التدخل العسكرى فى سوريا - أحمد يوسف أحمد - بوابة الشروق
الأربعاء 1 مايو 2024 10:17 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التدخل العسكرى فى سوريا

نشر فى : الخميس 5 سبتمبر 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الخميس 5 سبتمبر 2013 - 8:00 ص

اجتمع المجلس الوزارى للجامعة العربية على مستوى الوزراء مساء الأول من سبتمبر للنظر فى جريمة استخدام الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين فى سوريا ووفقا لما أذيع بعد الاجتماع (حيث لم يتوفر النص الرسمى لقرار المجلس ساعة كتابة المقال) فقد تبنى المجلس توصيات المندوبين الدائمين فى اجتماعهم فى 27 أغسطس الماضى وتقوم على:

- الإدانة والاستنكار الشديدين لهذه الجريمة البشعة.

- تحميل النظام السورى المسئولية التامة عنها والمطالبة بتقديم كافة المتورطين فيها لمحاكمات دولية عادلة.

- تقديم كافة أشكال الدعم للشعب السورى للدفاع عن نفسه.

- دعوة المجتمع الدولى ممثلا فى مجلس الأمن للاضطلاع بمسئولياته وذلك عبر القيام بالإجراءات الرادعة واللازمة ضد مرتكبى هذه الجريمة ووضع حد للانتهاكات وجرائم الإبادة التى يقوم بها النظام منذ أكثر من عامين. (وهو ما تحفظت عليه كل من الجزائر والعراق).

●●●

وثمة ملاحظات عديدة على هذا القرار نختار اثنتين من أهمها، أولاهما أنه يحمل النظام السورى المسئولية التامة عن الجريمة موضع القرار، ولقد أتى هذا النظام عبر أكثر من سنتين بما لا يمكن تصديقه من أعمال بشعة بحق الشعب السورى، لكن هذا شىء وتحميله على نحو قاطع مسئولية هذه الجريمة شىء آخر لأن أمرا كهذا يحتاج إثباتا قانونيا بأعلى درجات الدقة، وهو ما يعمل عليه مفتشو الأمم المتحدة، وعندما تتوفر لهم الأدلة العلمية يمكن إدانة النظام بشكل أكيد. أما قبل ذلك فإن الأمر لا يعدو أن يكون موقفا سياسيا، وهذه مسألة تتجاوز الأبعاد القانونية والأخلاقية لأنه سوف تكون لها تداعيات خطيرة. ثانية الملاحظات تتعلق بكون القرار لا يجيز استخدام القوة كما تنوى الولايات المتحدة أن تفعل، فهو يدعو المجتمع الدولى ممثلا فى مجلس الأمن للاضطلاع بمسئولياته عبر القيام بالإجراءات الرادعة ضد مرتكبى هذه الجريمة، وكل دارس مبتدئ للعلاقات الدولية يعلم أن الردع ليس استخدام القوة، وإنما القيام بأعمال تجاه الخصم تجبره على التوقف عن استخدام القوة إن كان يستخدمها فعلا أو تجعله يمتنع عن استخدامها إن كان ينوى ذلك، كأن يقوم الطرف القائم بالردع بفرض عقوبات شديدة تحقق الهدفين السابقين، ويمكن عندما يثبت مفتشو الأمم المتحدة مسئولية النظام السورى عن هذه الجريمة، أن يصدر مجلس الأمن فى ظل الفصل السابع قرارا يجيز استخدام القوة ضد سوريا وهنا تستطيع الولايات المتحدة أو غيرها استخدام القوة ضد سوريا.

