الإرهاب فى تونس يتجاوز الأسباب الخارجية - العالم يفكر - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 8:14 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الإرهاب فى تونس يتجاوز الأسباب الخارجية

نشر فى : الخميس 4 يوليه 2019 - 10:20 م | آخر تحديث : الخميس 4 يوليه 2019 - 10:20 م

نشرت مؤسسة «Institute For Security Studies» مقالا للكاتب «ماثيو هربرت» يتحدث فيه عن بعض الحوادث الإرهابية التى شهدتها تونس فى الآونة الأخيرة وأسبابها التى تتجاوز العوامل الخارجية وترتبط فى الأساس بالعديد من العوامل المحلية داخل الدولة..
فى السابع والعشرين من يونيه الماضى، قام انتحارى بمهاجمة دورية للشرطة فى وسط مدينة تونس. قُتل أحد الضباط، بينما أصيب ضابط آخر وأحد المارة. وبعد أقل من 30 دقيقة، وعلى بعد 1.5 كم، هاجم انتحارى آخر وحدة لمكافحة الإرهاب ولم يكن تم التحقيق فى الحادث الأول بعد. وأسفر هذا الحادث عن إصابة ستة ضباط، اثنان منهم فى حالة خطيرة. وأعلن تنظيم الدولة الإسلامية مسئوليته عن الهجومين الإرهابيين بعد ذلك.
إن هذه الحوادث الإرهابية، والتى تأتى بعد يوم من الذكرى الرابعة للهجوم الإرهابى على السياح الأجانب فى مدينة سوسة التونسية والذى راح ضحيته ما يقرب من 38 شخصا بينهم سائحون وتونسيون، يؤكد على التعقيد المستمر للتحديات الأمنية فى تونس.. والتى تشهد أخيرا تصاعدا لأعمال العنف من قبل بعض الجماعات الإرهابية.
***
تحتاج الدولة التونسية إلى تجاوز الوسائل التقليدية لمكافحة الإرهاب والتى تتمثل فى التركيز على المواجهة الأمنية والتركيز على الشرطة الفنية وحدها ومضاعفة أعدادها لمكافحة الإرهاب. وبدلا من ذلك، يجب تعبئة الحكومة بأكملها لتحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية والأيديولوجية والتى تدفع إلى التطرف وتهدد استقرار تونس.
ومن الجدير بالذكر أن تونس تواجه تحديين أمنيين بارزين. الأول هو وجود خلايا صغيرة تتكون من مجموعة من الأفراد الذين يشنون هجمات متكررة «منخفضة المستوى من حيث حجم العمليات والوسائل المستخدمة» فى المناطق الحضرية خلال السنوات القليلة الماضية، بما فى ذلك تفجير انتحارى فى تونس فى أكتوبر الماضى ورسائل مسمومة فى وقت سابق من هذا العام. واستهدفت جميعها تقريبا موظفى الحكومة، وخاصة أفراد قوات الأمن. ولم تتسبب هذه الهجمات فى خسائر كبيرة.
ومن المهم أيضا الإشارة إلى أن انخفاض العنف فى المدن التونسية يرجع إلى تنامى المهارات والخبرات الفنية لقوات الأمن، وقدرتها على التعرف على الإرهابيين وكشف مخططاتهم واعتقالهم قبل أن ينفذوها. ومع ذلك، ومع أن الحكومة أصبحت أكثر قدرة على تعقب الإرهابيين، إلا أن المهمة أصبحت أكثر صعوبة.
ادعت العديد من الخلايا الإرهابية انتماءها لتنظيم الدولة الإسلامية.. إلا أن الروابط تبدو محدودة بينهم، مع وجود أدلة بسيطة على تلقيهم لتدريبات أو دعما من الشبكة الإرهابية العالمية. حيث إن مهاراتهم يتم تعلمها ذاتيا، وغالبا ما يكونون «هواة» ومن ثم فإن العديد من هجماتهم الإرهابية تكون عرضة للفشل. ومع ذلك، وبسبب محدودية ظهورها، تكافح قوات الأمن لتحديد هذه الجماعات.
إن تزامن الهجمات الأخيرة فى نفس الوقت وهو الأمر غير الشائع فى تونس علامة مقلقة على أن الخلايا الإرهابية الحضرية قد تصبح أكثر تنظيما وقدرة على التخطيط بشكل استراتيجى والتنفيذ باحترافية أكثر.
يتمثل التحدى الأمنى الثانى فى شمال غرب تونس. حيث قامت جماعتان إرهابيتان، إحداهما مرتبطة بتنظيم القاعدة فى بلاد المغرب الإسلامى والأخرى بالدولة الإسلامية فى العراق والشام (داعش) بارتكاب العديد من الهجمات الإرهابية منذ عام 2011. كما هى الحال فى المدن، تم استهداف أفراد الأمن والعسكريين بشكل رئيسى، وهو ما أسفر عن مقتل ما يقرب من 150 شخصا وإصابة ما يقرب من 200 آخرين على مدى السنوات الثمانى الماضية. كما تعرض المدنيون التونسيون للهجوم بشكل متزايد، فى محاولة على ما يبدو لترهيبهم.
