حصاد القضايا والأزمات العربية في عام 2023 - رخا أحمد حسن - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 3:38 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حصاد القضايا والأزمات العربية في عام 2023

نشر فى : الثلاثاء 9 يناير 2024 - 7:55 م | آخر تحديث : الثلاثاء 9 يناير 2024 - 7:55 م

يعد عام 2023 سنة كبيسة، ليس فى عدد أيامها، وإنما فيما شهدته وتشهده الدول العربية من قضايا وأزمات وتطورات، معظمها استمرار لقضايا وأزمات متراكمة على مدى سنوات تمتد عقودا أو بضعة عقود، زادت حدة بعضها واشتدت تعقيدا، وبعضها اندلع واتسع خلال 2023 وامتد بأثقاله وتبعاته إلى العام الجديد 2024، وأصبح العالم العربى يموج بالحروب والأزمات والصراعات والخلافات مع غياب إرادة الأطراف الضالعة فيها لإنهائها أو التوصل إلى تسويات سياسية توافقية، والأسباب وراء ذلك إما لمصالح ذاتية أو لتدخل إقليمى ودولى جعل بعض هذه الأزمات رهن إرادة أطراف خارجية.
وصلت القضية الفلسطينية فى عام 2023 إلى درجة متباعدة فى سلم أولويات القضايا الإقليمية والدولية بعد نحو 75 سنة من النكبة عام 1948، وبعد 30 سنة من اتفاق أوسلو عام 1993 ومرورها بمفاوضات ومراوغات إسرائيلية بدعم أمريكى غربى، ومضى إسرائيل فى بناء المستوطنات فى الضفة الغربية المحتلة وتهويد القدس الشرقية، فى مواجهة انقسام فلسطينى داخل منظمة التحرير الفلسطينية، وانقسام بينها وكل من حماس وحركة الجهاد الإسلامى، وإعلان رئيس وزراء إسرائيل نتنياهو أن الأولوية للتطبيع مع الدول العربية وأن أقصى ما يمكن أن يحصل عليه الفلسطينيون حكم ذاتى فى ظل السيادة الإسرائيلية من البحر إلى النهر.
وقد جاءت عملية «طوفان الأقصى» الفلسطينية ضد إسرائيل مفاجئة لجميع الأطراف سواء فى توقيتها 7 أكتوبر 2023، يوم عيد الغفران عند اليهود، وهزت إسرائيل بقوة، عسكريا وأمنيا وسياسيا، وأدخلت الحكومة الإسرائيلية فى حالة ارتباك شديد هى وحلفاءها، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، وشنوا حربا همجية على قطاع غزة هدفها التدمير والقتل والتهجير القسرى لسكان القطاع، انتقاما لما حدث لإسرائيل من مهانة كبيرة على جميع المستويات. وارتفعت تضحيات الفلسطينيين فى غزة إلى أرقام مخيفة فى كل شىء خاصة البشر، مقابل إعادة القضية الفلسطينية إلى أولوية عالية فى الاهتمام العالمى والإقليمى على جميع المستويات، والتأكيد على أنه لا سلام ولا أمان لإسرائيل إلا بإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية.

• • •
أما تونس التى انطلقت فيها الثورات العربية ما بين ديسمبر 2010 ويناير 2011، فلا تزال تعيش تداعيات هذه الثورة فى سلسلة من المنازعات والمناكفات السياسية بين مختلف الأحزاب والكتل السياسية وبعضها البعض، وبينها وبين نظام الرئيس قيس سعيد والأحزاب والقوى المؤيدة لبرنامجه السياسى الذى يعلى السلطة التنفيذية وخاصة سلطة رئيس الجمهورية على السلطتين التشريعية والقضائية، مع احتدام مع الاتحاد العام للشغل (العمال). واستمرار الأزمة الاقتصادية الاجتماعية السياسية تحاصر المواطنين دون ظهور بوادر انفراجة سواء فى الأفق السياسى المحتقن، أو الأفق الاقتصادى الاجتماعى المختنق، مع تعثر المفاوضات مع صندوق النقد الدولى، وإقبال ضعيف من قبل الناخبين فى الانتخابات والاستفتاءات التى جرت بكل أنواعها، مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية فى هذا المناخ المحتقن.

