عن التغير المناخي وتحدياته الراهنة في الشرق الأوسط - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 2:57 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عن التغير المناخي وتحدياته الراهنة في الشرق الأوسط

نشر فى : الجمعة 5 أغسطس 2022 - 7:15 م | آخر تحديث : الجمعة 5 أغسطس 2022 - 7:15 م

يواجه التغير المناخى شعوب وحكومات العالم بأخطار متنوعة تجمع بين فقدان السيطرة على الظواهر الطبيعية وتحديات اقتصادية واجتماعية وسياسية متصاعدة.

ويعد الشرق الأوسط من أكثر أقاليم العالم تضررا حيث يتوقع استمرار ارتفاع درجات الحرارة به (٤ درجات مئوية إضافية بحلول عام ٢٠٥٠) وتحول بعض مناطقه إلى مناطق غير صالحة للحياة البشرية (جنوب العراق وجنوب غرب إيران وأجزاء من الجنوب الشرقى فى السعودية ومن جنوب ليبيا والجزائر والمغرب). بل إن نجاح شعوب وحكومات العالم فى تحقيق أهداف اتفاقيات المناخ (كاتفاقية باريس ٢٠١٥) وقمم المناخ (كقمة جلاسجو ٢٠٢١) المتعلقة بخفض الانبعاثات الحرارية لن ينقذ الشرق الأوسط من الارتفاع القادم فى درجات الحرارة وأضراره البالغة. وتزيد حقائق شرق أوسطية كالمعدلات المتسارعة للنمو السكانى ومحدودية الموارد المائية والاعتماد على موارد الطاقة القابلة للنضوب (كالنفط والغاز الطبيعى) وغياب الاكتفاء الإقليمى من مواد الغذاء الأساسية (كالقمح والذرة) وتآكل السواحل والتصحر وموجات الهجرة المتلاحقة من أخطار التغير المناخى فى منطقتنا.

من جهة أخرى، تتفاوت بشدة الإمكانيات والقدرات المتوافرة لحكومات الشرق الأوسط لمواجهة التغير المناخى. ففارق الإمكانيات والقدرات شاسع بين السعودية والإمارات ومصر والأردن والمغرب وجميعها تنشط حكوميا فى مجالات مكافحة التصحر والطاقة الخضراء وترشيد استخدام الموارد المائية وزراعة الحبوب وبين العراق وسوريا ولبنان والسودان التى لا تملك حكوماتها برامج وطنية يعتد بها لمواجهة أخطار التغير المناخى.

• • •

 فى السعودية، على سبيل المثال، تواصل الحكومة إطلاق العديد من البرامج للمزج بين خطط التنمية المستدامة وبين الحماية البيئية مثل البرنامج الوطنى للحد من الانبعاثات الحرارية والبرنامج الوطنى للطاقة ومبادرة الشرق الأوسط الخضراء. تنمويا، يستهدف السعوديون الانتقال من اقتصاد يعتمد أحاديا على عائدات استخراج وتصدير النفط إلى تنويع قطاعات النشاط الاقتصادى والانفتاح على التصنيع الحديث وصناعات التكنولوجيا العصرية وتطوير المرافق السياحية. بيئيا، تستهدف السعودية الحد من الانبعاثات الحرارية من خلال تطبيقات التكنولوجيا الخضراء والاستثمار فى مصادر الطاقة المتجددة (خاصة الطاقة الشمسية) والتوسع فى التشجير وزراعة الحبوب فى الأراضى الصحراوية دون إسراف فى استخدام الموارد المائية المحدودة. وتوفر الموارد المالية المتاحة للحكومة السعودية، خاصة مع ارتفاع أسعار النفط وازدياد الطلب العالمى عليه بفعل تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا، وكذلك القدرات المؤسسية والتكنوقراطية لأجهزة الدولة مقومات جيدة لتنفيذ برامج الحماية البيئية.

