سوريا.. مواقف لا بيانات - سمير العيطة - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 8:26 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سوريا.. مواقف لا بيانات

نشر فى : الأحد 7 يناير 2024 - 7:00 م | آخر تحديث : الأحد 7 يناير 2024 - 7:00 م
من الواضح أن المنطقة العربية آتية إلى تحولات كبرى بعد انطلاق «انتفاضة الأقصى»، وليس بعيدا عن التصور أن تؤدى إلى حرب واسعة تشمل الضفة الغربية ولبنان وسوريا والعراق واليمن وربما غيرها. مثل هذه الحرب قائمة أصلا اليوم بشكل خافت وبطىء ويُمكن أن تتفجر بشكل أكبر فى إحدى هذه «الساحات» أو فيها جميعها سوية، مادامت الولايات المتحدة عاجزة عن كبح جماح جنون قادة إسرائيل وعن تصور «يوم تالٍ» أضحت فيه القضية الفلسطينية أساسا وبعيدا عن مآلات «الفوضى الخلاقة» التى عاثت خرابا منذ غزو العراق. لا شريك دوليّا كبيرا للولايات المتحدة من أجل صنع «سلام» لا سيّما أنّها قد غرقت أصلا فى انتخاباتها الرئاسيّة.

• • •

هذه التطورات كلها تستحق قراءة جديدة لأوضاع سوريا، ومن قِبَل الشعب السورى قبْل غيره. قراءة وكذلك مراجعة تتخطّى آلام ثلاث عشرة سنة من الصراع، وتتفحص مآلات البلد، أو ما بقى منه، إذا حدثت الحرب الكبرى أو تُرِكت الأمور على غاربها حيث تتفسّخ أكثر شهورا وسنين.
سوريا اليوم مقسمة. ثلاث مناطق تسيطر على كل منها سردية مختلفة وقوى أمر واقع محلية وقوات أجنبية. انقسام يترسخ منذ أن توقف زخم «الحرب الأهلية» ــ ويجب تسميتها هكذا لأنها بين السوريين والسوريات أساسا ــ منذ خمس سنوات، وحيث إن شروخا جديدة تتعمق وتتسع.
«حزب العمال الكردستانى» يُهيمن على «شمال شرق سوريا»، كما تسمّيه الأمم المتحدة فى وثائقها الإغاثية. وقد تم مؤخرا فرض «عقد اجتماعى» خاص بهذه المنطقة يقوم على أساس أن السوريين والسوريات هناك هم «مكوّنات» و«شعوب» إثنية ومذهبية يتوافقون على استقلال ذاتى انطلاقا من التصورات التى وضعها عبدالله أوجلان حول مستقبل البلدان التى يعيش فيها من ينتمون إلى الهوية الكردية. لكن القائمين على هذا العقد يعرفون جليا أن سردية كهذه لا يُمكن أن تؤسس لـ«سوريا ديموقراطية«، ولا أن يتقبلها بنات وأبناء المدن السورية، دمشق وحلب وغيرهما، ولا حتى الحسكة والرقة، إلا بقوة السلاح.
يستقوى هذا «الشمال والشرق» على بقية المناطق بموارده الطبيعية والزراعية، وخاصة بالقواعد الأمريكية. هذا فى حين تتواجد على الأرض التى يؤسس عليها سرديته أيضا القوات التركية والجيشان الروسى والسورى. واللافت أن من يدير مسار هذه المنطقة فى مجلس الأمن القومى الأمريكى هو ذاته الذى يدير دعم عدوان إسرائيل على غزة. وأن «قوات سورية الديموقراطية» تتواجه اليوم مع الجيش التركى و«الحشد الشعبى» العراقى فى آن معا.
لا بد من الخروج من هذه السرديّة العبثيّة، رغم ألم المظالم التى تعرض لها بعض الكرد السوريين سابقا. إذا كان الهدف هو حقا وحدة سوريا والشعب السورى والمواطنة وحتى إنصاف الكرد على خلفية لامركزية عقلانية.

