انتخابات البرلمان الأوروبى، المقرر إجراؤها بدءا من ٦ وحتى ٩ يونيو الجارى، من المتوقع أن تحدث تغييرات كبيرة فى توازن القوى داخل البرلمان الأوروبى الذى يتألف من ٧٢٠ عضوا يمثلون مختلف الدول الأعضاء فى الاتحاد وعددها ٢٧ دولة والتى يتم توزيع المقاعد بينها بشكل نسبى مع عدد السكان، بحيث تتنافس قوائم الأحزاب السياسية فى كل دولة على عدد المقاعد المخصص لدولها وفق قاعدة التمثيل النسبى .
بالنسبة للشعب الفلسطيني، فإن سياسات الاحتلال الإسرائيلى عادة ما تؤثر على مواقف الأحزاب المشاركة والناخبين فى أوروبا، إلا أن ما يجرى اليوم ومنذ تسعة أشهر من جرائم وفظائع والتى ما زالت تؤثر على الرأى العام العالمى ومراكز صناعة القرار بشكل غير مسبوق، خاصة فى أوروبا حيث تتنوع المواقف السياسية بشكل ملحوظ نظرا لتعدد الأحزاب ومواقفها تجاه قضايا الاحتلال الكولونيالى الإسرائيلى لفلسطين، لم يدفع الاتحاد الأوروبى للابتعاد عن سياسة ازدواجية المعايير.
فالبرلمان الأوروبى يجب أن يُعبر كهيئة تشريعية عن مواقف قوية بشأن حقوق الإنسان والقانون الدولى بشكل عام سندا لمبادئ نشوء الاتحاد نفسه، مما يتوجب أن تؤدى مواقفه إلى انتقادات واضحة للجرائم الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطينى وإلى المساهمة الفاعلة فى إنهاء الاحتلال ونظام الفصل العنصرى .
كما يمكن للبرلمان الأوروبى لاحقا أن يدعو إلى اتخاذ إجراءات عقابية معينة أو مقاطعة ومراجعة اتفاقية الشراكة مع إسرائيل، وإلى طلب زيادة المساعدات الإنسانية للفلسطينيين والخروج بمبادرة سياسية تدعم المبادرات الداعية بوضوح إلى حل الدولتين وفق القرارات الأممية وعلى قاعدة حق تقرير المصير لشعبنا وإنهاء الاحتلال أولاً وإقامة دولتنا المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس الشريف، وأن يساهم من أجل وضع آليات تنفيذية لذلك عبر مساهمته فى انعقاد مؤتمر دولى بالخصوص وإلى استكمال اعترافات دوله الأعضاء بالدولة الفلسطينية على حدود ما قبل ٤ يونيو ١٩٦٧.
بعض العوامل التى قد تؤثر على الانتخابات البرلمان الأوروبى:
زيادة النشاط السياسي: زيادة الوعى حول القضية الفلسطينية والنشاط السياسى بين الناخبين مع الحملات الانتخابية الجارية منذ شهرين، خاصة بين المجموعات التى تدعم حقوق الفلسطينيين والتى شاركت بكافة مظاهر التضامن فى الشوارع والجامعات الأوروبية وما زالت، الأمر الذى قد يؤدى برأيى إلى زيادة التصويت للأحزاب التى تتخذ موقفا صارما وواضحا ضد إجراءات الاحتلال الإسرائيلى وممارساته البشعة.
الضغط على السياسات الخارجية: الأحزاب التى تتخذ مواقف صريحة تجاه السياسة الخارجية التى تحمل طابع النفاق للاتحاد الأوروبى والمفوضية استخدمت الأحداث الجارية فى فلسطين كجزء من حملاتها الانتخابية لفضح هذه السياسات والمطالبة بسياسات تنسجم ومبادئ حقوق الإنسان والعدالة والديمقراطية والحريات، مما يؤثر برأيى على الناخبين الذين يهتمون بهذه القضايا وشحذ تأييدهم للقضية الفلسطينية .
