العبث بمستقبل الوطن - أحمد يوسف أحمد - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 1:49 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

العبث بمستقبل الوطن

نشر فى : الخميس 10 مايو 2012 - 10:25 ص | آخر تحديث : الخميس 10 مايو 2012 - 10:25 ص

روعت مصر مجددا بأحداث «العباسية» تماما كما روعت من قبل فى أحداث «ماسبيرو» و«محمد محمود» ومجلس الوزراء وبورسعيد، وكالعادة انتظرت الأحزاب والقوى السياسية ــ ومعظمها غير قادر على التأثير فى الشارع المصرى ــ حتى انتهت الأحداث كى تنهال بالنقد على «شيطان الثورة» أى المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى تنسب له جميع الأخطاء والعثرات بحق أو بدون حق، ويقينى أن بعض الإدانات التى وقعت على رأس المجلس هو من قبيل المزايدة السياسية من قبل تلك الأحزاب والقوى السياسية غير الفاعلة تبغى من ورائها كسب أرضية فى الشارع السياسى بغض النظر عن الحاجة إلى وقفة موضوعية أمام ما جرى.

 

***

 

كانت الإدانة إذن من نصيب المجلس الأعلى للقوات المسلحة وحده، ومسئوليته لا تخفى على أحد عن كثير من الأخطاء الاستراتيجية والتكتيكية التى وقعت إبان المرحلة الانتقالية، لكن أحدا لم يجشم نفسه ــ من قبيل الحرص على مصلحة الوطن ــ مشقة البحث عن أطراف أخرى مسئولة على نحو أساسى عما وقع. لم يتحدث أحد فى سياق إدانة أحداث «العباسية» عن مسئولية الذين بادروا بالتظاهر والاعتصام وسخافة مطلبهم الخاص بضرورة استمرار مرشحهم للرئاسة على الرغم مما ثبت من تزوير فيما قدمه من أوراق ومن تحريض ــ نفاه لاحقا بعد أن «خربت مالطة» ــ على التظاهر والاعتصام، وكان المفروض أن يكون هناك تحقيق قضائى فيما هو منسوب لهذا المرشح السابق قد يؤدى إلى إدانته. كذلك لم يتحدث أحد عن مسئولية «شيوخ الفتنة» الذى صالوا وجالوا فى الفضائيات يحرضون «الثوار» صراحة على التقدم صوب وزارة الدفاع واقتحامها، وكأن هذه الوزارة بمثابة الكعبة التى تمتلئ بالأصنام قبل دخول الرسول عليه الصلاة والسلام مكة منتصرا، وليست الوزارة المسئولة عن أمن مصر القومى الذى يجب أن يبقى خطا أحمر. كذلك لم يتحدث أحد عن الذين خرجوا من السجون بعفو صحى من المجلس الأعلى للقوات المسلحة لينتقلوا منها إلى مواقع الأحداث ومنها «العباسية»، حيث يقودون العناصر الملثمة التى ترفع الرايات السوداء فى دلالة لا تخطئها العين ولا يستطيع العقل أن يمر عليها مرور الكرام، وأخيرا لم يتحدث أحد عن شائعة إطلاق نار من قبل بعض المعتصمين خاصة على ضوء اللقطات التى صورها الجيش وتظهر أسلحة تخرج من فتحات مئذنة مسجد النور، وهى أمور خطيرة تستدعى تحقيقا سريعا تمهيدا لتقديم المدانين فى هذا الصدد إلى المحاكمة.

 

لم يتحدث أحد كذلك عن مطالب المتظاهرين والمعتصمين، وبغض النظر عن المطلب السخيف من قبل أنصار «أبوإسماعيل» بدا معظم المطالب شديد الغرابة، فالحديث عن التسليم الفورى للسلطة من قبل «العسكر» أقرب إلى الهزل منه إلى الجد، لأن إجراءات «التسليم الفورى» للسلطة قد تستغرق مدة أطول من تلك المتبقية على تسليمها بموجب «خارطة الطريق» التى وضعها المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ولن يكون من شأن الاستجابة لهذا المطلب سوى مزيد من الإرباك الذى تمر به مصر الآن مع قرب انتهاء المرحلة الانتقالية. والاحتجاج فى رفع هذا المطلب بأن المجلس الأعلى للقوات المسلحة لن يسلم السلطة فى موعدها مردود عليه بأنه سبق أن أوفى بوعده بالنسبة لتسليم السلطة التشريعية إلى مجلس الشعب المنتخب، أما الطلب الخاص برفض إجراء الانتخابات الرئاسية ووضع الدستور فى ظل «حكم العسكر»، فهو مطلب من شأن الاستجابة إليه أن تعقد كثيرا تسليم السلطة للمدنيين نهاية يونيو القادم، وكذلك أن تزيد من بطء خطوات وضع الدستور. أما مطلب إلغاء المادة 28 من الإعلان الدستورى فهو الوحيد الذى يحتاج اهتماما واسعا ودراسة متعمقة، لكن إلغاء المادة 28 الآن سوف يسبب هو الآخر إرباكا شديدا لعملية انتخاب الرئيس، والسؤال هنا كيف ولماذا رضى «الثوريون» بالمادة 28 أو سكتوا عنها منذ أكثر من عام عندما ظهرت للمرة الأولى فى الإعلان الدستورى ثم ها هم يلحون الآن على إلغائها أو تعديلها؟ والواقع أنه بافتراض أن كل هواجس الثوار تجاه المجلس الأعلى للقوات المسلحة صحيحة فإن دور «المليونيات» يظهر هنا، بمعنى أن قوى الثورة تستطيع فى حالة حدوث انحراف من المجلس عن خارطة الطريق والمواعيد المنصوص عليها لتسليم السلطة أو فى حالة وجود أدنى شبهة تزوير فى الانتخابات الرئاسية أو تدخل فى صياغة الدستور أن تلجأ ــ أى قوى الثورة ــ إلى سلاح «المليونيات» القادر على فرض ما تريده هذه القوى على المجلس العسكرى. أما أن تأتى المظاهرات و«المليونيات» والاعتصام كإجراء «احترازى» سابق على أى تصرف غير سليم من المجلس الأعلى للقوات المسلحة فهذا فى رأيى يدخل فى باب «لزوم ما لا يلزم».

