الانتخابات والإرهاب - امال قرامى - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 5:27 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الانتخابات والإرهاب

نشر فى : الثلاثاء 8 يوليه 2014 - 5:30 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 8 يوليه 2014 - 5:30 ص

انطلقت الحملات الانتخابية على أشدها بين فاعلين سياسيين أنهكتهم الصراعات، وأعيتهم الحيلة، وعُرف ما فى جرابهم فما باتوا يثيرون الفضول، يتنافسون فى ظل غياب البرامج والخطاب السياسى المقنع ومع ذلك فإنهم لا ينفكون عن التعبير عن استعدادهم التام لقيادة البلاد فى المرحلة القادمة.

ولكن يتعين على هؤلاء المهوسين بالسلطة أن يجيبوا عن أسئلة جوهرية: كيف السبيل إلى إقناع أهالى الشهداء وجرحى الثورة وشرائح من العاطلين عن العمل والمهمشين والشبان والشابات اليائسين والكادحين والمكدودات وغيرهم بأهمية الانتخابات وضرورة الإدلاء بالواجب والتعبير عن الرأى فى الشأن السياسى ومشروعية انتخاب هذا المرشح دون سواه؟ بل كيف السبيل إلى إقناع عامة الناس بأن المناخ هو بالفعل ملائم لإجراء انتخابات نزيهة وشفافة تراعى فيها المعايير الدولية والحال أن جزءا كبيرا مما وعدت حكومة «مهدى جمعة» بإنجازه لم يتحقق، وأن الشخصيات المورطة فى الفساد تصول وتجول فى البلاد بلا محاسبة...؟ وكيف نبث رسائل «الطمأنة» وعدد الجنود والأمنيين القتلى يزداد يوما بعد آخر؟

•••

لا حديث للناس سوى عن داعش، والخليفة القائم، والدولة الإسلامية. فحين تنتهج الحكومة سياسة إعلامية قوامها «زر غبا تزدد حبا» وتلوذ بالصمت بدل تمكين المواطن/ة من المعلومة لا خيار أمام الناس سوى أن يصوبوا وجوههم نحو وسائل الإعلام ليجدوا صورا، وفيديوهات تتداول عن عدد الرءوس المقطوعة أو المذبوحة من الوريد إلى الوريد، والأجساد المصلوبة، والجثث الممثل بها، وليصغوا إلى حديث التشفى من الأعداء وليدركوا أن التونسيين يحتلون الصدارة فى قائمة «الجهاديين» لا يجدون غضاضة فى التعبير عن انتشائهم بممارسة العنف الوحشى.

ولا تحسبن أن ما يحدث فى سوريا والعراق لا انعكاسات له فى حياة التونسيين. يكفى أن تحل بـ«أحياء» يؤمن فيها الأهالى بالجهاد، ونصرة الإخوان حتى تنتبه إلى ممارسات جديدة وثقافة فرعية بدأت تنتشر: الاحتفال الجماعى بعد إعلان الخلافة، والمجاهرة بتقديم الولاء والبيعة لخليفة الله، فضلا عن إطلاق الزغاريد وإقامة الأفراح كلما سقط جندى تونسى شهيدا تشفيا فى «الطاغوت».

•••

هى جماعات عضوية بدأت تتشكل تقدم العون المادى والمعنوى لكل «جهادى» وترحب بمن «عادوا إلى الديار» متسللين يروُون نتفا مما عاينوه فى ساحات الوغى. وهى جماعات بنت هويتها على أساس يتعارض مع الهويات السائدة. فهى لا تعترف بالوطن ولا تؤمن بالقوانين وبدستور وضعه «العلمانيون» ولن تشارك فى الانتخابات لأنها تعيش فى ربوع هذا البلد انتظارا لليوم الموعود.

لا يملك الفاعلون السياسيون أجوبة مقنعة، ولا خطة واضحة لإدارة هذه المسألة. وهو أمر غير مستغرب فمن لا رؤية له لإدارة الوضع الاقتصادى المتردى ولا برنامج عمل اجتماعى ولا إرادة سياسية له للقيام بالإصلاح الهيكلى لا ينتظر منه أن يفكر فى عرض تصوره لمعالجة ظاهرة الإرهاب، إن هى إلا خطابات تجتر ما قيل هنا وهناك، حبلى بالمقترحات النظرية التى لن تصمد أمام الواقع المعقد. فمن يطلع على آخر البحوث والدراسات الميدانية التى أنجزها «الغربيون» فى المنطقة يدرك حجم الفجوة المعرفية بين ما يتحدث عنه «المحللون والخبراء» المحليون وما استخلصه الدارسون من نتائج بعد تطبيق حزمة من النظريات والمناهج.

وفى مقابل هذا الحرص على المعرفة يستمر السياسيون فى التعامل مع ظاهرة الإرهاب تعاملا وظيفيا «لتأثيث» حملاتهم الانتخابية دون إبداء الرغبة الحقيقية فى الاستقصاء من أجل الإجابة عن الأسئلة المركزية: من الذى يقف وراء استشراء هذه الظاهرة فى تونس؟ ولم لم تحاسب الجمعيات الخيرية والأحزاب التى ساهمت فى «تمكين» الجهاديين؟ ولم اخترقت المؤسسة الأمنية؟ ولم يتم إيهامنا بأن الإرهاب «قضاء مبرم» ينبغى القبول به بعلة أنه ظاهرة معولمة؟ ولم تأخر مشروع وضع السياسات الوقائية؟

•••

إن سياسة قطع الوعود وبيع الأوهام، والتلاعب بالمشاعر والعواطف، والإيهام بامتلاك الحلول الناجعة، والتعبئة باسم الدين أو الحداثة لن تجدى هذه المرة. فالتحدى الحقيقى الذى سيواجهه الفاعلون هو كيف سيتم إقناع الجماهير التى ستقاطع الانتخابات إما «تأديبا» لحكومات وقيادات عجزت عن تحقيق المطلوب، وعبثت بمصالح الناس، وتنكرت لقيم الثورة، أو «كفرا» بتوجهات لا تعبر عن حلم تحويل تونس إلى دولة إسلامية أو إمارة من إمارات دولة الخلافة؟

ولأن دراسة سلوك الناخب/ة تثبت أنه يتأثر بعدة عوامل لا صلة لها بالعقلانية فإننا بانتظار آخر «التقليعات». فحين تغيب القدرة على الإقناع يكون البديل اللعب على العواطف.

التعليقات