• • •

وبالنظر للأزمة الليبية منذ فبراير 2011، فقد استهلكت ثمانية مبعوثين أمميين يمثلون الأمم المتحدة، بعضهم لم يصمد إلا قليلا وذهب دون أى إنجاز يذكر، واجتهد بعضهم الآخر وتوصل إلى اتفاق الصخيرات عام 2015 فأصابه الغضب ورحل، وبعضهم استطاع وضع برنامج عسكرى، اقتصادى، سياسى، من أجل التوصل إلى تسوية سياسية عرقلها هجوم الجيش الوطنى الليبى على طرابلس بقيادة حفتر وتدخلت تركيا بقواتها وميليشيات المرتزقة لصد الهجوم على طرابلس، وتدخل مصر لوقف القتال. واستقال المبعوث الأممى وأعقبه وضع برنامج سياسى نشأ بموجبه مجلس رئاسى، وحكومة وحدة وطنية لإجراء الانتخابات فى ديسمبر 2022، ولم تتحقق نتيجة المنازعات والمناكفات السياسية بين القيادات الليبية. ويحاول المبعوث الأممى التاسع إلى ليبيا عبدالله باتيلى أن يتوصل إلى صيغة لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية تؤدى إلى تسوية سياسية للأزمة الليبية واقترح مؤخرا تشكيل لجنة من الخمسة الكبار فى ليبيا وهم عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، ومحمد المنفى، رئيس المجلس الرئاسى، وعبدالحميد الدبيبة، رئيس حكومة الوحدة المؤقتة فى طرابلس، ومحمد تكالة، رئيس المجلس الأعلى للدولة، وخليفة حفتر، قائد الجيش الوطنى الليبى فى شرق ليبيا. واعترض عقيلة صالح على مشاركة الدبيبة الذى يعتبر أن حكومته منتهية الولاية، بينما يؤكد الدبيبة أن حكومته لن تسلم السلطة إلا لحكومة منتخبة. وهدف هذه اللجنة هو الإعداد لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التى يطالب بها الجميع ولكن يحول دون الاتفاق عليها وجود حكومتين وبرلمانين وجيشين وميليشيات ليبية وميليشيات أجنبية، مع غياب التوافق بين القيادات الليبية وكل منها مدعوم بقوى إقليمية ودولية. ولن تحل الأزمة الليبية إلا بتحييد كل هؤلاء القادة وتشكيل حكومة وجيش موحدين.
• • •

واستمرت الأزمة السورية تراوح مكانها بالنظام الحاكم المدعوم من إيران وروسيا، والمعارضة الخارجية والميليشيات التابعة لها داخل سوريا والمدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية وقوى إقليمية، مع وجود عسكرى لكل من إيران وروسيا بطلب رسمى من الحكومة السورية، ووجود عسكرى أمريكى وتركى وفرنسى بالقوة ودون إذن من الحكومة السورية. وقد عادت سوريا إلى جامعة الدول العربية والمشاركة فى القمم العربية، وحدوث انفراجة فى علاقاتها مع الدول العربية ولكن تباطأت هذه الدول فى إعادة سفرائها إلى دمشق إما لحسابات خاصةش غربية. ولا تزال الأزمة السورية تراوح مكانها، رغم مساع لتحقيق تقارب تركى سورى برعاية روسية، وتمسك كل من النظام والمعارضة بمواقفهم، واستمرار الاعتداءات الإسرائيلية المنتظمة سواء على القوات السورية أو على الميليشيات الموالية لإيران فى سوريا. وتواجه سوريا مشكلات اقتصادية واجتماعية حادة نتيجة طول فترة الأزمة منذ مارس 2011، وسيطرة القوات الأمريكية على منطقة سورية مهمة فى إنتاج البترول والغاز، والدعم الأمريكى للحزب الديمقراطى السورى (الكردى) والقوات السورية الديمقراطية (قسد) التى يقودها الحزب الديمقراطى السورى.