غير أن الأخطار التى يواجه بها التغير المناخى السعودية ليست بالهينة على الإطلاق. فالموجات شديدة الحرارة التى تزايد العدد السنوى لأيامها من ٣ فى ١٩٧٩ إلى ١٣٢ فى ٢٠٢١ تعرض الفئات السكانية الفقيرة والمهمشة وكبار السن لأخطار صحية بالغة، من بينها الموت. سجلت السنوات القليلة الماضية أيضا ارتفاعات قياسية فى العواصف الشمسية والترابية التى ترتب الكثير من الأضرار البشرية والمادية وتفرض على الحكومة إعادة الاستثمار فى المناطق المنكوبة وتخصيص المزيد من الموارد لمنع انتشار الأوبئة والأمراض بين ساكنيها. كذلك تتراجع سنويا معدلات سقوط الأمطار وتحل محل موسم الأمطار التقليدى وبفعل التغير المناخى ظاهرة السيول المدمرة التى تجتاح مناطق فى شرق السعودية وتخلف خسائر كبيرة فى الأرواح والممتلكات العامة والخاصة. وعلى الرغم من التوسع الحكومى فى سياسات التشجير والاستصلاح الزراعى للأراضى الصحراوية، يظل أكثر من ٧٥٪ من مساحة البلاد الكلية غير قابل للزراعة وهو ما يعنى اعتماد دائم على استيراد ٧٥ــ٨٠٪ من احتياجات السكان من السلع الغذائية وتبعية خطيرة للخارج بتقلباته (انقطاعات سلاسل توريد الحبوب بفعل الحرب الروسية على أوكرانيا مثالا) فيما خص ضمان الأمن الغذائى. بل إن الارتفاع المتوقع فى درجات الحرارة المئوية حتى ٢٠٥٠ حتما سيقلل وبمعدلات متصاعدة من نسبة الأراضى الصالحة للزراعة فى السعودية شأنها شأن بقية بلدان الشرق الأوسط، ويعمق من ثم من أزمات الأمن الغذائى.

وهناك طائفة ثانية من الأخطار الاقتصادية والاجتماعية والديموغرافية الحاضرة فى المجتمع السعودى وتعمق من الآثار السلبية للتغير المناخى. فانتقال أغلبية السكان من الحياة فى المناطق الريفية إلى الحياة فى عدد محدود من المدن كالرياض وجدة ومكة والمدينة المنورة والدمام يزيد، من جهة، من أزمات الفقر والتهميش وسوء الخدمات الأساسية كالصحة والتعليم فى المدن وأحزمة التمدد العمرانى المحيطة بها ويحد، من جهة أخرى، من فعالية برامج الحماية البيئية. يتوقع أن تصل نسبة سكان المدن إلى إجمالى السكان فى السعودية إلى ٨٦٪ فى ٢٠٣٠ و٩٠٪ فى ٢٠٥٠. ويتوقع أيضا أن تستوعب المدن الكبيرة المذكورة أعلاه ما يقرب من ٧٠٪ من إجمالى سكان المدن فى ٢٠٣٠. والنتيجة الحتمية لمثل هذا التطور مجتمعيا هى تراجع قدرات المدن على التخطيط الاقتصادى والاجتماعى وتقديم الخدمات اللائقة بالمواطنين وخروج النشاط العمرانى عن إمكانيات السيطرة الحكومية. أما بيئيا، فالنتائج السلبية تتمثل فى ارتفاع معدلات استهلاك الطاقة (لأن المدن بطبائعها نهمة فى استهلاك الطاقة مقارنة بالريف) والتكدس المرورى الذى يزيد من الانبعاثات الحرارية وتراجع فعالية برامج الطاقة والتكنولوجيا الخضراء إزاء ضغوط سكان المدن.

• • •

الحقيقة أن بعض السياسات الحكومية المطبقة حاليا فى السعودية لا تقدم حلولا عصرية للأخطار المرتبطة بالكثافات السكانية المرتفعة فى المدن وآثارها السلبية على البيئة. الموارد الحكومية المخصصة لتطوير المدن والريف تذهب بنسبة ٧٥٪ إلى الرياض وجدة والدمام وتجبر من ثم الباحثين عن فرص عمل وعن حياة أفضل على السعى للانتقال لتلك المدن دون غيرها. وتغيب عن المدن الثلاثة القطاعات الاقتصادية كثيفة العمالة القادرة على توفير فرص العمل المطلوبة للمقيمين وللنازحين الجدد، ويضاعف غياب النقل العام العصرى من أزمات التكدس المرورى والانبعاثات الحرارية داخل المدن بفعل الاعتماد على السيارات الخاصة دون غيرها. وحين تأخذ فى الاعتبار تداعيات كثافات المدن المرتفعة على استهلاك الموارد المائية شديدة المحدودية (تأتى السعودية من حيث معدلات استهلاك المياه عالميا بعد الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وتعانى من ندرة الموارد المتجددة للمياه)، تتضح أهمية أن تنشط الحكومة السعودية لدفع قطاعات سكانية بعيدا عن المدن وعن أحزمة تمددها العمرانى التى تستهلك الطاقة والمياه بنهم وتنهار بها الخدمات الأساسية وتتسع بها مساحات الفقر المدينى.

وما يقال عن السعودية والتحديات التى يواجه بها التغير المناخى الشعب والحكومة والطرق التى يعمق بها من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، يكاد يتطابق مع ما يحدث فى بلدان شرق أوسطية أخرى.

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات