تحقيق التوازن بين الأمن والحرية داخل الجامعات - العالم يفكر - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 12:12 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تحقيق التوازن بين الأمن والحرية داخل الجامعات

نشر فى : الإثنين 8 ديسمبر 2014 - 8:30 ص | آخر تحديث : الإثنين 8 ديسمبر 2014 - 2:39 م

أعد مجموعة من الباحثين دراسة مقارنة عن العلاقة بين الحفاظ على أمن الجامعات ودعم حق الطلاب فى حرية التعبير فى الدول التى تمر بمراحل انتقالية، تونس وجنوب أفريقيا والبرازيل. ننشر منها المقدمة والدروس المستفادة.

المقدمة

عندما اندلعت التظاهرات فى جنوب أفريقيا ضد التمييز العنصرى، زار رئيس إحدى الجامعات الطلاب فى السجون وأمسك بأيديهم فى المظاهرات فى محاولة منه لتخفيف وطأة العنف الذى مارسته الشرطة ضدهم. لكنه حرص أيضا على إبقاء الفصول الدراسية مفتوحة وعدم توقف الدراسة فيها. ولذلك وصفه الطلاب بأنه «رئيس على صفيح ساخن».

هذا الرئيس، والذى لا تزال صورته مرسومة على جدارية جامعة كيب تاون، يجسد القضايا الثلاث الأساسية المتعلقة بدراسة الحالات الواردة فى هذا التقرير حول الصراع بين الحرية الأكاديمية وأمن الجامعات فى تونس، والبرازيل، وجنوب أفريقيا.

تؤمن الجامعات فى المقام الأول بأهمية حرية التعبير بالنسبة لعملية التعليم، لذلك تعج الجامعات دوما بالشباب الذين يناقشون الأفكار الجديدة ويثورون ضد السلطات الحاكمة.

فى جنوب أفريقيا، أسس طالب الطب ستيفن بانتو بيكو حركة الوعى الأسود، والتى أصبحت قوة سياسية كبيرة شجعت كل من يعانون من التمييز العنصرى على التحرر السياسى والاجتماعى. ونتيجة لميل الجامعات لتشجيع الثورات، تحرص الحكومات القمعية بشدة على مراقبة المبانى الجامعية.

يحكى طالب تونسى عن التحقيقات الروتينية التى كان النظام الديكتاتورى القديم يجريها باستمرار. ويحكى مؤرخون من جنوب أفريقيا عن الأكاديميين المناضلين ممن استهدفتهم الاغتيالات، ويتذكر أستاذ جامعى برازيلى العصر الذى كان الطلاب فيه يتعرضون للتعذيب، وبل وأحيانا «للاختفاء».

عندما تطبق الديمقراطية فى أى دولة، يجب أن تتعامل السلطات الحكومية والتى كانت تراقب الجامعات سابقا مع الوضع الجديد.

بحيث يتوجب أن تغلق الأجهزة الأمنية التى كانت تتجسس على الطلاب وأعضاء هيئة التدريس لصالح أمن الدولة، وفى هذه الحالات يكون على إدارة الجامعة أن تتولى زمام الأمور الأمنية، وتأمن نفسها لمنع انتشار الجرائم وتعزيز الأمن والوقوف بحسم ضد كل ما يعرقل العملية التعليمية.

أثناء هذا التحول الديمقراطى، قد يصعب التفريق بين الجرائم والأنشطة السياسية. ففى عام ٢٠١١ فى جامعة ساو باولو فى البرازيل، استدعى الإداريون الشرطة إلى مبنى الجامعة بعد وفاة طالب فى محاولة واضحة للسطو. ولكن التواجد المستمر للشرطة فى المبانى الجامعية يزعج الطلاب، الذين يصفون ذلك «بالعنف الرمزى» ومحاولة لكبت المعارضة السياسية. فى جنوب أفريقيا، اضطر الإداريون فى الجامعات إلى الاستعانة بأفراد الأمن المدربين مع زيادة معدل الجرائم. ولكن مع ظهور الصراعات السياسية، يطرد أفراد الأمن حتى الطلاب الذين يتظاهرون بسبب قضايا مثل نقص الدعم المالى.

ويقول بعض الطلاب التونسيون إنهم قد يرحبون بأفراد الأمن المدربين بشكل جيد ويشعرون بضرورة التعاون معهم لحماية بعضهم البعض ضد القوى الخارجية التى تريد إثارة التوترات داخل الحرم الجامعى.

