فهل تفعلون؟ - أميمة كمال - بوابة الشروق
الأربعاء 17 أبريل 2024 1:09 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فهل تفعلون؟

نشر فى : الأحد 6 سبتمبر 2009 - 10:07 ص | آخر تحديث : الأحد 6 سبتمبر 2009 - 10:07 ص

 لم أستطع أن أرفض دعوتها. تلك السيدة التى فاجأتنى وطلبت منى أن أستقل بجوارها التوك التوك لكى أرى بعينى كيف تذهب أرغفة الخبز المدعمة إلى ساحات التجار لكى يبيعوها إلى أصحاب المزارع والمواشى لتغذية حيواناتهم. بينما هى تقف بالساعات على قدميها وهى تحمل رضيعها على كتفها لكى تتحصل على 5 أرغفة.

وفى مرة ينجح مسعاها، ومرات تسبقها يد هؤلاء التجار إلى العيش، فتعود كما جاءت خالية الوفاض من الوجبة الرئيسية لأطفالها الثلاثة.

ووسط أراض زراعية فى منطقة المرج عند محطة مؤسسة الزكاة، تقطعها بنايات سكنية من الطوب الأحمر تشعرك وكأنها تغتصب الخضرة من عينيك، سار بنا التوك توك ولا أحد منا يعرف الآخر ولا حتى اسمه. فقط تعرف أننى صحفية، وأعرف أنها صاحبة حق مهضوم وتتعلق بقشة من أجل المحافظة عليه. أخذت تهمس لى: «الأمر مستمر منذ سنوات كل يوم تحضر سيارات حكومية بتاعة التموين إلى هذه المنطقة وهى تحمل أطنانا من العيش أبوشلن المدعم اللى بندوخ سبع دوخات علشان نحصل عليه.

وبعدين ترمى به فى أحواش يملكها بعض التجار متحوطة بسور عال يمنع أى واحد بره السور أنه يشوف حاجة، ويترك العيش فى الشمس حتى ينشف تماما، وبعدين تيجى ستات تلمه فى أشولة وتأخذه سيارات تانية ويختفى. ولكن لو طلعتى معايا فوق سطوح الجيران ممكن تشوفى كل حاجة». قالتها السيدة وهى تدفعنى عند أول درجات سلم الجيران دون أن تعطى لى حق الرفض. وما إن وصلنا إلى السطوح حتى نصحتنى أن أخذ حذرى لأن أصحاب هذه الساحات يراقبون الغرباء خوفا من أن تفتضح سرقاتهم. ولم يكن صعبا على أن أرى العشرات من الأجولة التى امتلأت عن آخرها بالعيش المسروق، وبجوارها بقية العيش المفرود على الأرض فى قيظ الشمس بغرض تنشيفه تمهيدا لمرحلة التعبئة ثم التحميل على السيارات.

السيدة لم تكتف فى كل مرة ترى فيه هذا المشهد أن تلتقط رقم السيارة الحكومية بغرض الإبلاغ عن واقعة اغتصاب حقها فى رغيف العيش، ولكنها تحاول الاتصال بأى جهة لعل إحداها تكون لديها الرغبة فى محاربة اغتصاب الحقوق فى وضح النهار. إلا أن محاولاتها فى كل مرة تبوء بالفشل. وبمرور الوقت تجمع لديها أرقام سيارات كثيرة دون أن يكون لها جدوى، ومع ذلك هى لم تقطع الأمل فى أنها ربما يوما تصيب الهدف وتجد من يعير الأمر اهتماما.

وكان مطلوبا منى فى هذه اللحظة أن أجد لهذه السيدة حلا لاسترداد حقوقها المغتصبة خاصة أننى شهدت بأم عينى كيف تقاوم هذه السيدة، التى لا تملك أى أسلحة للمقاومة سوى الإيمان بالحق، تقاوم بقدر ما تستطيع. ولأننى أدرك أن قدر استطاعتها هذا لا يكفى لعودة حقوق أطفالها الثلاثة فى رغيف العيش أبوشلن فرحت أقول لها أحاديث بدت لها وكأننى أهذى بكلام غير مفهوم. قلت لها إن هذا يفسر ما يقوله المسئولون من أن نصيب الفرد من العيش المدعوم لا يزيد على 2.4 رغيف فى اليوم، وأن أغنى 60% من السكان فى مصر يستحوذون على ثلثى الغذاء المدعوم. وأن أفقر 35% من السكان يقيمون فى الصعيد ومع ذلك فإن 60% من الخبز المدعوم يذهب إلى سكان الوجه البحرى. وأن البنك الدولى يؤكد أن 34% فقط من المبالغ المخصصة للدعم تصل لمستحقيها.

وكأنها لم تسمع شيئا مما قلته.. باغتتنى بسؤالها: «يعنى أدى أرقام السيارات اللى بتهرب العيش لمين، تخديها أنتى»؟. رفضت تماما أن تلقى على عاتقى مسئولية استعادة الحقوق المغتصبة، لأنى أعرف أكثر مما تعرف هى أن هذا الزمان ليس زمن استعادة «المغُتصب».

وبدون أن تدرى أسدت لى هذه السيدة معروفا، فهى أعطتنى الإجابة عن سؤال بدا لى عويصا عندما جمعنى حوار مع الدكتور على مصيلحى وزير التضامن الإجتماعى حول تفضيله الدعم النقدى بدلا من العينى لأن الأخير لا يصل إلى مستحقيه. وألقى فى وجهى بسؤال بدا لى فى ذلك الوقت صعبا، ولم أجد له إجابة. يعنى أعين عسكرى على كل سيارة تحمل عيشا مدعما لمراقبته؟.

أخرسنى وقتها سؤال الوزير بالرغم من أننى أعلم أن هذه النوعية من أحاديث المسئولين هى فقط من أجل التمهيد لإلغاء الدعم. ولكن هذه السيدة ببساطة تملك الرد عليه. أصحاب الحق هم فقط الذين يستطيعون أن يستردوا الدعم المغتصب. لأنهم ببساطة الأقدر على الدفاع عنه بشرط أن توفروا له أسلحة الدفاع، وأن تملكوا أنتم أيضا إرادة إعطاء الحقوق لأصحابها. عندها فقط لن يسرق رغيفا. فهل تفعلون؟.

أميمة كمال كاتبة صحفية
التعليقات