهم، أو يعرف عنهم ما لا يجب قوله فى هذا المقال.

فور وصوله لم يقصر الدكتور البرادعى فى تحركاته فى الأيام القليلة التى قضاها فى مصر، كذلك لم يقصر ممثلو القوى التى تعلقت به مرشحا للرئاسة القادمة، وبعضها بالتأكيد صاحب فضل فى المبادرة بهذا الحراك وبلورته كما سبقت الإشارة، فحدث عديد من اللقاءات بين الدكتور البرادعى وممثلى هذه القوى، وأدلى بتصريحات رزينة تؤكد استعداده للمضى قدما فى مهمته الشاقة، وأعلن تشكيل «جمعية وطنية للتغيير» بقيادته بهدف الضغط على النظام لإجراء تعديلات دستورية وإلغاء حالة الطوارئ. وكلها خطوات تعزز الحراك المطلوب وتؤكده. غير أننا لا نريد للحلم بالتغيير أن يسوقنا بعيدا عن بعض الحقائق التى ينبغى أن تبقى حاضرة فى أذهاننا كى تكون خطى التغيير مدروسة، فكم من هذه «التشكيلات» أعلن من قبل استنادا إلى رغبات حقيقية فى التغيير ثم لم يسمع به أحد بعد ذلك أو بقى دون فاعلية، أو تعرض لمرض التشظى والانقسام الذى شاع فى الحياة السياسية المصرية على نحو ينذر بخطر جسيم؟

الملابسات إذن هى نفسها ملابسات محاولات سابقة مع فارق مهم ولكنه مقلق، وهو أن الدكتور البرادعى هو الرقم الوحيد الجديد فى هذه المعادلة. هو مهم لأن شخصية بوزن الدكتور البرادعى قد ألقت بثقلها فى حركة النضال من أجل التغيير، وهو مقلق لأن معناه الوحيد أن حلم التغيير بات معلقا بشخص، وبقدرة هذا الشخص الذاتية على أن يصهر هذه القوى التى لم تقصر فى السابق فى إثبات قدرتها على توليد التناقضات فيما بينها أو داخلها فى سبيكة شديدة الصلابة بحيث تتحمل أعباء التغيير ومشاقه.

من ناحية أخرى، تبقى المعضلة السياسية والقانونية فى مسيرة التغيير قائمة، فماذا يحدث لو أن «الجمعية الوطنية للتغيير» قد أخفقت فى بلوغ غايتها وهى توليد ضغوط شعبية كافية من أجل التغيير؟ سواء لأسباب تتعلق بتناقضات داخلها، أو بقوى شعبية أصابتها عوامل اقتصادية واجتماعية وثقافية عديدة بالوهن والعجز، وزيّف الإعلام وعيها، أو بممانعة ذكية من قوى الوضع الراهن، وبالمناسبة فإن البعض يستخف دون سند ظاهر بقدرة نظم الحكم القائمة على البقاء. قد تبدى هذه النظم استخفافا بمطالب التغيير فى مرحلة أو أكثر، بل وقد تمعن فى اتخاذ خطوات تزيد من المعارضة الشعبية لها، ولكنها عندما تتيقن من أن بقاءها نفسه موضع خطر تنتبه إلى ما ينبغى عليها فعله، وتتمكن فى كثير من الحالات من اتخاذ مبادرات «كريمة» ترفع مستوى تأييدها إلى الحد الآمن، وتسمح لمنطق «اللى تعرفه أحسن من اللى ما تعرفوش» بأن يسود من جديد.

تتصل بهذه المعضلة السياسية معضلة قانونية تعود إلى موقف الدكتور البرادعى الواضح من أنه لن يدخل معترك انتخابات الرئاسة فى ظل العوار الدستورى الذى يشوبها، بمعنى أنه لن يلجأ على سبيل المثال لطلب عضوية حزب ينتخب رئيسا له أو يدخل ضمن عضوية هيئته العليا حتى يستطيع أن يفى بشروط الترشح لانتخابات الرئاسة فى ظل الإطار القانونى السائد، وهو موقف مبدئى يحمد له، وإذا ثابر عليه وقاوم الضغوط التى تلح على تغييره من باب التكتيك السياسى المقبول من أجل كسب هذه الجولة من جولات التغيير فإن المعنى الوحيد لهذه المثابرة هو أن احتمال عدم ترشح الدكتور البرادعى لمنصب الرئاسة فى الانتخابات القادمة سيكون قائما بل ومرجحا، وأن الحركة التى يقودها من أجل التغيير لن تنجح فى كسب هذه الجولة.