تأثير التشكيلة البرلمانية الجديدة المتوقعة:
1- زيادة قوة اليمين:
الأحزاب اليمينية، إذا زادت قوتها فى البرلمان كما هو متوقع ، فقد تدفع نحو سياسات أقل انتقادا لإسرائيل، مما قد يؤثر على المواقف العلنية للاتحاد الأوروبى والمفوضية التى ستنسجم مع تلك التوجهات. فهذه الأحزاب قد تحاول حجب الضغوط على المفوضية الأوروبية التى تهدف إلى اتخاذ مواقف قوية ضد سياسات إسرائيل فى الأراضى المحتلة.
2- استمرار تحالف الوسط واليسار:
إذا حافظت كتل الوسط الاشتراكية واليسار على قوتها من خلال تحالفات قوية ينضم إليها الشيوعيون، فقد تواصل التأثير وبشكل أكبر على المفوضية الأوروبية باتجاه تطوير مواقفها الداعمة لحقوق الإنسان وحقوق الشعب الفلسطينى السياسية.
مرشحون من أصول فلسطينية:
هناك مرشحون من أصول فلسطينية ومن الجاليات العربية يشاركون فى قوائم الأحزاب اليسارية عموما المشاركة فى انتخابات البرلمان الأوروبى.
هذه المشاركة تعكس تزايد الانخراط السياسى للمجتمعات المتنوعة داخل أوروبا، وتسلط الضوء على تمثيل وجهات نظر متنوعة فى المشهد السياسى، كما يعكس تنامى الاعتراف بأهمية هذه الجاليات العربية ومنها الفلسطينية، وأهمية دعم قضاياهم على مستوى السياسات الأوروبية، خاصة فى الظرف الراهن. وبالنظر إلى السياق الحالى، تكون القضايا المتعلقة بفلسطين والتمييز ضد المهاجرين ذات أهمية كبيرة، فقد تسهم هذه الشخصيات فى لفت الانتباه إلى هذه المواضيع داخل البرلمان الأوروبى لاحقا بشكل أكبر .
ومع ذلك، يعتمد التأثير الكلى لهؤلاء المرشحين على عدة عوامل، بما فى ذلك منصاتهم السياسية، والأحزاب التى يمثلونها، وقدرتهم على جذب الأصوات والتفاف الجاليات العربية حولهم، حيث تتأثر محركات السياسة الأوروبية، وخاصة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، بطيف واسع من الأحزاب والمصالح وسياسات الولايات المتحدة التى تعمل من أجل فرض هيمنتها على سياسات القارة الأوروبية وتبقيها تابعا لها، مما يجعل التأثير الكلى للمرشحين ضمن قوائم الأحزاب المشاركة ممكنا رغم الصعوبة والتعقيد بعد فوزها لما ستواجهها من تحديات اليمين الأوروبى الذى من جهة أخرى يتوجب العمل مع غير المتطرفين منه عن قرب أكثر من جانبنا لمحاولة تعديل مواقفهم السياسية تجاه ما يجرى.
لذلك فإن التغييرات فى البرلمان الأوروبى قد تؤدى إلى تعديلات فى توجهات السياسات الخارجية للمفوضية الأوروبية، ولكن مدى هذا التأثير يعتمد على قدرة أحزاب الوسط الاشتراكية واليسارية والشيوعية على الحفاظ على تحالفات قوية وفعالة داخل البرلمان أمام صعود اليمين الشعبوى وتحديدا فى فرنسا وإيطاليا وبعض دول أوروبا الشرقية.
المطلوب اليوم من مؤسسات الاتحاد الأوروبى بما فيها البرلمان دعم العدالة الدولية فى محاسبة وعقاب دولة الاحتلال ليتم إنهاء احتلالها الكولونيالى عن طريق إقامة دولتنا الديمقراطية ذات السيادة، وهو أمر عجزت حتى اللحظة المفوضية الأوروبية وسياساتها الخارجية عن تحقيقه للشعب الفلسطينى رغم مسئولياتها السياسية، والقانونية والأخلاقية.
إن التغييرات فى البرلمان الأوروبى قد تؤدى إلى تعديلات فى توجهات السياسات الخارجية للمفوضية الأوروبية، ولكن مدى هذا التأثير يعتمد على قدرة أحزاب الوسط الاشتراكية واليسارية والشيوعية على الحفاظ على تحالفات قوية وفعالة داخل البرلمان أمام صعود اليمين الشعبوى وتحديدا فى فرنسا وإيطاليا وبعض دول أوروبا الشرقية.
مروان إميل طوباسى
جريدة القدس الفلسطينية