قانون «سيادة الإنترنت» والرقابة على وسائل التواصل الاجتماعى في روسيا - مواقع عربية - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 6:28 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قانون «سيادة الإنترنت» والرقابة على وسائل التواصل الاجتماعى في روسيا

نشر فى : الأحد 9 يونيو 2019 - 10:10 م | آخر تحديث : الأحد 9 يونيو 2019 - 10:10 م

نشر موقع درج مقالا للكاتب «محمد خلف» يتناول فيه التشريع الذى أصدرته روسيا أخيرا بعنوان «سيادة الإنترنت» لفرض الرقابة على مستخدمى وسائل التواصل الاجتماعى والجدل الدائر حول هذا القانون بين مؤيد ومعارض، ونعرض منه ما يلى:

الرئيس فلاديمير بوتين ضاق ذرعا بفضاء الإنترنت المفتوح ووسائل التواصل الاجتماعى، التى وجد فيها الروس متنفسهم لتوجيه الانتقادات اللاذعة له وللكرملين، وتنتشر عبارات السخرية للتعليق على خطاباته وتصريحاته. لذلك فقد قرر بوتين وضع يد الدولة على شبكة الإنترنت، من خلال تشريع قانون «سيادة الانترنت» فى روسيا، الذى وصفه المحلل السياسى الروسى تيمور دويدار بأنه «غامض». وقال إن «روسيا لا تستطيع قطع الإنترنت وإنشاء شبكة سيادية خاصة بها، لأنها ستنفصل عن العالم، فضلا عن أن وزنها على الإنترنت قليل، عكس الصين التى لديها شبكة خاصة».

الروس عموما لا يحبون أن يبدى أى أجنبى ــ بغض النظرعن كونه من أى بلد ــ أى ملاحظة انتقادية عن بلدهم، ويعتبرون ذلك إساءة إلى كرامتهم الوطنية وجهلا بتاريخ إمبراطوريتهم العريقة وثقافتها. وشهدت روسيا خروج عشرات آلاف الروس إلى الشوارع للتعبير عن احتجاجهم على تصريحات كان أطلقها مسئولون غربيون، أو لمقالة نشرتها صحيفة غربية عن الفساد الذى ينخر بالمؤسسات والسلطة والمجتمع فى روسيا، أو توجيه انتقادات إلى سياسات الكرملين الخارجية وانتهاكاته لحقوق الإنسان وحرية الصحافة..

الآن وبعد تنامى العولمة وتطور التقنيات وتكنولوجيا المعلومات ووسائل التواصل والاتصالات، نسى الروس حينما كانوا يكيلون الشتائم واللعنات للحزب الشيوعى الحاكم وأمينه العام وقادته العجزة، متجنبين الحديث فى السياسة ــ ولو بالهمس ــ مع زملائهم فى العمل أو الدراسة، لأن أى كلمة سخرية من الحزب وأمينه وقادته، تسوق قائلها إلى السجن بل وحتى الاختفاء الدائم، وفى بعض الأحيان السجن بتهمة «نشر الدعاية المضادة للدولة السوفيتية».

محتجون على احتكار بوتين للإنترنت
منذ سقوط الاتحاد السوفيتى فى أواخر ثمانينيات القرن الماضى تغيرت حياة الروس جذريا، ولم يعودوا بخاصة فى العقدين الأخيرين، فى حاجة إلى التخفى لشتم قادة الحزب الحاكم ومسئولى الدولة واللجوء إلى الفودكا الرخيصة لنسيان الهموم اليومية، فالإنترنت أصبح فضاء مفتوحا ومشاعا للجميع، للتعبير عن المواقف وسرد قصص المعاناة والهموم والمشكلات. كما أن وسائل التواصل الاجتماعى وفرت لهم منابر مجانية لصب جام غضبهم على السلطة وعلى بعضهم بعضا فى مناخ من العصبيات والغرائز المميتة والكراهية المتبادلة. واعتاد الروس فى العقود الثلاثة الأخيرة على استخدام «فيسبوك» للتعبير والمشاركة ونقد السلطة فيما بينهم. وفتحت شبكة التواصل الاجتماعى الروسية (VKontakte) أبوابها أمام انتقاداتهم للحكومة التى يقولون إنها لا تفى بوعودها. هذا المنبر أضحى الوحيد الذى بقى للمواطن الروسى للتعبير عن همومه، لأن سيد الكرملين يوقف أى ميديا أو موقع يفتح أبوابه لانتقاد الحكم، كما يفعل مع أى مسئول يشك فى إمكان أن يكون منافسا حقيقيا على المنصب فى المستقبل. ومن الأسرار الشائعة فى روسيا أن بوتين كمم أفواه منتقدى الكرملين فى القنوات التلفزيونية، التى كانت تسمح خلال فترة حكم بوريس يلتسن بتوجيه الانتقادات والسخرية من السلطة والمسئولين الكبار فى الدولة. أما الآن فالانتقادات الوحيدة التى سمح بوتين بترديدها فى بعض الحالات هى تلك التى توجه لحكومة ديمترى ميدفيديف والحكام البيروقراطيين والمسئولين الفاشلين فى الدولة، إذ يعاقب بأشد العقوبات كل من يتعرض لسمعة الرئيس القيصر وموقعه.

