ثقوب فى سفينة الوطن - أحمد يوسف أحمد - بوابة الشروق
الأحد 5 مايو 2024 10:33 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ثقوب فى سفينة الوطن

نشر فى : الخميس 8 نوفمبر 2012 - 8:15 ص | آخر تحديث : الخميس 8 نوفمبر 2012 - 8:15 ص

ألقى رئيس الجمهورية يوم الجمعة الماضى خطابا فى قاعة المؤتمرات بجامعة أسيوط فى إطار زيارته لهذه المحافظة العتيدة، ويكثر رئيس الجمهورية منذ تولى منصبه فى أول يوليو الماضى من زيارة أماكن مختلفة على خريطة الوطن الحبيب، وهو تقليد حميد يساعد من ناحية فى بناء شعبية أكثر لرئيس الجمهورية، وتدعيم شرعيته، لكنه يمكنه من ناحية أخرى من وضع يده على المشكلات الحقيقية التى تعترض مسار ما يسميه بالعبور الثالث، وكنت قد تفاءلت بثورة يناير من منظور قدرتها على وصل ما انقطع بين الشعب وقيادته منذ عهد السادات، لكن المجلس الأعلى للقوات المسلحة واصل تقليد انقطاع الصلة بين الحاكم والمحكوم.

 

وخاطب الشعب أساسا من خلال صفحته على موقع التواصل الاجتماعى، ثم أحيا د. مرسى الأمل بخطابه الشهير فى جماهير الثورة فى ميدان التحرير، لكن الخشية عاودتنى من وأد هذا الأمل عندما لاحظت التطور الذى طرأ على زيارات الرئيس «الشعبية»، فقد أخذت تتحول بالتدريج إلى زيارات «معلبة» كمثيلتها فى عهد السادات ومبارك، يتحدث فيها الرئيس فى أماكن مغلقة أمام حشد من أنصاره يصفقون له بحماس بسبب وبدون سبب، ويمطرونه بهتافات منظمة بينها فواصل زمنية محسوبة تعرب عن مطلق التأييد له، والحجة الحاضرة دائما هى «أمن رئيس الجمهورية»، وهو دون شك مسألة بالغة الأهمية للاستقرار فى مصر، لكن القول بأن الأمن لا يتحقق إلا بهذه الكيفية فيه نظر، ونتيجته المؤسفة العودة إلى بناء الأسوار بين رئيس الجمهورية والمواطنين العاديين.

 

مع أن غياب هذه الأسوار فائدة كبرى لرئيس الجمهورية والوطن معا. هكذا تزحف «المؤسسة» بالتدريج على الثورة بدلا من أن تهزها الثورة هزا. وتتسبب فى تناقص شعبية رئيس الجمهورية كرد فعل لسخط المواطنين على الحيلولة بينهم وبينه.

 

●●●

 

وبغض النظر عن هذه الأمور التى قد يعتبرها البعض شكلية ــ وهى ليست كذلك ــ فإن التوقف عند مضمون خطاب رئيس الجمهورية وسماته أمر بالغ الأهمية لما يحمله من دلالات بالنسبة لمستقبل الوطن. يلاحظ بداية أن الخطاب قد تميز بمثالية شديدة تُحمد لرئيس الجمهورية أخلاقيا، لكن السياسة لا تعرفها ولن تعرفها، فالفاسد لا يمكن أن «يتطهر» كما طالبه رئيس الجمهورية، ويودع أموال فساده فى «حساب النهضة»، أولا لأن فى هذا اعترافا صريحا بفساده، وقد لا يتمكن القضاء من إثبات التهمة عليه، وهذا ناهيك عن أن رئيس الجمهورية توعده حتى إن «تطهر» بالمساءلة القانونية، والصحيح أن تضع أجهزة الدولة أيديها على موطن الفساد وتثبته ثم تسترد بالقانون حق الشعب المسلوب. ثم تجلت مثالية رئيس الجمهورية مرة أخرى عندما دعا مهربى السلاح أو غيره إلى داخل الوطن، وأولئك الذين يغررون ببعض الشباب للعودة إلى «حضن الوطن»، إذ إن هؤلاء إما أن يكونوا أصحاب رؤى سياسية مغايرة فلا يرضون إلا بدخول الوطن تحت مظلتهم، وإما أن يكونوا تجارا مجرمين لا يمكن إثناؤهم عن الجشع بهذه العبارات الرقيقة.

 

اختلط حديث الرئيس عن الفساد بحديثه عن «الفلول»، وهو خلط مبرر، لأن من انغمس فى الفساد على نحو ما أوضح رئيس الجمهورية لابد وأن يكون من أنصار النظام السابق الذى سمح له بهذا، غير أن رئيس الجمهورية أسهب فى الحديث عن الفلول وكيف أنه يعرف تحركاتها وما تحاول القيام به إلى حد حديثه عن اثنين بعينهما من رجال «الحزب المجرم» فى أسيوط، كما أنه ألمح إلى وجود تسجيلات تدين هذه الفلول، وأكد أن «الإرادة الثورية» ما زالت موجودة وستبرز كلما لزم الأمر.