ومن هنا، يتضح أن مهمة الإداريين فى تحقيق التوازن بين أداء الجامعات لدورها والحفاظ على الحريات الأساسية ليست بالمهمة السهلة. ولكن يأمل مؤلفو التقرير أن المعلومات المفيدة عن بعض الأحداث الأخيرة الواردة فى هذا التقرير قد تساهم فى اتخاذ بعض القرارات السليمة. يلى دراسة الحالات موجز عن الدروس المستفادة التى تعلمها بعض الإداريين من هذه القرارات الصعبة.

الدروس المستفادة من هذه التجارب

إذا تعرض الأشخاص فى المبانى الجامعية أو الممتلكات للخطر وإذا اتجهت التظاهرات إلى العنف، قد تكون الاستعانة بقوات الأمن هى الخيار الوحيد لحل الأزمة. ولكن إذا كان التواجد الأمنى فى الجامعات مجرد حل قصير المدى، فإنه بلا شك سيزيد من عدم استقرار الجامعات على المدى الطويل.

ينظر الطلاب والأساتذة على حد سواء إلى تواجد الشرطة فى الجامعات نظرة سلبية. فقد كتبت سارة لينتش، المراسلة الصحفية التى زارت بعض الجامعات فى تونس «لا يُرحَب بتواجد قوات الشرطة داخل المبانى الجامعية بسبب افتقارها للتدريب المناسب وتاريخها المعروف باستخدام تدابير قمعية عنيفة للتعامل مع القضايا السياسية والأمنية». فى حين وصف المراسل الجنوب أفريقى هينك روسو التواجد الأمنى بأنه «مقياس للحرية الأكاديمية».

لكن وبصفة خاصة بعد التحولات الوطنية للديمقراطية، ينبغى أن تستعين الجامعات بقوات أمن خاصة فى أقرب وقت ممكن. ويجب أن تضطلع شرطة الجامعات بدور مختلف عن الشرطة الحكومية وتحصل على التدريب المناسب الذى يؤهلها للقيام بهذا الدور. بحيث يمكنها أن تحافظ على بيئة تشجع على الحوار وتثرى المناقشات، على الرغم من أن ذلك سيتطلب منهم الكثير من الصبر. كما يجب أن تدرب هذه القوات على تجنب استخدام العنف إلى أقصى درجة، ومنع الجرائم، ومساعدة الضحايا، والاستماع إلى الطلاب وأعضاء هيئة التدريس.

كما ينبغى أن يحيل أفراد الأمن فى الجامعات المخالفات البسيطة التى يرتكبها الطلاب إلى الجهات التأديبية فى الجامعة بدلا من تحويلها إلى المحاكمات الجنائية. ويجب أن يتبع الطلاب وأعضاء هيئة التدريس طريقة سهلة وفعالة للإبلاغ عن الجرائم، مثل الخطوط الساخنة؛ حيث يعتبر الاحساس بالأمان جزءا أساسيا من ضمان عدم لجوء المظاهرات إلى العنف المفرط.

وكما رأينا مؤخرا تصاعد حدة الاضطرابات فى مدينة فيرجسون بولاية ميزورى بعدما أطلقت الشرطة النار على رجل أعزل، فحتى اشتباه الشرطة فى أى شخص يجب أن يتبعه تحقيقا سريعا وعادلا يتسم بالشفافية والحيادية. ويُنتقد اتجاه الشرطة للسياسة العسكرية فى الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الأماكن، حيث يمكن أن يساهم ذلك فى تصاعد حدة الصراع وزيادة الخطر على العامة، بدلا من إحداث تغيير إيجابى يمكن أن يزيد من فرص عودة النظام والاستقرار.

فى واقع الأمر، حتى لو لم يكن فى الجامعات تواجد أمنى على الإطلاق، أثبتت الجامعات التونسية أن أعضاء المجتمع الجامعى يمكنهم أن يحافظوا على السلم. فكما كتبت سارة لينتش «إحساس الطلاب وأعضاء هيئة التدريس الجماعى بالمسئولية وإحساسهم بوحدة الهدف سيمكنهم كمجتمع أكاديمى من رصد المخاوف الأمنية داخليا وإعداد التقارير بشأنها ومعالجتها فى غياب التواجد الأمنى».

