لن يستطيع أحد هدم الدولة؟ - جورج إسحق - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 6:21 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لن يستطيع أحد هدم الدولة؟

نشر فى : الأربعاء 7 فبراير 2018 - 10:25 م | آخر تحديث : الأربعاء 7 فبراير 2018 - 10:25 م

تميزت العصور القديمة والوسطى بغياب مفهوم الدولة بشكلها الحالى، حيث انتشرت مسميات مختلفة منها، الإمبراطورية، والسلطنة، والممالك. إلا أن أغلب الممالك التى حكمت فى العصور الوسطى فى أوروبا حكمت باسم الدين، وكان لسلطة الكنيسة أثر سلبى فى التحكم بالدولة وسياستها، وإمكانها فى عزل الملوك والأمراء عن طريق سحب الثقة منهم وفصلهم من الكنيسة، ما يعنى افتقادهم لثقة وطاعة الشعب الذى يثق بالكنيسة لما كانوا يرون من أنَها تطبيق لإرادة الرب، وحدث ذلك على سبيل المثال فى فرنسا.

ثم تطور الأمر فى القرن الرابع عشر بعد أن تمكن ملوك إسبانيا وفرنسا من إخضاع الكنيسة وأسياد الإقطاع إلى سيطرتهم. وقامت الدولة القومية التى هى من حيث الشكل تشبه الدول السائدة حاليا فى العالم وبظهور الدولة القومية ظهرت فكرة المواطنة بمعناها الحديث.

علما بأنه تم ترسيخ وجود الدولة القومية وسيادتها الوطنية فى أوروبا بعد معاهدة «وستفاليا 1648» التى اعترفت بحدود الدول القومية وأقرت الاحترام المتبادل لسيادة هذه الدول على أراضيها ومواطنيها .

وهكذا نشأت الدولة القومية فى أوروبا واعتمدت فى وجودها على نظام ملكى مطلق، وجيش وطنى ونظام ضريبى موحد.

تعود جذور كلمة الدولة للغة اللاتينية لكلمة «Position» التى تعنى الوقوف، كما ظهر مصطلح الدولة فى اللغات الأوروبية فى مطلع القرن الخامس عشر، وفى القرن الثامن عشر تطور مصطلح الدولة واستخدم تعبير«Publicae» اللاتينى والذى يعنى الشئون العامة.

وللدولة عدة تعريفات وُضِعت من قبل العديد من المؤسسات ولاسيما الأوروبية منها، إلا أن التعريف الأشهر والمتعارف عليه هو أن الدولة هى مجموعة من الأفراد يمارسون نشاطهم على إقليم جغرافى محدد ويخضعون لنظام سياسى معين متفق عليه فيما بينهم يحكمه دستور وهو مجموعة من القواعد القانونية التى تحدد نظام وشكل الحكم فى الدولة، وينظم السلطات الثلاث ويحدد اختصاصاتها، ويبين حقوق الأفراد وواجباتهم، وينبثق عن الدستور مجموعة من القوانين والأنظمة والتعليمات لتنفيذ مواده.

وتشرف الدولة على أنشطة سياسية واقتصادية واجتماعية بهدف تقدمها وازدهارها وتحسين مستوى المواطنين فيها. وينقسم العالم إلى مجموعة كبيرة من الدولة وإن اختلفت أشكالها وأنظمتها السياسية.

العناصر المكونة للدولة

العنصر البشرى: وهو العنصر الأساسى فى الدولة، الذى يستقر فيها، ويرتبط بها برابطة سياسية وقانونية، إذ تعتمد الدولة على الشعب فى إدارة الأعمال، وتمثيلها فى الخارج، والدفاع عنها.
العنصر الطبيعى: ويقصد به كامل مساحة الأرض محددة المعالم، التى تتبع الدولة، ويقيم على معظمها، أو على بعضها المواطنون، وتشمل المسطحات المائية، والمجال الجوى.
العنصر التنظيمى: أو الحكومة، وهو العنصر المسئول عن تنظيم مجتمع الدولة، والإشراف على الإقليم، وتسيير أمور الشعب، وتكتسب الحكومة شرعيتها، فى حال تم الاعتراف لها بذلك سواء اختيارا، أو طوعا، أو عنوة، ويقصد بها السلطة العليا، بفروعها الثلاثة، السلطة القضائية، والسلطة التشريعية، والسلطة التنفيذية، وكل ما يرتبط بها من تنظيمات، تساهم بصنع القرار، أو ممارسة السلطة.

