الإعلام مرة أخرى - أحمد الصاوى - بوابة الشروق
الأحد 19 مايو 2024 10:55 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الإعلام مرة أخرى

نشر فى : الثلاثاء 7 مايو 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 7 مايو 2013 - 8:00 ص

ليس من حقى أن أعطى أحدا دروسا فى الإعلام.

 

لأننى مشتغل بهذه المهنة، وإذا كنت مؤمنا بقيم مهنية أدافع عنها وأراها طوق نجاة للصناعة وسط هذا التجاذب والانقسام، فلابد أن تظهر فيما أعمله على صفحات الجريدة التى أشارك فى إدارة تحريرها. 

 

هذا الظهور لا علاقة له بما أكتب فى هذه المساحة، فهى مساحة رأى تعبر عنى كشخص ولا تعبر عن سياسات التحرير بالضرورة، وإنما له علاقة بالتعاطى مع الأخبار والوقائع والأحداث والمعلومات بقدر يقترب أو يبتعد عن عمودى «الدقة» و«الإنصاف»، الذى تقوم عليهما الحقيقة عموما وليس الصحافة فحسب.

 

إذا تطوعت وقدمت لك درسا فى الإعلام، فلابد أن تسألنى عن النموذج الذى أمثله، لابد أن تطبق ما أقول على ما أصنع، لا تتركنى أخدعك بعبارات معسولة وحديث منمق عن المهنية والحياد وتحرى الدقة، إذا كنت لا أمارس ذلك فى تجربتى العملية.

 

كما أنه ليس من حقى أن أعطيك دروسا فى الصحافة، فليس من حق وزير الإعلام أن يعطيك دروسا فى الإعلام، لأنه مثلى فى إطار أوسع، مسئول عن عشرات الوسائل الإعلامية مرئية ومسموعة ومكتوبة وإلكترونية، ولابد أولا أن ترى منه نموذجا واحدا لهذه الدروس التى يتحدث عنها متحقق عمليا، لا أحد يمنعه أن يقدم للناس نموذجا للإعلام المهنى المنصف الصادق الذى يتحدث عنه.

 

أيضا ليس من حق الإخوان كجماعة ولا قياداتها أن تمنحك دروسا فى الإعلام، لأنه ليس المطلوب منها أن تعطى دروسا إنما أن تقدم نموذجا، وهى أيضا تملك صحيفة ومواقع إلكترونية ومحطة فضائية، فهل تعتقد أن النموذج الإعلامى الذى يقدمه إعلام الإخوان تنطبق عليه المعايير التى يتحدثون بها فى انتقادهم للإعلام المعارض لهم؟ أم أنهم النموذج الأكثر تطرفا على الشاطىء الآخر، يمارسون كل ما ينتقدونه فى الآخرين، لكن فى إطار ترويج سياسات ومواقف يرضون عنها، ولا يرون فى خطابهم الإعلامى ذات العيوب التى يرونها فى الآخرين.

 

لا أحد فى هذا البلد مشغول بإيمانه، لكن الجميع لديه انشغال بإيمان الآخرين، وبينما ُيحمل السياسيون والكتاب المنحازون سياسيا الإعلام مسئولية كل شىء، لا ينشغل أحدهم بالنظر إلى النموذج الذى يمثله.

 

يدعوك البعض أن تمارس إنصافا مع السلطة، فيما هو عاجز عن أن يمارس إنصافا مع المعارضة، يحذرك من الانتقاء والانحياز، فيما هو غارق فى الانتقاء والانحياز على الجانب الآخر، يطلب منك الدقة فيما هو يتحرك خلف الشائعات ويبنى منها قصصا تدعم انحيازه.

 

كل ذلك أقوال حق يراد بها تدعيم الانحياز السياسى لا أكثر، لا هى لوجه المهنة ولا من أجل الحقيقة لكنها انتصار لانحياز سياسى لا أكثر فى مجتمع انقسم بسبب أفعال الساسة الى فسطاطين، كل منهما يرى من الكوب النصف الذى يخصه، ويحاول إجبار الإعلام على أن يرى مثله، حتى أصبح من يرى الصورة كلها عدوا للجميع. 

 

يا من تقدمون دروسا فى الإعلام انظروا فى المرآة قليلا، وحاولوا مرة أن تحاكموا أنفسكم بذات المعايير التى تجلدون بها الآخرين.

 

أحمد الصاوى كاتب صحفي
التعليقات