إلا أن الملاحقة الأمنية والعقاب القضائى، لم يمنعا الروس من التعبير عن سخطهم بحدود غير مألوفة حتى الآن، حيال الزعيم الأقوى فى روسيا والسياسات التى ينتهجها فى إطلاق يد الأوليجارشيا للعبث بمقدرات الدولة، وإغماض عينيه أمام الفساد المستشرى فى أروقة الحكم. ولهذا أوعز الرئيس إلى نواب حزبه «روسيا الموحدة» فى البرلمان (مجلس الدوما) فى فبراير الماضى بتمرير مشروع قانون يهدف إلى فصل البلاد عن شبكة الإنترنت العالمية بحجة تحصين البلاد من أى هجمات محتملة من الخارج. والمقصود بالطبع الولايات المتحدة، التى كما ورد فى حيثيات القانون: «بدأت تطبق بشكل متزايد استراتيجية أمنية عدوانية، تصاحبها اتهامات لروسيا بأنها واحدة من المصادر الرئيسية لهجمات القرصنة الإلكترونية».

إنترنت الكرملين
ألزم القانون شركات الاتصالات الروسية بتوفير قدرات تقنية تسمح بالتحكم فى حركة الإنترنت مركزيا، وإنشاء بديل لشبكة الإنترنت يلبى الاحتياجات الأمنية وأمن المعلومات، ويحصن المستخدمين والوزارات الحكومية من أضرار انقطاع الإنترنت لفترات طويلة.

وسوف يتعين على شركات الاتصالات الروسية العمل على إعادة توجيه جميع حركة الإنترنت الروسية إلى نقاط معتمدة، أو تدار من قبل شركة «روسكومنازور»، وهى هيئة مراقبة الاتصالات الروسية. وستفحص (روسكومنازور) حركة المرور لمنع المحتوى المحظور والتأكد من أن الزيارات بين المستخدمين الروس تبقى داخل البلاد، ولا يعاد توجيهها من دون سبب وجيه عبر الخوادم فى الخارج، حيث يمكن اعتراضها.

ويكشف معارضون روس أن خطط الكرملين للسيطرة على الإنترنت ليست جديدة، فهى تعمل على هذا المشروع منذ سنوات. فعام 2017 أعلنت الحكومة عزمها العمل لتوجيه 95 فى المائة من حركة الإنترنت محليا بحلول عام 2020. وبنت السلطات نسخة احتياطية محلية من نظام أسماء النطاقات «دى إن إس» (DNS) التى تم اختبارها لأول مرة عام 2014، ومرة أخرى عام 2018. وفيما عبرت شركات الانترنت الروسية الكبيرة مثل «ياندكس» و«مايل رو»، عن دعمها قانون «الإنترنت السياسى»، خرجت تظاهرات حاشدة فى العاصمة موسكو لدعم حرية الانترنت، واحتجاجا على قانون «سيادة الانترنت». وعلى الضد من رغبات غالبية المجتمع الروسى رأى مدير تطوير البنية التحتية لشبكة «ياندكس» اليكسى سوكولوف أن «هذه الخطوة المهمة تهدف إلى حماية الجانب الروسى من الشبكة العالمية فى الوقت المطلوب». وبرر وزير الاتصالات الروسى نيكولاى نيكيفوروف «أن روسيا تريد أن تستبق سيناريو قطع اتصالها بشبكة الانترنت بشكل مفاجئ». لكن نظرة سريعة لمضمون القانون تكشف بوضوح الأسباب الحقيقية التى وقفت وراء تشريعه وهى تتعارض تماما مع تلك التى وردت على لسان النواب والمسئولين الروس، لا سيما بنود العقوبات التى يفرضها القانون وتعادل قيمتها 4 آلاف يورو أو السجن لفترة 15 يوما، لكل من يتهم بالإساءة إلى سمعة الدولة الروسية ويهين مؤسساتها ورموزها، و1300 يورو لكل من يتهم بنشر أخبار كاذبة وقصص ومعلومات مفبركة. خرج بوتين ليقطع الطريق على من ينددون بالقانون ليعلن أنه يدعمه بشكل قاطع، موضحا أن روسيا لا تنفرد بتشريعه، فهو موجود فى جميع بلدان العالم من دون أن يحدد، ولو بعضها على سبيل الإقناع لا أكثر، ما دفع بعض المحللين إلى الاعتقاد بأنه ربما كان يقصد تركيا وحليفه الموقت فى سوريا رجب طيب أردوغان، الذى ومنذ وصوله إلى كرسى الرئاسة رفع شكاوى فى المحاكم ضد أكثر من 69 تركيا، بتهمة «إهانة الرئيس»، وذلك «لمجرد قيامهم بتوجيه انتقادات لسياساته فى الداخل والخارج».