وعلى صعيد آخر حققت الحكومة بعض النجاحات الكبيرة فى الشمال الغربى، وهو ما أسفر عن مقتل العديد من الإرهابيين وانخفاض عدد الهجمات بشكل كبير. ومع ذلك، لم تتمكن قوات الأمن من إنهاء القتال أو القضاء على هذه الجماعات بشكل كامل. حيث يبدو أن تنظيم الدولة الإسلامية يوسع نطاق عملياته جنوبا، ويعيد السيطرة على الأراضى التى استعادت الحكومة السيطرة عليها منذ سنوات.
***
تميل تقييمات الإرهاب فى المناطق الحضرية والريفية فى تونس إلى التركيز على الروابط الدولية. حيث ركز تنظيم القاعدة على تونس منذ ما يقرب من عقدين، ونشط المقاتلون الجزائريون والساحليون فى الجبال الغربية. وبالمثل، انضم العديد من التونسيين إلى تنظيم الدولة الإسلامية فى سوريا، وعاد عدد متزايد من المقاتلين الأجانب التونسيين إلى بلادهم.
لكن التركيز على العوامل الخارجية فقط يجعلنا نتجاهل العوامل المحلية الدافعة للتطرف والتى تجعل من السهل على هذه الجماعات تجنيد العديد من الأفراد فى صفوفهم. حيث لا تزال المشكلات الاقتصادية فى تونس فى تصاعد مستمر، وهو ما يؤثر على مستوى معيشة الأفراد فى الطبقة الوسطى والطبقة العاملة.. وقد يكون سببا فى دفعهم إلى التطرف.
لم يحدث أى تحسن فى تقديم الخدمات للمواطنين، كما أن السياسيون لم يطرأ عليهم أى تغيير جذرى وفعال. وهذا يجعل الأفراد يشعرون بالإحباط و«يكفرون» بالديمقراطية. والأهم من ذلك أن انعدام فرص المساواة الهيكلية العميقة والذى يعوق بدوره الوصول إلى الفرص الاقتصادية بشكل متساو.. هو من أهم العوامل الدافعة نحو التطرف.
وقد ولد هذا إحباطا بين الشباب. وجاء رد الفعل على ذلك متمثلا فى هجرة البعض وانخراط البعض فى الاحتجاجات الاجتماعية الدورية. ولكن بعض الشباب، وخاصة أولئك الذين ينتمون إلى المناطق المهمشة أو الأحياء أو العائلات المهمشة، اتجهوا نحو تبنى الأفكار المتطرفة وارتكبوا العديد من العمليات الإرهابية فى حق المسئولين والذين يروا أنهم مسئولين بشكل مباشر عن ما آلت إليه أوضاعهم. ويمكن رؤية هذا التركيز المحلى فى أنماط الهجوم فى المناطق الحضرية والريفية. بالفعل هناك حوادث إرهابية ضد السياح الأجانب وتكون على مستوى عال ولكنها غير شائعة، وكذلك الحوادث التى تستهدف المدنيين التونسيين نجد أنها نادرة. وتستهدف معظم أعمال العنف المسئولين الحكوميين، وخاصة أفراد الأمن والعسكريين ــ كما حدث فى تفجيرات الشهر الماضى.
***
منذ عام 2015، استثمرت الحكومة، بدعم من الشركاء الدوليين، بكثافة فى تعزيز قدرة قوات مكافحة الإرهاب والشرطة على الكشف عن المخططات الإرهابية والتصدى لها .لكن تظل قوات الأمن المدربة والمجهزة بشكل جيد قادرة فقط على تقليل التهديد، وليس التغلب عليه. إن القيام بذلك أى القضاء على الإرهاب يتطلب وضع حلول عاجلة وفعالة لحل الأزمات الاقتصادية التى تشهدها البلاد، ومعالجة ضعف النظام السياسى وعدم المساواة المتجذرة فى المجتمع ــ وكل الظروف التى تؤدى بدورها إلى تغذية المظالم الاجتماعية وتؤثر على بعض الشباب وتدفعهم للانضمام إلى الجماعات الإرهابية.
فى حين أن الحكومة والمانحين الدوليين قد تبنوا عددا من المبادرات لمنع التطرف، إلا أن العديد منها لم يكن منسقا مع محدودية النطاق الجغرافى وتأثيره. كما أن مكافحة الإرهاب لم تحظ بالموارد المالية أو الاهتمام الحكومى المتواصل على بناء قدرات قوات الأمن.
ونظرا لأن الحكومة التونسية والشركاء الدوليين يخططون للرد على هجمات الشهر الماضى، بالفعل فإن التحقيقات والمحاكمات لها الأولوية. إلا أنه يجب ألا يغفل المسئولون أيضا عن الاستراتيجيات الشاملة لمواجهة ذلك لمنع عمليات تجنيد الإرهابيين من الأساس. وهذا يعنى معالجة المشكلات الأساسية التى تهدد استقرار تونس. كل هذا بالفعل لا يمكن القيام به فى وقت قصير أو القضاء على الظاهرة بشكل نهائى إلا أنه هو الخيار الأفضل لضمان عدم استمرار الهجمات.
إعداد:
ريهام عبدالرحمن العباسى
النص الأصلى:من هنا

التعليقات