لم يعد سؤالنا الجوهرى فى بلاد العرب هو لماذا تأخرنا بينما تقدم الآخرون، كما طرحه أسلافنا فى القرنين التاسع عشر والعشرين. بل صار هل سننجو من المحنة الراهنة ونظل فى عداد الأحياء، وهل تمتلك مجتمعاتنا من الأسباب ما يمكنها من التغلب على الاحتراب الأهلى والعنف والفقر والتطرف وانهيار الدول الوطنية والانتهاكات الممنهجة لحقوق الإنسان وحرياته؟؟.
لم يعد سؤالنا الجوهرى فى بلاد العرب هو كيف يمكن تحديث المنظومات الدستورية والقانونية لضمان مواطنة الحقوق المتساوية دون تمييز على أساس الدين أو العرق أو النوع، وللفصل بين الدين والسياسة وتنظيم دور الدين فى الفضاء العام، ولإطلاق الحريات الشخصية والمدنية والسياسية على نحو يسمح للمواطن بالاختيار الحر فى فضائه الخاص وفى المساحات التى يشارك بها فى الفضاء العام. بل صار هل سينجح العرب فى العديد من مجتمعاتهم فى الحفاظ على شىء من التنظيم الدستورى والقانونى الحديث، وهل سيتمكن عرب آخرون من الابتعاد عن هاوية الدساتير التمييزية والقوانين الطائفية والتأسيس لمواطنة حقيقية؟؟.
صار سؤالنا الجوهرى هل تستطيع مجتمعاتنا حصار التطرف الفكرى والتطرف الدينى واستعادة القليل من العقل كمقدمة لتجديد النقاش العام عن تنظيم دور الدين، وكمقدمة ضرورية أيضا لتحرير الإنسان من قيود التأويل الرجعى للدين وللأنساق القيمية والأخلاقية السائدة؟؟.
لم يعد سؤالنا الجوهرى فى بلاد العرب هو متى سنتخلص من طبائع الاستبداد ونقيم الدول الوطنية والنظم السياسية التى تجمع بين صون الحرية وتحقيق العدل والكفاءة فى إدارة شئوننا الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، متى سيغيب عن عالمنا الحكام المستبدون والحكومات عديمة الكفاءة ويحل محلها ديمقراطيات واثقة فى ذاتها وغير خائفة من الحضارة المعاصرة وقادرة على التفاعل الإيجابى معها. بل صار هل يمكن للمواطن وللمجتمع المدنى فى بلاد العرب إجبار المستبدين على الحد من المظالم وانتهاكات الحقوق والحريات، هل نستطيع الحيلولة دون تكرر جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية التى يرتكبها ديكتاتور سوريا يوميا.صار سؤالنا الجوهرى هل لنا أن نوقف الهروب الجماعى لبعض الشعوب العربية إزاء جرائم وعنف الحكام وغياب فرص العمل والحياة الكريمة دون عوز؟؟.
صارت بلادنا تعرف كبلاد الانتشار المريع لخرائط الدماء، من القتل اليومى فى سوريا الذى يمارسه منذ 2011 الديكتاتور الأسد وتتداخل به عصابات مسلحة محلية وأطراف إقليمية ودولية، إلى انتهاك حق الناس المقدس فى الحياة فى العراق ولبنان وفلسطين واليمن والكويت والبحرين ومصر والسودان وليبيا وتونس بفعل رباعى الشر المتمثل فى الاستبداد والإرهاب والاحتلال والطائفية المقيتة.
صرنا كعرب نتصدر القوائم الدولية لأعداد اللاجئين والمهجرين والنازحين والمرتحلين.
صرنا كعرب نواجه استئساد الديكتاتوريات وسطوة مستبديها الحاكمين وأجهزتهم الأمنية . صرنا نحن أشبه بالقبائل المتفرقة والجماعات المتناحرة، بينما نعانى الأمرين من الدعم المتبادل بين المستبدين العرب للحيلولة دون انعتاق شعوبنا من نظم حكمهم البالية، ولتعطيل العقل وحجب الحقائق والمعلومات عن الناس لكى يسهل الادعاء المتهافت بمسئولية الانتفاضات الديمقراطية عن خرائط الدماء وجرائم الإرهاب والحروب الأهلية التى تعصف ببلاد العرب.
صرنا كعرب مجددا ضحايا ارتكان الحكومات الغربية إلى المقولة العنصرية «لا يملك هؤلاء الأهلية لبناء الديمقراطية والحياة فى مجتمعات تعددية ومتسامحة»، ومن ثم تتقهقر السياسات الأمريكية والأوروبية إلى مواقع التخلى التام عن خطاب دعم التحول الديمقراطى (على هزاله ومحدودية فاعليته خلال السنوات الماضية)، وتعود إلى خانات تفضيل بقاء المستبدين الحاكمين كبديل أوحد لمنع انتشار الإرهاب وإيقاف تصاعد معدلات العنف ومواجهة خطر الفوضى، وتتنصل بالتبعية من التعامل بمسئولية وجدية مع الكوارث التى تسببها الديكتاتورية وترتبها السلطوية.