عقوبات وملاحقات بوليسية
ومع أن بوتين كان قاطعا فى دعمه القانون، وما ورد فيه من عقوبات، إلا أن «مجلس الدفاع عن حقوق الإنسان»، التابع لمجلس الرئاسة الروسية، ووزارة العدل صرحا علانية ضده، ووجها انتقادات لاذعة إلى مجلس الدوما لتمريره من دون تعديلات جدية. ولعل أكثر ما يثير القلق أن تحت طائلة هذا القانون سيقع ليس المواطن الروسى العادى وحسب، إنما أيضا منظمات وجمعيات مختلفة التوجهات والأهداف. إضافة إلى أن مواقع على الانترنت ومؤسسات ميديا إلكترونية، من دون تراخيص أو امتيازات حكومية رسمية ستكون مهددة بالإغلاق.

وأفاد استطلاع آخر أن «أكثر من 50 فى المائة من الروس أعربوا عن استيائهم وغضبهم من السياسات التى ينتهجها الكرملين، وذكر معهد «ليفادا» المستقل لاستطلاعات الرأى» أن أكثر من خمس الروس يدعمون الاحتجاجات، وهى نسبة كبيرة جدا، فى الظروف التى تمر بها روسيا». ويؤكد المحلل الاقتصادى فى «إف بى كاى غرانت ثورنتون» إيغور نيكولاييف، أن «الوضع لم يكن أبدا صعبا كما الآن بالنسبة إلى السكان»، متابعا، «العبء الاقتصادى يثقل كاهل الناس يوما بعد يوم فى كل المجالات». ووفق مركز «ليفادا»، فإن 61 فى المائة من الروس حاليا «يشعرون بالعار من الفقر المزمن وعدم الأمان» فى بلدهم، مقابل 56 فى المائة عام 2015. وتجاوزت نسبة الروس المتشائمين من الوضع فى بلدهم 45 فى المائة، نسبة أولئك المتفائلين للمرة الأولى منذ أواخر عام 2013. ونقلت وكالة «فرانس برس» عن مدير مركز «ليفادا» أن «الاستياء وصل إلى الأقاليم التى عادة ما تكون أكثر تأييدا ووفاء للسلطة».

***
حتى قبل أن يدخل القانون التطبيق العملى، يواجه منتقدو بوتين والكرملين أوضاعا استثنائية، إذ تتخذ ضدهم عقوبات، وتمارس الأجهزة ملاحقات وقمعا وإرهابا فكريا. يشير تقرير حول حرية الإنترنت ــ أصدرته منظمة «أغورا» وهى إحدى منظمات المجتمع المدنى الروسى ــ إلى «زيادة خمسة أضعاف فى عدد القيود المفروضة على حرية الإنترنت فى روسيا منذ عام 2015». ورصدت مئات من أحداث وحالات تعرض خلالها مواطنون روس لمحاكمات بتهمة قيامهم بـ«التعبير عن آرائهم ووجهات نظرهم على الإنترنت، وصدرت بحق 18 منهم أحكام مختلفة بالسجن». وتحدث التقرير عن ارتفاع ملموس فى عدد الاعتداءات بالضرب المبرح لصحفيين لديهم مدونات، ولنشطاء على الانترنت، التى تجاوزت الـ90 حالة خلال السنوات الخمس المنصرمة». وكانت هذه المنظمة ضحية للرقابة الرسمية المشددة، لدرجة أنها أصبحت أول منظمة فى روسيا يتم غلقها بموجب بنود قانون العملاء الأجانب.

يشكل حجب المعلومات على الانترنت أداة مفضلة تستخدمها السلطة الحاكمة فى روسيا، لتضييق الحرية فى الانترنت. وأعربت «أغورا» عن ارتياحها لقيام النشطاء الرقميين بابتداع أساليب جديدة للالتفاف على الموانع والحواجز التى تضعها السلطة على الوصول للمعلومات فى الانترنت. وقالت إن «الهيئات المعنية سارعت إلى وضع استراتيجية جديدة لتقييد مستخدمى الانترنت والناشطين بملاحقتهم وممارسة ضغوط شديدة ومختلفة الأشكال عليهم لتقييد حرياتهم الشخصية». وكشفت أن «عقوبة السجن اخذت تفرض حتى على علامات الإعجاب وإعادة النشر أو المشارك» فى فيسبوك ووسائل التواصل الاجتماعى الأخرى».

النص الأصلى:

التعليقات