معضلة التعليم فى عصر التكنولوجيا - محمد زهران - بوابة الشروق
الثلاثاء 15 أكتوبر 2024 12:40 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

معضلة التعليم فى عصر التكنولوجيا

نشر فى : الجمعة 6 سبتمبر 2024 - 10:25 م | آخر تحديث : الجمعة 6 سبتمبر 2024 - 10:25 م

 أكتب هذا المقال ونحن على أعتاب العام الدراسى الجديد، سيبدأ الفصل الدراسى غدًا فى الجامعة التى أعمل بها، عندما يظهر المقال سيكون العام الدراسى قد بدأ منذ عدة أيام. بعد أكثر من ربع قرن من العمل الأكاديمى ما زالت أشعر بالرهبة من أول محاضرة، لأنها المحاضرة التى تلقى بظلالها على الفصل الدراسى كله، أى أن الانطباع الأول يدوم فى الأغلب الأعم مع الطلاب. التحضير للفصل الدراسى ليس بالشىء الهين، لأنه يتضمن عدة أشياء:
تحضير المادة العلمية والتأكد من أنها تحتوى على آخر ما وصل إليه العلم فى المادة التى يتم تدريسها. معرفة سيكولوجية التعليم وكيف يتعلم الطلاب فى المرحلة السنية التى يدرس لها الأستاذ. استخدام أفضل الوسائل لتوصيل المعلومة، هذه الوسائل قد تكون تكنولوجية وقد تكون طريقة الإلقاء.. إلخ. القدرة على إدارة قاعة المحاضرات خاصة مع وجود عدد كبير من الطلاب، وعلى عكس ما يظن الكثيرون فإن إدارة قاعة المحاضرات لا تعنى إسكات الطلاب وإرغامهم على الاستماع، لكن تعنى إشراك جميع الطلاب فى المناقشة وتشجيعهم على إلقاء الأسئلة، وهناك طرق لعمل ذلك حتى عندما يكون العدد ضخمًا. ما ذكرناه فى النقاط السابقة يوضح الفرق بين التعليم والتدريس، ببساطة التدريس هو إعطاء المعلومة، وهو ما يحدث أغلب الوقت فى قاعة المحاضرات، أما التعليم فيشمل ما ذكرناه فى النقاط الأربع السابقة. فى مقالنا اليوم سنتحدث عن بعض الأمور المتعلقة بالعملية التعليمية فى عصرنا الحالى الذى يعتبر عصر التكنولوجيا وعصر الشركات العابرة للقارات.
أليس التعليم بأهمية البحث العلمى؟ أول مشكلة متعلقة بالتعليم فى أغلب بقاع العالم أجمع هى أن التعليم غير مقدر مثل البحث العلمى. الجوائز والتكريمات المتعلقة بالبحث العلمى أكثر بكثير من تلك المتعلقة بالتعليم، وهذا يضعف من حماسة من يعمل بالعملية التعليمية. هناك سببان لعدم تقدير من يعمل بالتعليم: التعليم والبحث العلمى كلاهما مهم لهذا العالم لكن أثر التعليم لا يظهر سريعًا، ولكن يظهر على المدى المتوسط والطويل عندما يتخرج الطلاب ثم يساهمون مساهمة فعالة فى المجتمع، على عكس نتائج البحث العلمى التى قد تتحول إلى تكنولوجيا، وبالتالى إلى منتج أو خدمة للناس سريعًا. أغلب الناس تظن أن التعليم هو قراءة «كلمتين» ثم إعادة سردهم للطلاب، لكن النقاط الأربع التى ذكرناها فى أول المقال توضح خطأ هذا الظن. أما البحث العلمى فيبدو لرجل الشارع كأنه سحر أو شىء معقد، وبالتالى من يمتهن البحث العلمى لا بد أنه عبقرى. إذا أردنا أن ننهض بالعملية التعليمية فإن أول خطوة أن يعرف رجل الشارع العادى أهمية تلك المهنة وقدسيتها وصعوبتها وإنها لا تقل أهمية عن البحث العلمي.
نأتى الآن إلى نقطة غاية فى الأهمية.. التعليم وسوق العمل والعلاقة الملتبسة: نسمع دائمًا عبارة أنه يجب ربط التعليم بسوق العمل. هذا طبعًا مهم جدًا وإلا سنجد عددًا كبيرًا من الخريجين فى صفوف العاطلين أو فى بطالة مقنعة. لكن ربط العملية التعليمية بسوق العمل ليس سهلًا. عندما ينتهى الطالب من الثانوية العامة أو ما يُعادلها ويبدأ خطواته الأولى فى التعليم الجامعى فإن أمامه أربع سنوات على الأقل حتى التخرج، فهل سوق العمل بعد تلك السنوات مشابهة لسوق العمل وقت أن انتهى من الثانوية العامة؟ كلما كان التخصص مرتبطًا بالتكنولوجيا فالإجابة ستكون أقرب للنفى، لأن التكنولوجيا تتغير بسرعة كبيرة فى أيامنا هذه. عندما يدخل الطلاب السنة الأولى الجامعية فى تخصص هندسة أو علوم الحاسبات فإننا نقول لهم إن ما سيتعلمونه فى السنة الأولى فى الغالب سيكون قديمًا أو حتى خطأ عندما يصلون لسنة التخرج. ما الحل لتلك المعضلة؟ أعتقد (وهذا رأى شخصى يخضع للمناقشة) أننا يجب أن نعمل الآتى: المواد الدراسية فى السنين الأولى الجامعية يجب أن تتعلق بسوق العمل الحالية. تدريب الطالب على كيفية التعلم بنفسه خارج قاعة المحاضرات، أى يتعلم كيف يتعلم لأنها مهارة ستفيده طوال حياته المهنية. فى السنتين الأخيرتين يجب أن تكون هناك عدد كبير من المواد الاختيارية حسبما يظهر فى سوق العمل، أى يجب أن تختفى البيروقراطية من الجامعات فيما يتعلق بظهور أو إلغاء مواد دراسية. الإكثار من المحاضرات التى يلقيها رجال الصناعة على الطلاب. تشجيع الطلاب على التدريب الصيفى فى الشركات. ومن المهم أن نشجع وجود باحثين فى علم المستقبليات، فهم من سيقولون لنا أين سيتجه العلم والعالم، وبالتالى سوق العمل.

