يستحقون السد ويستحقهم - أميمة كمال - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 4:48 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

يستحقون السد ويستحقهم

نشر فى : الأحد 10 يناير 2010 - 10:08 ص | آخر تحديث : الأحد 10 يناير 2010 - 10:08 ص

 الحقيقة أنه لولا رضا السيدة والدة الأخ «أدريان دانينوس» المهندس الزراعى اليونانى الأصل المتمصر، ودعواتها لابنها بأن يفتحها الله فى وشه، لما كان قد تفتق ذهنه فى أن يعيد طرح فكرته لبناء سد لتخزين المياه بعيد المدى على رجال الثورة فى أوائل الخمسينيات. والذين تلقفونه ووافقوا عليه.

فالسيد أدريان كان قد سبق له أن طرح مشروعه فى الأربعينيات ببناء سد عند أسوان كبديل لفكرة التخزين الموسمى أمام سد أسوان القديم إلا أن مشروعه قد قوبل بالرفض.

ربما رضا الأم ودعواتها كان سببا فى شيوع وتمجيد اسم ابنها المهندس دانينوس باعتباره صاحب فكرة مشروع اقتصادى ناجح. ولكن أن يتحول مشروع السد العالى إلى نموذج سيظل العالم يتذكره دوما كلما أراد أن يدلل على ماذا يمكن لإرادات الناس أن تفعل، فهذا كان أبعد كثيرا من دعوات الأم، فهى رغبات أمه.

ولكن كيف كنا سنبى السد إذا كانت الأمة قد رغبت الآن فى بنائه؟ سؤال طرحته على نفسى وأنا أقلب فى أوراق مبعثرة وكتيبات قديمة وصور ومجلات تحكى عن السد العالى فى محاولة للتذكر.

السؤال جعلنى أحمد ربنا كثيرا أن الأمة رغبت فى الموعد المناسب وإلا كنا شفنا العجب.

الأوراق تقول إن كميات المواد المستعملة فى بناء السد من خرسانات ورمال وطمى وركام صخرى تبلغ 43 مليون متر مكعب وهو ما يكفى لبناء 17 هرما فى حجم الهرم الأكبر. أما بيت القصيد فهو أن كميات الحديد التى احتاجها المشروع للإنشاءات الدائمة 100 ألف طن وهو مايوازى 25 مرة وزن الحديد المستعمل فى إنشاء برج إيفل.

يا الله من لعله كان صاحب الحظوة فى أن يورد هذا الكم من الحديد، ومن سيفوز بالنصيب الأكبر من محاجر الجرانيت المتوافرة على جانبى موقع السد والتى سيتم منها استخراج الركام الصخرى؟ يبدو أن السد كان سيفتح الرزق على رجال أعمال كثيرين.

والفرصة ستكون سانحة لكبار المستوردين لأن المشروع يقتضى استيراد 500 ألف طن من المعدات تحتاج بالضروة إلى عدد لا بأس به من السفن بما يفتح المجال واسعا أمام شركات مصرية وأجنبية للاسترزاق.

وكانت هناك فرصة واسعة أمام أعضاء مجلسى الشعب والشورى فى تعيين نسبة لا يستهان بها من أهالى دوائرهم فى مشروع السد لأنه كان يحتاج إلى 34 ألف مهندس وعامل ليس من بينهم أجانب سوى 1500 خبير روسى فقط. وأيضا كان سيحتاج إلى مكاتب استشارية أجنبية يقتضى الموافقة عليها وجود شريك مصرى من أصحاب الكلمة النافذة فى الحكم.

وإذا كان السد قد خطط له أن يزيد من الأرض الزراعية بنحو مليونين من الأفدنة فهذا يقتضى أن توزع هذه الأراضى على أصحاب الشركات الكبيرة التى تستطيع القيام بهذا العبء. ومن الأفضل فى هذه الحالة أن يكون بنظام التمليك وليس حق الانتفاع وربما يحتاج الأمر إلى شركات أجنبية تشارك فى الملكية لزوم الخبرات فى هذا المجال. ولا بأس أن توزع على أهل الثقة فهم أولى.

وبالطبع إنشاء طرق للسد العالى كانت ستتم بنظام (bot) وكانت الشركة المنفذة لها ستقوم بتركيب بوابات رسوم أمام مدخل السد ليدفع كل عامل رسوما لزوم المحافظة على نظافة الطريق.

أما بالنسبة لتوفير الحياة الاجتماعية فكانت الفرصة لا تعوض أمام رجال أعمالنا، فبدلا من أن كانت هيئة السد تقوم بتوفير المساكن المكيفة وتبنى المطاعم بهذه المناطق التى تقدم وجبات مدعمة للعاملين بالسد. كما توفر لهم صالات سينما مجانا، وحمامات سباحة ومكتبات ثقافية لهم ولذويهم. كان رجال الأعمال سوف يختصرون على هيئة السد الجهد ويقيمون للعمال كمبوندات يتلاءم كل منها مع ظروف كل واحد منهم، وملاعب للجولف ربما تكون مغطاة، خوفا على رءوس العمال من الشمس، وتليفريك يذهبون به سريعا لموقع المشروع.

أما العلاج فحدث ولا حرج لأن المستشفيات الخاصة كانت ستقدم لهم كل ما لذ وطاب من طيب الإقامة بدلا من المستشفيات العامة التى كانت هيئة السد قد اتفقت معها على علاج العاملين وأسرهم فيها بالمجان.

أما الاتصالات فكانت فاتحة خير بكل معانى الكلمة لأن شركات المحمول ستجد مجالا خصبا لتوسيع نشاطها سواء بالنسبة لنظام الكارت المدفوع أو البيزينس، بدلا من نظام هيئة السد الذى عفا عليه الزمن، حيث كان يتيح لكل العاملين بالمشروع الاتصال بالتليفون المباشر لكل أنحاء الجمهورية بالمجان.

الحمد لله أن السد كتب له أن يفتتح فى زمن يستحقه، وبأيدى أناس يستحقهم.

أميمة كمال كاتبة صحفية
التعليقات