صحيفة الخليج ــ الإمارات: تأملات في اللّاعنف - صحافة عربية - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 8:35 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

صحيفة الخليج ــ الإمارات: تأملات في اللّاعنف

نشر فى : الخميس 9 يونيو 2022 - 7:35 م | آخر تحديث : الخميس 9 يونيو 2022 - 7:35 م
نشرت صحيفة الخليج الإماراتية مقالا للكاتب عبدالحسين شعبان بتاريخ 8 يونيو تناول فيه تأثير فلسفة اللاعنف على الدول واستقرارها، مستشهدا بثورات الربيع العربى.. نعرض من ما يلى.
«يحمل العصفور الأزرق السماء على ظهره»، هذا ما كتبه أحد أهم فلاسفة اللّاعنف الأمريكيين هنرى ديفيد ثورو، فى لحظة عزلة وتأمّل فى معنى الحياة وفلسفتها وفى الدعوة إلى القطيعة مع العنف، وهى قطيعة مكلفة لأنها تخالف السائد والشائع والغالب التاريخى والفعلى، ولكن كيف يمكن تحقيق ذلك؟ وأيّة قوّة قادرة على مثل هذا الاختيار؟
«خطوة واحدة لن تعبّد طريقا على الأرض، كما أن فكرة واحدة لن تغيّر شيئا فى العقل، تتابع الخطوات ستعبّد الطريق، كما أن الكثير من التفكير سيصنع المستحيل الذى يغيّر حياتنا»، وهو خلاصة ما توصّل إليه ثورو من تجربة حرب الاستقلال الأمريكية، بل أحد دروسها المهمة، حيث ازدهر يومها الأدب الأمريكى متخذا قيما جديدة تقوم على الاعتماد على الذات واحترام الطبيعة ومقاومة الاسترقاق، فضلا عن التحلّى بحس الفكاهة التى ألهمت الكثير من المثقفين.
واعتبر الروائى والدو إمرسون أن الوصول إلى حالة روحية سامية هو الذى يمنح الإنسان مثل هذه القوة، وقد نشر كتابا فى العام 1863 بهذا الخصوص مستقطبا عددا من الكتّاب حوله لتشكيل ما أطلق عليه «الحركة المتعالية» التى وصل تأثيرها إلى بعض العامة من الناس، وأشار إمرسون إلى أن بصيرة الإنسان وحواسه تسمو على المعرفة التى تأتى عن طريق المنطق والاستنتاجات، وبالتالى فهى الأهم والتى يمكن أن تُستكمل بالمعلومات والمعارف والعلوم.
ومن بين الذين تأثروا بالحركة المتعالية ثورو؛ فانخرط فيها وحاول اتخاذ العزلة سبيلا لتطبيقها، وقد دوّن تجربته فى كتابه «والدن»؛ حيث عاش فى كوخ على الشاطئ الشمالى لبحيرة والدن محاولا إدماج اللّاعنف بالطبيعة والعكس أيضا، كان ذلك فى إطار الإيمان بأن الله موجود فى كلّ شىء فى الإنسان والطبيعة، وهو الأمر الذى مثّله أصحاب الفلسفة المتعالية الذين انقسموا إلى قسمين:
الأول، اهتمّ بالإصلاحات الاجتماعية. أما الثانى، فاهتم بالفرد ويعتبر كتاب ثورو «العصيان المدنى» الصادر فى 1849 تجسيدا للتحوّل فى داخل الإنسان واستعداده للمقاومة اللّاعنفية. وتقوم فكرة العصيان المدنى على المقاومة السلبية، خصوصا رفض تطبيق القوانين غير العادلة، أى الاحتجاج على الظلم بالامتناع عن تطبيق القانون، ومن خلال التحوّل الفردانى يمكن قيادة تحوّل مجتمعى للتغيير بالسلم وليس بالعنف.
واعتمد الفيلسوف اللّاعنفى جان مارى مولر هذا المنهج برفضه الانخراط فى الجيش الفرنسى لمحاربة الشعب الجزائرى العام 1960، وسُجن على أثر ذلك ليكرّس حياته منذ ذلك التاريخ وحتى وفاته العام 2021 لفلسفة اللّاعنف.
جدير بالذكر أن ثورو يُعتبر من أوائل الفلاسفة اللّاعنفيين الذين تأثّر بهم الروائى الروسى الشهير تولستوى والمهاتما غاندى قائد المقاومة اللّاعنفية فى الهند ومارتن لوثر كينج زعيم حركة الحقوق المدنية الأمريكية.
والحديث عن العنف واللّاعنف ذو شجون، فقد شهدنا فى فترة ما أطلق عليه «الربيع العربى» تنازع وسيلتين، تراوحت بين العنف واللّاعنف؛ ففى حين اتخذت تونس ومصر طريق اللّاعنف سارت بلدان أخرى فى طريق العنف والعنف المضاد مخلّفة فوضى وخرابا ودمارا، مع ملاحظة أن البلدان التى انتقلت من طور إلى طور باللّاعنف ظلّت متماسكة على الرغم من التحديات التى واجهتها، وستكون التغييرات أكثر سلاسة وأمنا لمن يلتجئ إلى اللّاعنف حتى وإن كان قادرا على استخدام العنف على الرغم من طول الطريق وتعقيداته.
وقد تعمّق هذا التوجّه فى عشرينيات وثلاثينيات القرن التاسع عشر عندما ارتفعت وتيرة المطالبة بإلغاء الاسترقاق، وذلك بعد أن ألغى باى تونس المشير أحمد باشا الرق فى 23 يناير1846، وهى أول دولة فى العالم تلغى الرق، وبعدها بنحو عقدين ألغت الولايات المتحدة الرق فى 1865، علما بأن الذين تبنّوا فكرة إلغاء الرق كانوا يؤمنون بالطريق اللّاعنفى لاعتبارات دينية، ومن وجهات نظرهم أنه لا يجوز مطلقا لأى إنسان أن يمارس سلطة على إنسان آخر، وطريق العنف هو طريق السلطة، لذلك إنقاد هؤلاء إلى نبذ العنف لأنهم ضدّ السلطة.
اللّاعنف مفهوم جديد لأنه يدخل قطيعة أبستمولوجيّة بينه وبين ثقافة العنف الموروثة من التقاليد والعادات بفعل تواتر الاستعمال، حيث تزداد القطيعة صعوبة حين تتعلّق بالدين أو الأيديولوجيا، فما بالك حين تكون المفاهيم والتعاليم والممارسات مصحوبة بالعنف، الأمر الذى يعنى أن القطيعة حفر فى العمق وليست نقرا فى السطح، لأن اللّاعنف ليس أيديولوجيا وليس عقيدة وإنما هو حكمة، أى فلسفة والفلسفة تعنى «حب الحكمة» و«الحكمة حقيقة» و«الحقيقة حياة».
التعليقات