بعض الأسئلة المثيرة للجدل: أسئلة للأساتذة: هل تقوم بتحضير المادة العلمية أو تحديثها قبل كل فصل دراسى أم تعيد ما قلته فى السنوات الماضية دون تغيير؟ هل فكرت يومًا فى الاستعانة بخبرات علماء التربية عند التحضير للفصل الدراسى؟ هل فكرت يومًا فى الاستعانة بأحد الزملاء الأساتذة ليحضر محاضرة من محاضراتك ثم يعطيك رأيه الصريح؟ هل فكرت أن تفعل ذلك معه أيضًا؟ بصراحة هل تجور على وقت التدريس حتى تركز فى عمل خارجى لأن المعايش غالية، ولأن البحث العلمى هو ما يعول عليه فى الترقيات؟
أسئلة للطلاب: هل تدخل الجامعة من أجل التعلم فعلًا أم فقط لتأخذ الشهادة؟ هل تظن أن أغلب المواد التى تدرسها لا لزوم لها فى حياتك العملية بعد ذلك؟ هل تظن أن اللغة الإنجليزية أكثر أهمية بالنسبة لك من اللغة العربية؟ ولِمَ؟ هل تعرف أهمية كل مادة تدرسها وكيف ترتبط بالمواد الأخرى؟ وإذا كانت الإجابة بلا فهل حاولت أن تسأل نفسك تلك الأسئلة؟
أسئلة لأسر الطلاب: هل تظنون أن اللغة العربية ليست مهمة فى عصرنا هذا؟ هل تريدون الامتحانات سهلة حتى ينجح أبناؤكم بدرجات مرتفعة ويحصلون على الشهادة ويبقى يتعلموا بعدين؟ التعليم أمن قومى حتى ولو لم يكن هذا واضحًا مثل أمور أخرى قد تبدو أكثر أهمية، أقول قد تبدو، لأن التعليم يظهر أثره فى المدى المتوسط والطويل، لكنه فى النهاية أمن قومى لأى دولة تريد أن تصبح قوية فى هذا العصر الذى لا يعترف إلا بالقوة.

محمد زهران عضو هيئة التدريس بجامعة نيويورك فى تخصص هندسة وعلوم الحاسبات، حاصل على الدكتوراه فى نفس التخصص من جامعة ميريلاند الأمريكية، له العديد من الأبحاث العلمية المنشورة فى الدوريات والمؤتمرات الدولية، بالإضافة إلى الأبحاث والتدريس.. له اهتمامات عديدة بتاريخ وفلسفة العلوم ويرى أنها من دعائم البحث العلمى، يستمتع جداً بوجوده وسط طلابه فى قاعات المحاضرات ومعامل الأبحاث والمؤتمرات، أمله أن يرى الثقافة والمعرفة من أساسيات الحياة فى مصر.
التعليقات