فى هذا الإطار فكرت أن أدلى بدلوى ضمن عشرات غيرى يتطوعون فى كل يوم بإسداء النصح للدكتور البرادعى فى أن يفعل هذا ولا يفعل ذاك، ولدى هنا اقتراح محدد ترددت فى طرحه ثم حزمت أمرى، وهو أن يعقد الدكتور البرادعى العزم على الترشح للانتخابات البرلمانية القادمة التى تجرى بعد شهور فى دائرة تكون له فيها شعبية طاغية، ولتكن مسقط رأسه أو أية دائرة أخرى، حسب تقديره هو. سيقولون نحدثك عن مرشح قادم لرئاسة الجمهورية فتحدثنا عن عضو فى مجلس الشعب، وردى حاضر، وهو أننا فى حالة الدكتور البرادعى إزاء حالة جديدة تماما من الحراك السياسى المصرى على الأقل منذ منتصف القرن الماضى، فليس من الضرورى أن يبدأ قادة التغيير المحتمل سعيهم وعينهم على القمة تحديدا، وإنما يمكنهم أن يتحركوا أولا فى المستويات الأدنى وصولا إلى الأعلى، ثم إن هذا المقترح لا يقتضى من الدكتور البرادعى أن يتوقف عن زعامته للحركة من أجل التغيير الشامل.

ولعلنا فى هذا الصدد نتأسى بسيرة الزعيم سعد زغلول الذى لا شك فى أن قيادته للأمة كانت تاريخية. يقول الرافعى فى كتابه نفسه الذى سبقت الإشارة إليه: «فلما أنشئت الجمعية التشريعية سنة 1913 تقدم سعد زغلول للانتخاب فيها، ورشح نفسه فى دائرتين بالقاهرة.. ففاز بالعضوية فى دائرتى الخليفة وبولاق اللتين رشح نفسه فيهما.. كان سعد أقوى شخصية فى الجمعية التشريعية، وكان لها بحكم نظامها وكيلان، أحدهما تعينه الحكومة والثانى ينتخبه الأعضاء، أما الرئيس فكان يعين من قبل الحكومة، وقد انتخب سعد وكيلا للجمعية، وجاء انتخابه دليلا على اعتراف زملائه له بالزعامة. برزت مواهب سعد الخطابية فى الجمعية التشريعية، فكانت خطبه فيها تسترعى الأنظار، وتنال الإعجاب من سامعيها وقارئيها، وأولاه زملاؤه زعامة المعارضة فى الجمعية، فكان أهلا لهذه الزعامة، واضطلع بها بجدارة واستحقاق».

ليس فى الترشح للانتخابات التشريعية القادمة إذن ما يقلل من شأن الدكتور البرادعى، بل إن هذا الترشح سوف يكون بداية لمرحلة جديدة فى سعيه من أجل التغيير، فسوف تكون المعركة الانتخابية بالنسبة له «تمرينا عمليا» على ممارسة السياسة المصرية الحقيقية بقيودها وغرائبها وصعوباتها، وسوف يتعرف أكثر على الواقع المصرى من خلال هذه الانتخابات، وسوف يتيح له الترشح فرصة حقيقية لإعلان برنامج انتخابى لمستقبل الوطن وشرحه والدفاع عنه وإثرائه بالآراء المكملة والناقدة معا، كذلك سوف يهيئ له الفوز منبرا لمواصلة سعيه تحت قبة البرلمان بالمعارضة الواعية والرأى السديد، وربما يتيح له هذا إمكان تبلور تكتل برلمانى حوله على نحو طبيعى ينجح فى إنجاز مهام محددة، كما نجح معارضون حاليون فى مجلس الشعب فى إثارة التحقيق من جديد مع وزير الإسكان السابق فى تهم منسوبة إليه، وخلعه من منصب عين فيه بغير سند من القانون، توطئة لأن ينجح ــ أى هذا التكتل البرلمانى ــ فى مهمته الكبرى.

بل إننى أوجه الاقتراح نفسه لغير الدكتور البرادعى من رجالات مصر القادرين على إنجاز مهمة التغيير، وعلى سبيل المثال فإنه إذا حسم السيد عمرو موسى أمره فى أن يستبدل بمسئوليته العربية مسئولية عن التغيير فى وطن، لماذا لا يتقدم بدوره فى الانتخابات التشريعية القادمة من أجل الأغراض ذاتها؟ ولماذا لا يفعل مثلهما رجال آخرون يتحلون بالصفات نفسها؟ ألن نكون هناك حينذاك فى موقع نتمكن فيه من الحلم بمجلس شعب قوى يكون آلية حقيقية تجمع بين مطالب التغيير ودواعى الاستقرار؟

هى مجرد فكرة تضاف إلى عشرات من الأفكار تساقطت كالمطر على الدكتور البرادعى من قبل الحالمين بمعادلة التغيير والاستقرار معا، فكلها تسعى إلى أن يتحول التغيير إلى الأفضل من مجرد حلم إلى واقع دون أن تعصف عملية التحول هذه بكيان الوطن.

أحمد يوسف أحمد أستاذ العلوم السياسية بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وعميد معهد الدراسات العربية