●●●

غير أنه بغض النظر عن موضوع قانونية استخدام القوة فإن الولايات المتحدة تكرر حرفيا ما فعلته فى العراق فى 2003 وفى ليبيا 2011. فى حالة العراق قامت بغزوه استنادا إلى ذرائع ثبت لاحقا زيفها، فقد ادعت أن العراق يملك ترسانة أسلحة دمار شامل وأن هذا يمثل خطرا على الأمن الاقليمى نظرا لسجل العراق فى العدوان على جيرانه، ورفض مجلس الأمن أن يخول الولايات المتحدة أو غيرها استخدام القوة ضد العراق دون الرجوع إلى المجلس، وكانت الآلية هى إصدار قرار تفصيلى يرتب التزامات على العراق فإن لم يلتزم عادت الدول إلى المجلس لإثبات انتهاكه القرار. لكن الدبلوماسية الأمريكية نجحت فى إضافة فقرة تنص على أن العراق إذا لم يلتزم بهذا القرار سوف يعرض نفسه لعواقب وخيمة، ثم حكمت لاحقا بأن العراق انتهك القرار وادعت أن العواقب الوخيمة تعنى اللجوء إلى القوة ضده دون الرجوع إلى المجلس، وهو تفسير غير صحيح بطبيعة الحال على ضوء المناقشات المحتدمة التى شهدها المجلس قبل إصدار القرار السابق الإشارة إليه، وقامت الولايات المتحدة بناء على تفسيرها للقرار بغزو العراق وعجزت رغم وجود قوتها على أرضه أن تثبت بأى دليل أنه يملك أسلحة دمار شامل ولاحقا اعترفت الإدارة الأمريكية أنها أخطأت فى تقديراتها فى هذا الشأن. وأدى غزو العراق إلى تداعيات خطيرة، فقد تمزق الجسد العراقى نتيجة سلوك قوات الغزو وتغيرت المعادلات الإقليمية لحساب إيران الأمر الذى أضر بالمصلحتين العراقية والعربية.

●●●

أما الحالة الليبية فهى مختلفة نوعا، فقد قام الشعب الليبى بثورته فى 2011، وقد كانت الثورة سلمية فى البداية غير أن النظام الليبى أمعن فى استخدام القوة ضدها إلى الحد الذى دفع الدول العربية إلى ضرورة اتخاذ إجراءات لحماية الشعب الليبى فاتخذ مجلس الجامعة قرارا بمطالبة مجلس الأمن بفرض حظر جوى من شأنه أن يحمى الشعب الليبى من بطش القذافى غير أن المسألة تحولت فى النهاية إلى عمل عسكرى تضطلع به قوات حلف الأطلنطى، وربما تكون الثورة الليبية قد استفادت من هذا التدخل لكن الشعب الليبى عانى فى الوقت نفسه من تداعياته. تختلف الحالتان الليبية والعراقية فى تفاصيلهما لكنهما تتفقان فى أن التدخل الأمريكى فيهما كان يهدف إلى فرض القبضة الأمريكية على المنطقة.

●●●

بقياس ما سبق على الحالة السورية نجد أن وجه الشبه واضح، فالنظام السورى يتفق مع النظامين العراقى والليبى السابقين فى أنها جميعا نظم أمعنت فى اضطهاد شعوبها الأمر الذى دفع قطاعات منها لتأييد الغزو أو التدخل هو ما أعطاه شرعية زائفة. وكما أن الغزو فى الحالة العراقية والتدخل فى الحالة الليبية تم فى الحالتين بدون سند دولى صريح فإن الولايات المتحدة تتحدث عن نية توجيه ضربة لسوريا قبل أن يصدر تقرير المفتشين الدوليين، وقد يصدر بحق النظام السورى فتستند إليه كذريعة سابقة لتبرير التدخل أو يحدث العكس لتصبح مجرد قوة تشيع الفوضى فى العلاقات الدولية، وثمة وجه آخر للشبه بين الحالات الثلاث وهى أن النظام العربى يبدو فى حالة المفعول به، ولذلك فإن الديمقراطية التى تجعل الشعوب العربية تلتف حول نظمها ولا يصل بها الأمر إلى تأييد غزو أو تدخل خارجى، وإصلاح النظام العربى هما سبيل الخلاص من هذا التدخل المتكرر فى الشئون العربية.

 

أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة

ومدير معهد البحوث والدراسات العربية

أحمد يوسف أحمد أستاذ العلوم السياسية بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وعميد معهد الدراسات العربية