• • •

بالمقابل، تهيمن على «شمال غرب سورية» سردية «الثورة» ضد الاستبداد فى ظل فوضى فصائل مسلحة، بعضها جهادى، وكذلك تبعية كاملة للدولة التركية وللمعونات الأوروبية والأمريكية. هذا فى حين تستحضر السردية ذكرى الأيام الأولى للانتفاضة حين كانت سلمية، ويغيّب فى المقابل واقع أنها تحولت سريعا إلى صراع طائفى وحرب أهلية وبالوكالة بين القوى الإقليمية والدولية. آلام ومآسى هذا الصراع حاضرة بقوة فى الأذهان، خاصة أن نصف سكان هذه المنطقة نازحون داخليون. إلا أن تعبير «ثورة» لا يتوافق لا مع مشروع دولة مذهبية فى سورية، هنا بحجة «أغلبية» بدل «أقلية»، ولا يتوافق مع استغلال المقيمين للنازحين اقتصاديا ومعيشيا. المقيمون فى «شمال غرب» والمتواجدون فى جنوب تركيا تجاه القابعين فى المخيمات. وفى الأساس، ما فائدة تضحيات «الثورة» إذا انتهت بالتقسيم والتبعية والاستغلال؟
إن هذه المنطقة تواجه تحديين رئيسيين اليوم. تقلص المساعدات الخارجية نتيجة ملل المانحين والتحوّل فى موقف تركيا تجاه السلطة فى سوريا نتيجة حرب غزة وتداعياتها المرتقبة.
هنا أيضا، لا بد من الخروج من السرديّة القائمة، لا لنقض الطموح بالحرية والكرامة، بل لأنه غدا فاضحا اليوم، بفضل تضحيات أهل غزة، أن الدول التى ادعت دعم «الثورات» لا تهتمّ بالحريات ولا بالكرامة إلا خطابيا، بل تهتم بمصالحها وبهيمنتها وبصراعاتها الدولية.
• • •
أما منطقة «الحكومة السورية»، كما فى تسمية الأمم المتحدة، فهى التى يعيش سكانها أسوأ الأوضاع المعيشية نتيجة تزامن العقوبات ومنع حتى تطبيق «التعافى المبكر» وقلة المساعدات وتداعى مؤسسات الدولة والاقتصاد وانفلات الميليشيات. هذه المنطقة تخضع لفصائل موالية لإيران وللجيش الروسى مع إضعاف كبير للجيش السورى الذى أنهكه الصراع الداخلى كما أنهكته الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة دون رادع.
لا سرديّة وحيدة فى هذه المنطقة. السلطة لديها سرديتها الخاصة بأنها انتصرت، فقط لأنها بقيت قابعة. هذا فى حين تبقى عاجزة عن المبادرة، لا تجاه الشعب السورى، رغم أهميّة ذلك اليوم، ولا تجاه التقّلبات والتحوّلات المحيطة. وهناك سرديات متنوعة لا تكترث كثيرا بسردية السلطة بل تنبع من الأسى حيال القتل والدمار ومن الفقر والفاقة ومن الخوف. خوف من السلطة ومن القوى الخارجية ومن سرديات المناطق الأخرى والقائمين عليها، كلهم على السواء، دون أفق مع انشغال فى تأمين قوت اليوم.
ومع الاعتذار من «انتفاضة السويداء»، لا أفق اليوم لسردية المطالبة بتفاوض سياسى على أساس قرار مجلس الأمن 2254، إذ لا توافق أصلا بين الرعاة الأمميين لهكذا تفاوض ولا دعم شعبى لا للسلطة ولا «للمعارضة». ولا أفق لتحسن الوضع المعيشى فى حين تعمل مجموعة ضغط (لوبى) سورية فى واشنطن على فرض المزيد من العقوبات على البلاد وكلّ من يتعامل معها!
• • •

سوريا المقسمة اليوم هى خاصرة هشة فى الحرب القائمة أو فى الحرب الكبرى التى يُمكن أن تنفجر. ولا مكان لها فى مفاوضات «سلام»، إن أتت، لا لإنهاء تقسيمها ومعاناة أهلها ولا لاستعادة جولانها المحتل. القادة الإسرائيليون يهددونها على الهامش فماذا لو قرروا التمادى أكثر حيالها؟
مراجعة السوريين وقراءتهم الجديدة لمستقبل بلدهم ضرورة اليوم. قراءة تنبع من حرصهم على بلدهم وأهلها. قراءة تتخلص من السرديات العبثية. وقراءة تنبع مما أتت به تضحيات أهل غزة إلى المنطقة، أى تخطى سرديات الصراع السنّى ــ الشيعى وطموحات دويلات الطوائف والإثنيات، بما فيها الصهيونية، وكذلك فهم أن حريات الشعوب وحقوق الإنسان لا تهم القوى العالمية بقدر ما تهمها مصالحها الاستراتيجيّة.
تتطلب إذا تلك المراجعة قراءة سورية جديدة والعض على الجراح والتطلع إلى ما هو أهم. فسوريا والسوريون والسوريات يواجهون تهديدا وجوديا كما الشعب الفلسطينى، تهديد اأقسى حتى من ذلك الذى يواجهه الشعب اللبنانى والعراقى. وتتطلب القراءة مواقف جريئة لا تأبه إلا بسوريا وأهلها، وببقائها كدولة وكيان. مواقف يحكم عليها التاريخ والمستقبل وليس هذا وذاك. مواقف... لا بيانات.
سمير العيطة رئيس التحرير السابق للوموند ديبلوماتيك النشرة العربية ــ ورئيس منتدى الاقتصاديين العرب
التعليقات