• • •

وقد شهدت الأزمة اليمنية انفراجة فى عام 2023 بالتوصل إلى اتفاق لوقف القتال فى 2022 بعد نحو ثمانية أعوام من الحرب، وتخفيف حدة التوتر مع السعودية، وإعراب المبعوث الأممى إلى اليمن جروندنبرج عن تفاؤله بقرب التوصل إلى اتفاق سياسى لتسوية الأزمة اليمنية، بالتعاون مع الأطراف الخليجية وإيران والقوى الدولية الأخرى. وقد كان للحرب على غزة تأثير غير مباشر على الأزمة اليمنية، حيث قرر الحوثيون فى صنعاء منع السفن المتجهة والقادمة من إسرائيل من المرور فى البحر الأحمر عبر باب المندب إلى أن توقف إسرائيل الحرب على غزة. لكن الولايات المتحدة الأمريكية انحازت لإسرائيل فى هذا الموقف ونادت بتشكيل تحالف دولى لمنع هجمات الحوثيين على السفن التجارية وتأمين مرورها فى البحر الأحمر، وذلك بدلا من أن تعمل على وقف الحرب الإسرائيلية على غزة. وهذا يؤثر سلبا على جهود تسوية الأزمة اليمنية إلى أن تنهى إسرائيل حربها على غزة.

• • •
اندلعت فى السودان فى إبريل 2023 حرب طاحنة بين الجيش السودانى وقوات الدعم السريع التى كانت تُعتبر جزءا مكملا للجيش للقيام بعمليات خاصة. وقد بذلت جهود مكثفة لوقف القتال والتوصل إلى تسوية سياسية من جانب دول الجوار للسودان، والاتحاد الإفريقى، والأمم المتحدة، والإيجاد، وعدة دول وأطراف أخرى بصورة ثنائية أو جماعية. ولم تنجح هذه الجهود حتى الآن لاعتقاد كل من الطرفين المتحاربين أنه قادر على تحقيق انتصار عسكرى على الطرف الآخر. والضحية شعب السودان الذى يعانى من النزوح والهجرة هربا من أماكن القتال خاصة الخرطوم، وأزمة اقتصادية اجتماعية حادة، وانقسام فى القوى السياسية المدنية السودانية، وانقسام بين دول جوار السودان والقوى الإقليمية بين مؤيد لطرف أو آخر. ولا حل إلا بالخروج الآمن لكل من قادة الجيش وقادة الدعم السريع وتسليم السلطة لحكومة مدنية تجرى انتخابات رئاسية وبرلمانية.

• • •

وما تزال العلاقات مقطوعة والحدود مغلقة بين الجزائر والمغرب، ولم تنجح كل جهود الوساطة بينهما لا قبل ولا بعد القمة العربية فى الجزائر 2022 والتى كان شعارها لم الشمل العربى، ولا فى القمة العربية فى السعودية 2023، وتقترب القمة العربية فى 2024، دون مؤشرات معلنة عن قرب تسوية الخلافات بين البلدين الشقيقين الذين تربط بينهما علاقات قوية اقتصاديا وثقافيا وسكانيا.

• • •

أما لبنان فلم يستطع الخروج من أزماته السياسية الداخلية وخلو منصب رئيس الجمهورية منذ نهاية أكتوبر 2022 رغم انعقاد العديد من جلسات البرلمان لاختيار رئيس جديد نتيجة عدم التوافق بين القوى السياسية وتمترس كل منها فى موقفه، مع استمرار حكومة تصريف أعمال تواجه أزمات اقتصادية ومالية وأمنية لتداعيات الحرب على غزة ومناوشات حزب الله مع إسرائيل فى جنوب لبنان.
وإذا كانت الدول العربية أعادت علاقاتها مع دول الجوار تركيا وإيران، وسعى بعضها للتطبيع مع إسرائيل، فالأحرى والبالغ الأهمية تسوية الخلافات فيما بينها والعمل على لم الشمل وتوحيد الصف والعمل الجاد والفعال لحل الأزمات العربية، والأنظار تتجه إلى القمة العربية القادمة لعلها تكون قمة لم الشمل والمصالحة العربية، ودعم العمل العربى المشترك فى مواجهة التحديات والمخاطر المتصاعدة.

رخا أحمد حسن عضو المجلس المصري للشئون الخارجية وعضو الجمعية المصرية للأمم المتحدة.
التعليقات