سنة ثانية انفتاح - محمد محمود الإمام - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 2:08 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سنة ثانية انفتاح

نشر فى : الأربعاء 10 فبراير 2010 - 10:27 ص | آخر تحديث : الأربعاء 10 فبراير 2010 - 10:27 ص

 يبدو أن أعضاء المجموعة الاقتصادية يتبادلون الإعجاب مع العالم الخارجي أكثر من تعاطفهم مع أبناء هذا الشعب، وإن بدوا متفانين فى أداء مهامهم للحد الذي يدعو إلى الإشفاق. فالسيد وزير المالية يتفنن فى العكننة على عباد الله، ويناطح نواب الشعب، أقصد مجلس الشعب، ويفضل الضرائب غير المباشرة التى تصيب الصغير قبل الكبير، عن الضرائب المباشرة لاسيما إذا كانت تصاعدية، حرصا على أحاسيس كبار رجال المال والأعمال.

ولعل هذا ما أعجب المؤسسات الدولية سيئة السمعة، فأسبغت عليه رئاسة لجنة دولية أملا فى أن يضمن لها انصياع الدول المارقة اقتصاديا لأجنداتها الكارثية. وهى مهمة كانت تقتضى التفرغ، ولكننا حرمنا من هذه اللازمة بدعوى أنها مهمة تقتضى شغله منصب الوزارة، وهو أمر يمكن التغلب عليه بأن يصبح وزيرا بلا وزارة. ومع ذلك فإن هذا لا يكفل حل المشكلة فى ظل بقاء الحزن الوطني متربعا على أنفاس الشعب الذى اختلس لحظات سعادة مع المنتخب الوطنى إلى أن كتمها عمرو دياب على أرض الإستاد.

ورغم أن السيد وزير الاستثمار يشاركه فى الخلفية الأكاديمية التى تحمد له رغم قصر أجلها، إلا أنه وجد سبيله مباشرة إلى الخارج، فى سفرات يعلم الله عددها حتى الآن، استنفد فيها طاقته الشبابية فى رحلات نلهث وراءه فى متابعتها.
فالاستثمار لا يحلو عنده إلا إذا كان أجنبيا، والسعى وراءه يكون بجهده الشخصى وليس من خلال مؤسسات يفترض أن لها مهام محددة، وأنها باقية جاء وزير أو ذهب.

ولعل هذا يرجع إلى أننا عشنا أربعة عقود كاملة بلا مؤسسات منذ أطلق السادات مصطلح دولة المؤسسات، واختزلها فى مؤسسة الرئاسة، وهو ما دعا من يرأسها للتمسك بها حرصا على بقاء الدولة. والمشكلة فيمن يستقدم مالا من خارج الاقتصاد يروج له بما يسهم به من مشروعات، ولا يذكر شيئا عما تحتاجه فئات عريضة ومناطق ممتدة من برامج تنهض بقدرات الشباب وتسد رمق الفقراء إلى أن تزيح عنهم هم الفقر، غالبا ما يكون قد اختفى من على المسرح حين يحين وقت السداد.

أذكر أنه حين كانت الموارد شحيحة فى النصف الثانى من السبعينيات أنى اختلفت مع رئيس المجموعة الاقتصادية على موارد تغطى العجز القائم خلال الخطة التى تنتهى فى أوائل الثمانينيات، وسألته عن عبئها عقبها، فأشاح بيده. وكان ردى أننا، هو وأنا، قد لا نكون موجودين آنذاك، ولكن الشعب سيظل موجودا يستمطر علينا اللعنات. وأكرر ما سبق أن دعوت إليه من التدقيق فى التعامل مع رأس المال الأجنبى فى إطار بعيد المدى.

ومع ذلك فإن هذا الأمر يهون إن اقتصر على جلب رأس المال وتحكم أصحابه فى أنشطة اقتصادية، لاسيما إذا قامت الأجهزة الوطنية، عامة وخاصة، بالسيطرة على الأمور. أما أن يتجاوز الأمر ذلك إلى التغزل فى كل ما هو أجنبى حتى البشر، فإن الأمر يحتاج إلى وقفة.

ففى ملحق «المصرى اليوم» الخاص بالإسكندرية الصادر فى الثانى من هذا الشهر، نشر حوار أجراه رئيس التحرير مع السيد وزير التجارة والصناعة، تحت عنوان («رشيد »: ثورة يوليو جرفت «الثغر».. والتأميم طرد الكفاءات وأغلق البورصة).

وفى اليوم التالى نشرت الجريدة اليومية مقتطفات من ذلك الحديث تحت عنوان (رشيد محمد رشيد: أطالب بفتح باب الهجرة إلى مصر). وصدّرت ما ورد فيه بالعبارة التالية:

«اتهم المهندس رشيد محمد رشيد، وزير التجارة والصناعة، ثورة يوليو بتجريف الثراء والتنوع والازدهار الفكرى والثقافى والفنى والصناعى والتجارى الذى كانت تنعم به الإسكندرية، وقال إن التأميم تسبب فى إغلاق الشركات وبورصة الإسكندرية وطرد الكفاءات والعناصر الجيدة التى كانت تنتمى إلى الجاليات والجنسيات الأخرى، «بما أثر بالسلب على الإسكندرية».