•••

يؤتى الاستثمار فى منع الجريمة ثماره من خلال خفض معدلات الجريمة وزيادة احترام الطلاب للمسئولين بالجامعة. وقد تشمل هذه الاستثمارات زيادة الإضاءة الليلية فى ممرات المشاة، ووجود دوريات أمنية فى ممرات المشاة داخل الجامعة أو تطوير نظم للحراسة؛ بحيث يمكن للطلاب طلب حراسة تصاحبهم ليلا للتنقل من مكان لآخر. ويعتبر الوصول إلى المواصلات العامة بأمان من الموضوعات الهامة أيضا بالنسبة للطلاب. وقد يحتاج المسئولون فى الجامعات أيضا إلى حظر دخول الغرباء إلى المبانى الجامعية، فقد تحاول بعض القبائل (كما فى الأردن على سبيل المثال)، والفصائل السياسية، وغيرها من المجموعات الخارجية اقتحام الجامعات لدعم فصيل من الطلاب ضد فصيل آخر عند نشوب أية نزاعات.

وفى نفس الوقت، تحتاج الجامعات إلى الاستثمار فى الحفاظ على الأمن فى المجتمعات المجاورة. كتبت ماريون لويد «لا يمكن للجامعات وخاصة الجامعة العامة الكبيرة أن تعيش بمنأى عما يحيط بها. فبدلا من بناء المزيد من الأسوار العالية ــ كما فعلت مؤخرا جامعة سان باولو لتفصل بين مبناها وأحد الأحياء الفقيرة حيث قتل أحد الطلاب ــ كان يجدر بهذه الجامعات أن تزيد من برامج التواصل مع المجتمع حتى تشعر المجتمعات المجاورة بالاستفادة من الجامعة وأمنها».

يساعد الاحساس بالأمان داخل الجامعة، بما فى ذلك خفض معدلات الجرائم، على تحجيم التظاهرات الطلابية العنيفة، كما أثبتت الأبحاث. فعلى الأرجح تزيد معدلات الجرائم فى الدول التى تمر بمراحل انتقالية، حيث يقل دور الدولة فى الحفاظ على الأمن، ويثير إحساس الطلاب بعدم الأمان داخل الجامعات من حدة التظاهرات كما حدث فى البرازيل وجنوب أفريقيا.

وينبغى على الإداريين فى الجامعات أن يرسخوا من علاقتهم بالمجتمع الجامعى، من خلال الاتصال بالقيادات الطلابية والشخصيات المعروفة من أعضاء هيئة التدريس والطلاب من مختلف الانتماءات السياسية وتأسيس قنوات أو منتديات منتظمة للاستماع لشكواهم ومخاوفهم. فلا يمكن للاستماع أن يدل على الضعف بل إنه دائما دليل على قوة الإدارة.

كما ينبغى أن يشارك الطلاب وأعضاء هيئة التدريس، كلما أمكن ذلك فى صناعة القرارات وعدم الاكتفاء بالتشاور معهم فحسب. ففى وقت الصراعات، سيدعم هؤلاء الطلاب وأعضاء هيئة التدريس الإدارة من خلال كونهم همزة وصل بين الطلاب والمسئولين لإيصال المعلومات بدقة وإضافة مصداقية لآراء الإدارة. ويحد التشاور مع الطلاب وأعضاء هيئة التدريس والقادة الأكاديميين ــ قبل اتخاذ أية اجراءات أمنية مثل استدعاء الشرطة - من احتمال تفاقم الأزمات.

•••

ويتضح لنا الآن مدى ارتباط الحفاظ على النظام داخل الجامعات مع احترام الحريات الأكاديمية بالكثير من العوامل الأخرى الضرورية لخلق بيئة ديمقراطية وصحية فكريا داخل الجامعات. ويمكن للمسئولين ممن يتمتعون بسعة صدر تسمح بتقبل مختلف المعتقدات الإيديولوجية والسياسية أن يخلقوا جوا متناغما من شأنه أن يحافظ على الأمن ويدعم الحرية الأكاديمية؛ حيث يحظى مسئولو الجامعات الذين ينجحون فى خلق إحساس بالترابط المجتمعى أو «الأسرى» داخل الجامعة بدعم الكثيرين عند نشوب أى نزاع أو صراع.

ويجب أن تكون التفاصيل المتعلقة بكيفية حفظ الأمن داخل الجامعات جزءا من أسئلة أكبر، مثل: كيف يرى المواطنون والحكومة الجامعات والأساتذة والطلاب؟ هل هم مصدر قلق أو تهديد أم مصدر للطاقة الفكرية فى المجتمع؟ ففى النهاية قد تكون الأفكار الراسخة لدى المجتمعات على نفس القدر من أهمية كنوع الزى الذى يرتديه أمن الجامعة.

للإطلاع على الدراسة كاملة يرجى زيارة الرابط التالي :

http://alexandriatrust.org/news/166-report-balancing-security-and-freedom-at-universities

التعليقات