من دروس5 يونيو 1967 - محمد محمود الإمام - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 7:31 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

من دروس5 يونيو 1967

نشر فى : الخميس 5 يونيو 2014 - 8:00 ص | آخر تحديث : الخميس 5 يونيو 2014 - 8:00 ص

اعتادت قوى الطغيان من الإخوان والاقطاع المتحالفة مع الصهيونية العالمية، إيقاف عجلة الزمن عند 5 يونيو 1967، فينصبون المشانق لعبدالناصر وثورة يوليو انتقاما لإزاحتها إياهم وإعلاء شأن الغالبية الكادحة لقوى الشعب العاملة، أملا فى استعادة نهب خيرات مصر وإذلال تلك الأغلبية، متجاهلين إنجازات حرب الاستنزاف على مدى ستة أعوام وانتصار 6 أكتوبر 1973 الذى سجل لجيشنا الباسل، بقواته النظامية والاحتياطية، مكانا متميزا من سجلات الجيوش التى صنعت التاريخ. وتجددت المحاولة بعد ثورة 25 يناير 2011، وهو ما يدعونا لإعادة قراءة ما دار فى الستينيات لإلقاء الضوء على ما تواجهه مصر هذه الأيام.

وبداية نذكّر بأن أوائل الستينيات شهدت أول خطة قومية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية استهدفت تحقيق نمو بنسبة 40% فى الدخل القومى خلال السنوات الخمس 60-1965 لمضاعفته فى عشر سنوات، وتنفيذ أول برنامج خمسى للتصنيع جرى إعداده فى 1957 بعد إحجام رأس المال الخاص، المحلى والأجنبى، عن الاستجابة لإلحاح حكومة الثورة عليه للإسهام فى سد الفجوة التى أحدثها إصرار تحالف الإقطاع والاحتكار على إبقاء مصر مزرعة لمحاصيل يأمر بها الاستعمار مقابل تصديره لها منتجاته الصناعية التى كانت غالبيتها نلبى استهلاك الطبقات الغنية. وخلال السنة الأولى للخطة، اتضحت عدة حقائق: أولاها أن عائد الأنشطة التى توسعت ذهب إلى الرأسماليين، خاصة فى الأنشطة المنتجة لمواد البناء والعاملة فى التشييد، وعمد بعضهم إلى رفع الأسعار منتهزين توسع الطلب الاستثمارى للخطة، بينما أحجم القطاع المصرفى عن تمويل احتياجات التنمية، بل وساهم فى تهريب رءوس أموال للخارج. فصدرت فى شهر يوليو 1961 مجموعة من قرارات التأميم شملت جانبا من منشآت تلك الأنشطة، وقرارات أخرى استهدفت تحقيق كفاية فى الإنتاج لتلبية احتياجات الاستثمار والاستهلاك معا، وعدالة التوزيع لا تقتصر على حد أدنى للأجور، لتوطيد أركان مجتمع «الكفاية والعدل». وتلا ذلك تأكيد الميثاق الوطنى فى 1962 على «حتمية الحل الاشتراكى».

بالإضافة إلى ذلك جرت محاولات للنهوض بقطاعى الإدارة الحكومية والإنتاج. ليواكبا التغير فى مقومات الدولة. ففى 1964 تحول ديوان المحاسبة الذى كان مسئولا عن الرقابة المالية على تنفيذ الميزانية العامة، إلى جهاز مركزى للمحاسبات، يضم إدارة مركزية للرقابة على القطاع العام، وأخرى لمتابعة تنفيذ الخطة وتقييم الأداء وثالثة للبحوث والعمليات لتعالج أسباب القصور فى الأداء، دون الاقتصار على كشف الأخطاء. وأنشئ المعهد الاشتراكى لتهيئة الكوادر الكفؤة. فتكاملت مقومات النهوض بمؤسسات الدولة لتفى بمتطلبات الكفاية والعدل فى ظل نظام اشتراكى تنموى.