وواضح أن هذا التلخيص يعكس الانطباع الذي خرج به السيد رئيس التحرير من الحوار، لأنه ورد فى النص الأصلي بصيغة سؤال طرحه بعد أن أشاد السيد رشيد بإسكندرية الخمسينيات والستينيات كمثال للمجتمع المتنوع، حيث «كان كل سكان حى الإبراهيمية يونانيين وكان معظم أهل إسكندرية يتكلمون أكثر من لغتين أو 3 لغات، لكن كل هذا اختفى بعد ‏خروج الجاليات، ولا أريد أن‎ ‎أصفهم بالجاليات، لأنهم كانوا «أهلا ‏وجزءا من الوطن»»..ونِعمَ الأهل!! ثم مضى يؤكد على أهمية التنوع البشرى، وكأن أى دولة يجب أن تتحول إلى عصبة أمم. فجاء نص السؤال كالآتى:

«هل تريد أن تقول إن ثورة يوليو 1952 جرفت هذه التيارات خارج ‏البلاد ولم تميز بين المواطن الأجنبى الذى توطن وبين المستعمر؟‏‎»

وأجاب رشيد أن المفروض أن تستقطب مصر جميع العقول، وأكد أن «هذا المبدأ هو ما قامت عليه‎ ‎أمريكا، وسنغافورة التى تسمح بهجرة أكثر من 25 ‏ألف شخص سنويا لتحقيق‎ ‎التنوع، وهذا ما كان يحدث فى مصر سابقا، ‏فهذا التنوع الفكرى خلق الفن‎ ‎والانتعاش فى السينما، والبورصة ‏والصناعة والتجارة، وغيرها من مجالات‎ ‎الحياة، ولكن الثورة جاءت ‏وجرفت كل ذلك‎».

أترك للقارئ أن يستنتج من هذا الرأى ما يشاء، ولكن ليسمح لى أنه «رأى غير رشيد». فمن الناحية التاريخية، التى عشت طرفا منها فى شبابى، كانت تلك الجاليات من الذين ضاقت بهم السبل، فوفر لهم المستعمر امتيازات أنهيت فى 1937، وتحولت دار القضاء المختلط إلى دار للقضاء العالى.

وحينما مررت بميناء بيريه اليونانى أثناء رحلتى فى 1951 إلى إنجلترا رحب بى أصحاب المقاهى والمطاعم بالمصرية، وكانوا قد ادخروا جانبا من أجورهم فى مصر ما أقاموا به محالهم. حتى المومسات كن يناديننا بلغتنا ونحن نتجول فى المدينة. وما زلت أذكر ينّى صاحب الفرن الأفرنجى، وكوستا الذى كان يقدم الخمور فى إحدى مدن وجه بحرى، وأمثالهما الكثير.

أما الاستشهاد بدولة كبرى ــ أمريكا ــ وأخرى صغرى ــ سنغافورة ــ فهو استشهاد فى غير محله. فالولايات المتحدة، بالإضافة إلى مواردها الوفيرة، تقع على رأس الدول المستنزفة للعقول، بما فيها المصرية، لأنها توفر لها بنية أساسية رفيعة واقتصادا متطورا ومجتمعا متحضرا، يغرى بالهجرة إليها. أما سنغافورة فهى دولة جزيرية مساحتها 700 كم مربع وسكانها خمسة ملايين. وبعد أن شاركت فى إقامة رابطة الآسيان فى 1967، عزفت عنها لتركيزها على الوكالات الأجنبية واتفاقيات الاستثمار، لأن صغر حجمها لم يكن يسمح لها بإقامة اقتصاد قائم بذاته.

وهى الآن تجد فى الخدمات المتطورة منفذا يوفر لها موقعا على الخريطة العالمية. كان الأجدر به أن يستشهد بماليزيا وما فعله فيها مهاتير محمد. وكان عليه أن يستمد دروسا من دويلات عربية، انفتحت على العالم وفتحت أبواب الهجرة فأصبح مواطنوها أقلية فى بلادهم مطالَبين بحقوق سياسية لجاليات وافدة. وليس من دواعى الحسرة أن باركليز وغيره من البنوك الأجنبية عاد إلى القاهرة دون الإسكندرية.. إن ظاهرة البنوك الأجنبية فى بلد يقوم على النشاط الخاص بحاجة إلى نظرة فاحصة لا يتسع المجال لتناولها.

أخيرا، طالما يتهم سيادته الثورة بتراجع الاقتصاد، فعليه أن يطالب النظام الذى هو من أعمدته بالإعلان صراحة بأنه لا يستمد شرعيته منها، وتحديد مصدر شرعيته، خاصة إذا عرضت عليه بناء على اقتراح الأستاذ هيكل رئاسة الوزارة.

محمد محمود الإمام وزير التخطيط الأسبق
التعليقات