 

وأنه لن يتردد فى الدعوة لثورة ثانية يفضح فيها للشعب العابثين الذين أجرموا فى حق الثورة. وثمة وقفة واجبة أمام هذه المواقف كلها، فالحديث عن «الفلول» مبرر، والتحذير منها واجب، لكن من غير المفهوم أن يتوقف الأمر عند تهديدها، فلو كانت الدولة تمتلك الأدلة الكافية على نوايا هذه «الفلول» وتحركاتها بما فى ذلك «تسجيلات» تدينها موجودة فى حوزة الدولة، فإن الإجراء المطلوب هنا ليس «التهديد» وإنما المساءلة القانونية بما فى ذلك هذان «المجرمان» الموجودان فى أسيوط بالذات، وللمساءلة القانونية فوائد أخرى، إذ هى تنقذ الرئيس من حرج «التسجيلات» التى تحدث عنها، فإما أن تكون هذه التسجيلات بإذن من النيابة العامة، وهنا يجب أن تقدم كأساس لقضية تحاسب هذه «الفلول»، وإما أن تكون قد تمت بقرار منفرد من الرئاسة، وهذا منافٍ للقانون فضلا على أنه لا يليق بمقامها.

 

كذلك فإن حديث رئيس الجمهورية عن أن «الإرادة الثورية» ما زالت موجودة وستبرز كلما لزم الأمر لا معنى له، فالمفترض أن رئيس الجمهورية يمثل الآن هذه الإرادة، ومن ثم فإنها يجب أن تكون حاضرة دوما وليس أن تبرز «كلما لزم الأمر»، والأمر نفسه ينسحب على حديث رئيس الجمهورية عن أنه لن يتردد فى الدعوة إلى ثورة ثانية لفضح العابثين بمقدرات الوطن، فالثورات لا تقوم بدعوة من رؤساء الجمهوريات، ثم إن القوى الثورية على تنوعها تعرف هؤلاء العابثين وتلح على ضرورة الخلاص منهم فى دولة الثورة، ويرتبط بهذا ثالثا حديث رئيس الجمهورية المتكرر عن «حلم الحليم»، وتهديده خصوم الثورة بألا يغرَّنهم هذا الحلم، فلماذا يكون رئيس الجمهورية حليما مع الفاسدين والعابثين بمقدرات الوطن؟

 

من ناحية أخرى بدا حديث رئيس الجمهورية كغيره من أفراد النخبة الحاكمة الآن عن العدالة الاجتماعية مقلقا، إذ إنه ربط تحقيقها بالقضاء على الفساد، والحق أن هذا مفهوم غريب، ذلك أن هدف «العدالة الاجتماعية» يجب أن يكون متجذرا فى خطط الدولة المستقبلية ومنظومتها القانونية، فضلا على اتخاذ إجراءات بالغة الوضوح للتقليل من غيابها. صحيح أن الفساد يحرم الدولة من موارد يمكن أن تساعد فى التمكين للعدالة الاجتماعية، لكن هذه الموارد نهبت فى الحكم السابق، وقد لا تعود، والمفترض أننا نشق طريقنا الآن دون فساد.

 

●●●

 

وأخيرا تحدث رئيس الجمهورية عن أنه لن يسمح لأحد بأن «يثقب سفينة الوطن»، غير أن الحاصل أن هناك من أحدث منذ مدة وما زال ثقوبا عديدة فى هذه السفينة دون مساءلة على مرأى ومسمع من رئيس الجمهورية، ثقب سفينة الوطن من أوقف –بموافقة أجهزة الدولة- حفلا فنيا راقيا يهدف إلى تعزيز الوحدة الوطنية، وثقبها أولئك الذين يتحدون النظام العام ويحاولون فرض إرادتهم على الدولة بمحاصرتهم الفضائيات لمنع هذا البرنامج أو ذاك، وثقبها من ينظرون إلى أخوة الوطن من المسيحيين نظرة لا علاقة لها بالإسلام من قريب أو بعيد.

 

وثقبها من يكيل السباب لهم ولرموزهم الدينية العليا دون أن يكلف نفسه مشقة قراءة ما ورد بشأنهم وبشأن السيدة مريم وعيسى عليه السلام فى القرآن، وثقبها من أطلق الرصاص عليهم لترويعهم ومن حرق دور عبادتهم أو منع الصلاة فيها متجاهلا ميراث خليفة المسلمين العظيم عمر بن الخطاب، وثقبها من يروع المواطنين ويضربهم بل ويقتلهم أحيانا من باب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وثقبها كل من يحاول إرهاب القضاء كى يصدر الأحكام على هواه، وثقبها كل من اعتدى على خصومه السياسيين وأوقع فيهم من الإصابات ما أوقع، بل ثقبها أولئك المستشارون الذين لا ينظرون إلى صحيح القانون، فتوقع مشورتهم رئيس الجمهورية فى الحرج الشديد مرة بعد أخرى، فأين هذا كله من حديث الرئيس عن أنه لن يسمح بثقب سفينة الوطن وقد انتهى الأمر بهؤلاء جميعا دون مساءلة أو عقاب؟ إن الثقوب تكاد تغرق السفينة، فهل من مغيث؟

 

أحمد يوسف أحمد أستاذ العلوم السياسية بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وعميد معهد الدراسات العربية