العنصر المعنوى: أو السيادة والاستقلال، بحيث يكون لها كيانها المستقل بشكل مطلق، والبعيد عن أى تدخل خارجى، وعدم خضوعها بشكل مباشر لإدارة أجنبية، أو اتباعها لأية جهة.
الاعتراف الدولى بكيانها: تنشأ الدولة ككيان مادى بمجرد اكتمال عناصرها؛ من مواطنين، وإقليم، وحكومة واستقلال، وبالإضافة إلى هذه العناصر الأساسية، يجب اعتراف وإقرار الدول الأخرى بوجودها، والتعامل معها، والسماح لها بممارسة سيادتها الخارجية، واعتبارها عضوا فى المجتمع الدولى.

***

ينبغى التمييز بين الدولة والنظام أو (الحكومة – السلطة التنفيذية)، على الرغم من أن المفهومين يستخدمان بالتناوب كمترادفات فى كثير من الأحيان. فمفهوم الدولة أكثر اتساعا من النظام .حيث أن الدولة كيان شامل يتضمن جميع مؤسسات المجال العام وكل أعضاء المجتمع بوصفهم مواطنين، وهو ما يعنى أن النظام أو الحكومة ليست إلا جزءا من الدولة. أى أن الحكومة هى الوسيلة أو الآلية التى تؤدى من خلالها الدولة سلطتها وهى بمثابة عقل الدولة.
إلا أن الدولة كيان أكثر ديمومة مقارنة بالحكومة المؤقتة بطبيعتها: حيث يفترض أن تتعاقب الحكومات، وقد يتعرض نظام الحكم للتغيير أو التعديل، فلا يحق للحكومة أن تسخر مقار الدولة لنفسها بل فقط وفقط لخدمة ورعاية مصالح الشعب ومن حق العنصر الأكبر والأقوى من عناصر الدولة وهو» الشعب» أن يحاسب النظام وينتقده إذا كان هذا النظام يعمل ضد مصلحة الشعب والوطن سواء.

كما أن السلطة التى تمارسها الدولة هى سلطة مجردة «غير مشخصنة«: بمعنى أن الأسلوب البيروقراطى فى اختيار موظفى هيئات الدولة وتدريبهم يفترض عادة أن يجعلهم محايدين سياسيا تحصينا لهم من التقلبات الأيديولوجية الناجمة عن تغير الحكومات أو الأنظمة المختلفة.
وبالفعل هناك فرق بين الدولة والنظام ومن حق الشعب أن يقول رأيه فى النظام ويعترض على أفعاله دون تجريم ودون تخوين لأن هذه المصطلحات تهدم فعلا الدولة ولا تبنيها. والذى يقوى الدولة لقيام نظام عادل بقيادة راشدة هو الحوار وقبول الاختلاف واستيعاب كل فئات الشعب بمؤيديه ومعارضيه.

ومن الأفضل للنظام من أجل مصلحة الوطن والشعب أن يستبدل الآلية التى ينتهجها مع معارضيه فبدلا من الهجوم الدائم عليهم واستخدام أذرع النظام الإعلامية فى تشويه المعارضة وتخوينها أن يتحاور معهم حوار جاد ويسمع منهم ويضع خطة زمنية لإصلاح ما يجب إصلاحه حتى تعبر مصر هذه المرحلة الصعبة.

جورج إسحق  مسئول الاعلام بالامانة العامة للمدراس الكاثوليكية
التعليقات