•••

وحاول عبدالناصر فى 1965 استكمال عملية إعادة البناء بالتفرغ لقيادة التنظيمات الشعبية، غير أن المسئولين خشوا أن تضطرب قيادة الدولة فتتشتت الجهود. ولذلك قرر إٍسناد رئاسة الوزراء إلى السيد زكريا محيى الدين فخلفه حسين الشافعى فى جهاز المحاسبات وبدأ عمله بمؤتمرين استهدفا استكمال التطوير أحدهما للإدارة والآخر للإنتاج. ثم كلف لجنة رفيعة المستوى بوضع نظام لتقييم أداء المسئولين عن إدارة وحدات القطاع العام بعد أن قرر تحريرهم من سيطرة الجهاز الحكومى. وأرجأ العمل بالخطة الخمسية الثانية مكتفيا بخطة انتقالية هى «خطة الإنجاز»، وكلفنى فى أوائل 1967 بإعداد دراسة مهدت لإقرار تعديلات السياسات الاقتصادية تكفل تدعيم البنيان الاشتراكى وبلوغ الأهداف التنموية المقررة. وحرصت الدولة على التكاتف مع دول مجموعة عدم الانحياز وإقامة تضامن أفروآسيوى وشاركت فى منظمة الوحدة الأفريقية، إضافة للسعى لبناء وحدة اقتصادية عربية، للتصدى لما سمى آنذاك «الاستعمار الجديد» الذى يعتمد التبعية الاقتصادية بديلا للاستعمار المباشر المعتمد على الاحتلال بقوة السلاح. ومع تصاعد مكانة عبدالناصر، كان لابد من تصفية نظامه حفاظا على النهب الاستعمارى.

•••

فى زيارة خاصة لعبدالناصر قام يوجين بلاك (الذى رأس البنك الدولى وعمل مستشارا لرئيس الولايات المتحدة) بتحذيره من التصنيع قائلا: «افعل ما بدا لك.. هاجم أمريكا إذا شئت.. إلا التصنيع»، فسأله عبدالناصر «ماذا ستفعلون بشأنه، هل ستدكون المصانع بقنابلكم؟» فجاءه الرد: «لدينا طرق ووسائل We have ways and means، وذكر لى وزير التخطيط آنذاك لبيب شقير أنه كلفه بدراسة الأمر. لقد كانت حرب 1967 هى الوسيلة التى اختارتها أمريكا وسخرت لها إسرائيل. وعندما ألقيت محاضرة عن «اقتصاديات الحرب» بدعوة من د. نبيل شعث ود. رمزى زكى الأستاذين بمعهد الإدارة العليا فى مايو 1967 ضمن سلسلة محاضرات تحسبا لحرب وشيكة، لألقيها الخميس الحزين 8 يونيو، أصررت على إلقائها قائلا «إننا خسرنا معركة ولكننا سنواصل الحرب حتى النصر». ونشرتها ضمن مذكرات معهد التخطيط القومى الذى كنت أديره، مستهلا بقولى «إنها ليست حربا على قطعة أرض، بل على نمط متحرر للتنمية المستقلة». وما زلت عند يقينى آنذاك أن ما حدث من هزيمة مفاجئة كان أهون الأضرار.. وأنه لو قيض للجيش المصرى الانتصار لوجهت لنا أمريكا ضربة قاضية مستعينة بأسطولها والمدمرة ليبرتى التى قصفتها إسرائيل بعد كسبها الجولة تمويها وخداعا.

•••

كنت أتابع إذاعة إسرائيل يوم الأحد 4 يونيو ففوجئت بخبرين أيقنت معهما أن الحرب واقعة لا محالة: الأول اجتماع مجلس الوزراء يوم السبت رغم أنه العطلة المقدسة بدعوى جمع معونات؛ والثانى أن الإذاعة ستبدأ الإرسال اعتبارا من اليوم التالى من السادسة صباحا. وبعدها أخبرنى كل من المهندس عبد الوهاب البشرى وزير الإنتاج الحربى والدكتور نزيه ضيف وزير المالية أن الرئيس عبدالناصر جمع مجلس الأمن القومى مساء الجمعة 2 يونيو وأبلغه أن العدوان الإسرائيلى سيقع يوم الأحد أو الاثنين الحادية عشرة على أقصى تقدير. ولكن حماقة عبد الحكيم عامر تسببت فى الكارثة. ورغم أن عبدالناصر طلب فى بيان 30 مارس 1968 إعادة بناء الاتحاد الاشتراكى من القاعدة للقمة، لكن إصرار القمة على استعادة مواقعها، عزلها عن الشعب، فسهّل على السادات التخلص منهم فى 15 مايو 1971 بضربة واحدة.

أترك للقارئ استنتاج ما يراه واجبا لتجنب الوقوع ضحية لأنياب الموجة الاستعمارية الثالثة التى تريد هدم اقتصاد مصر وجيشها بل ووجودها لتسيطر على غرب آسيا وقارة أفريقيا، وما يتعين على دولة الثورة عمله.

محمد محمود الإمام وزير التخطيط الأسبق
التعليقات