الرهان الجيوسياسى للجامعات العالمية - صحافة عربية - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 7:32 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الرهان الجيوسياسى للجامعات العالمية

نشر فى : الأحد 6 أكتوبر 2019 - 9:00 م | آخر تحديث : الأحد 6 أكتوبر 2019 - 9:00 م

نشرت جريدة الخليج الإماراتية مقالا للكاتب الحسين الزاوى، جاء فيه ما يلى:

الجامعات ستظل تمثل فى المرحلة المقبلة ميدان المواجهة الأكثر قوة وإثارة بين الشرق والغرب.
انتقل دور المؤسسات الجامعية خلال العقود الأخيرة، من المجال العلمى والتعليمى الصرف، إلى المجال الجيوسياسى فى سياق انتشار عولمة جامعية غير مسبوقة، تتنافس فى سياقها القوى الكبرى على التفوق والهيمنة فى مجال التعليم العالى والبحث العلمى بين 3 أقطاب رئيسية هى: أمريكا الشمالية، وغرب أوروبا، وشرق آسيا، وبخاصة الصين واليابان وكوريا الجنوبية. وأصبحت الجامعات العالمية الكبرى، تمثل رهانا أساسيا فى المنافسة الدولية من أجل احتلال المراكز الأولى فى التصنيف الدولى للجامعات، مع العمل على استقطاب الكفاءات العلمية القادرة على تقديم أبحاث وابتكارات متقدمة فى مجالات مثل الطب والمعلوماتية والذكاء الاصطناعى. ومن المؤكد بناءً على كل هذه التطورات التى يشهدها الآن عالم البحث العلمى، أن الجامعات ستظل تمثل فى المرحلة المقبلة، ميدان المواجهة الأكثر قوة وإثارة بين الشرق والغرب.
وترمز عولمة الجامعات إلى الظاهرة التى تتميز بتزايد أعداد الطلاب، وارتفاع معدل التبادل الدولى للطلبة فى كل بقاع المعمورة، فى لحظة يتم فيها نقل المؤسسات الاقتصادية من الدول الصناعية نحو مناطق أخرى، تعرف نسبا مرتفعة من النمو ووفرة فى اليد العاملة المؤهلة وغير المكلفة. وفرضت هذه العولمة معايير جديدة للتصنيف، قائمة على القدرة التنافسية فى مجال البحث، وتقديم براءات الاختراع على حساب التكوين والتعليم الجامعى، الهادف إلى نشر المعرفة على نطاق واسع، الأمر الذى ساهم فى تبنى النموذج الأنجلوساكسونى للجامعات فى أهم الدول الأوروبية والآسيوية، وأدى ذلك إلى تراجع الخصوصيات الوطنية فى مجال التعليم الجامعى، وإلى تقليص قدرة الحكومات على توجيه برامج التكوين الجامعى، انطلاقا من أهداف تخدم مصالحها الخاصة.
وقد استطاعت الجامعات الأمريكية أن تحافظ على صدارتها فى ترتيب الجامعات العالمية منذ اعتماد تصنيف شنغهاى سنة 2003، الذى كرّس بشكل شبه مطلق الهيمنة الأمريكية على فضاء الجامعات، ومراكز البحث العلمى فى العالم؛ وتحوّل التعليم الجامعى الأمريكى إلى معيار يفرض قوالبه على الجامعات العالمية العريقة فى ألمانيا وفرنسا وسويسرا وإيطاليا؛ وأضحت واشنطن توظف معيار هذا التفوق من أجل استقطاب العقول المبدعة، وفى توجيه البحث العلمى نحو مجالات تسهم فى احتفاظ شركات التقنية الأمريكية على هيمنتها الاقتصادية.
وتنبهت الصين من جهتها إلى الرهان المتصاعد للجامعات فى الصراع الدولى، وعليه فقد قرّر الحزب الشيوعى الصينى فى مؤتمره التاسع عشر، اعتماد سياسية جديدة قائمة على الانفتاح المتدرِّج والمدروس للصين ولمؤسساتها الجامعية على العالم من أجل استقطاب الطلاب من الدول الصاعدة، إضافة إلى ملايين الطلبة الصينيين الذين يحصلون على تكوين نوعى داخل الصين وخارجها فى الجامعات الغربية الكبرى. وتسعى الصين من خلال الانفتاح على المحيطين الإقليمى والدولى إلى إعطاء بُعد عالمى لجامعاتها، وإلى دفعها إلى المساهمة بشكل أكثر قوة فى التنافس الاقتصادى والعلمى مع الولايات المتحدة الأمريكية.
كما يقوم الاتحاد الأوروبى فى هذه المرحلة ببذل الكثير من الجهود للدفاع عن المكانة التاريخية لجامعاته، حيث تستميت فرنسا من جانبها عبر منظمة الفرانكفونية للحفاظ على مصالحها من خلال دعم التكوين باللغة الفرنسية فى بعض دول شرق أوروبا مثل رومانيا وفى غرب إفريقيا، لمواجهة الاجتياح الكبير للإنجليزية فى مجالات التعليم والبحث فى الجامعات العالمية.
أما على المستوى العربى والإسلامى فقد لعبت المؤسسات الجامعية الوطنية منذ منتصف القرن الماضى، دورا مهما فى ترسيخ المكانة الجيوسياسية لدول المنطقة، حيث أسهمت الجامعات المصرية، وفى طليعتها جامعة القاهرة فى تكوين العديد من النخب والكفاءات العربية التى كان لها دور كبير فى ترسيخ الوعى القومى، وفى الدفاع عن مشروع الوحدة العربية فى زمن حكم الزعيم الراحل جمال عبدالناصر.
والشيء نفسه يمكن أن يقال عن الجامعات العربية فى الخليج والمغرب العربى التى تسهم بشكل واضح فى توطيد علاقة الدول العربية بدول إفريقيا وآسيا، فقد مكّن مثلا استقبال الجامعات فى المغرب وتونس والجزائر لطلاب أفارقة، من تكوين العديد من النخب والقيادات السياسية فى إفريقيا جنوب الصحراء، التى تقلد بعضها مناصب عليا فى بلدانهم، وقد ساعد ذلك دول المنطقة على الحفاظ على علاقات متميّزة مع الدول الإفريقية وعلى مواجهة محاولات «إسرائيل» الهادفة إلى بسط نفوذها فى القارة السمراء.
وتعمل تركيا من جانبها على توظيف القوة الناعمة لجامعاتها من أجل إعادة تمركزها فى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فقد شرعت الجامعات التركية خلال السنوات الماضية فى استقبال العديد من الطلاب العرب فى مختلف التخصصات. ومن الواضح بالنسبة لأنقرة أن الدور الجيوسياسى لجامعاتها يساعدها الآن على المحافظة على نشاطها السياسى الهادف إلى دعم مشروع الإسلام السياسى فى المنطقة.

الخليج ــ الإمارات

التعليقات