 

لكن لأحداث «العباسية» بعدا آخر أود أن ألفت إليه، وهو أن هذه الأحداث تكاد تكون تكرارا نمطيا للسيناريو نفسه قبيل إجراء الانتخابات البرلمانية، وقد يذكر القارئ الكريم أنه قد راجت فى ذلك الوقت على شبكة المعلومات الدولية مقولات تفيد بأن تحركا شعبيا سوف يتم وسوف يطالب بحكومة إنقاذ وطنى يرأسها د.محمد البرادعى، وقد كان وحدثت هذه المظاهرات فى محيط ميدان التحرير ومجلس الوزراء وشارع محمد محمود، وتأزمت الأمور يومها حتى ظن الكثيرون ــ وأنا منهم ــ أنه بات مستحيلا إجراء الانتخابات التشريعية فى الوقت المحدد، لكن المجلس الأعلى للقوات المسلحة نجح فى إجرائها، ووفر لها الحماية وأقصى قدر من التنظيم، ولو كان يريد التباطؤ فى تسليم السلطة لفعل متذرعا بحالة الفوضى التى نجمت عن الأحداث، والاستجابة للمطالبين بتأجيل الانتخابات، علما بأننى قرأت وشاهدت نفرا من قادة «الثوار» يقولون صراحة إن الانتخابات التشريعية ليست انتخاباتهم، ولن تعبر عنهم، ولذلك فإن تأجيلها ضرورة. ولا شك أن الشق الأول من هذه المقولة سليم. لكن التأجيل كان ليدخل مصر فى حلقة مفرغة، وقد لا ننسى الإلحاح على ضرورة تقصير أمد المرحلة الانتقالية، ومن ثم مدى تعارض هذا الإلحاح مع فكرة إفشال الانتخابات البرلمانية.

 

***

 

ها هو السيناريو ذاته يتكرر فى أحداث العباسية وإن كان هذه المرة أكثر تصعيدا، فلأن ميدان التحرير أصبح دولة داخل الدولة لم يعد التظاهر فيه أمرا ذا بال خاصة فى ظل تناقص الأعداد التى تشارك فى هذا التظاهر، لكن التصعيد يأتى من نقل مقر التظاهر والاعتصام إلى موقع جديد له حساسية فائقة لقربه من وزارة الدفاع، وإمكان حصارها أو حتى اقتحامها وفقا لتحريض المحرضين، وقد أعلن المجلس العسكرى غير مرة أن وزارة الدفاع ومؤسساتها خط أحمر، ومن هنا أتى التصعيد، فبينما حوصرت وزارة الداخلية وهوجمت غير مرة، وانتزعت لافتتها من مدخل الوزارة وكتبت على جدرانها شعارات مسيئة لم يكن هذا مطروحا على الإطلاق فى حالة وزارة الدفاع.

 

وثمة فارق آخر بين السيناريو الذى سبق الانتخابات البرلمانية والسيناريو الحالى الذى تتجسد أحداثه قبل وقت قليل من إجراء الانتخابات الرئاسية وهو موقف جماعة «الإخوان المسلمين» فى الحالتين، فهم يشاركون الآن فى الهجوم بضراوة على المجلس الأعلى للقوات المسلحة عكس حالهم قبل الانتخابات البرلمانية التى كانوا يشعرون أيامها بأن الثمرة قد دنت لهم، ولذلك لم يكونوا مستعدين لأى تعطيل لتلك الانتخابات، وقد نذكر أيامها أنه فى الوقت الذى كان التحرير يموج فيه بالأحداث و«المليونيات» فى إطار التحليل السابق كان الإخوان ينظمون ألفية فى الأزهر «لنصرة الأقصى»! حتى شاع يومها على صفحات الفيس بوك وتويتر القول الطريف بأنه «لما الرجالة تنزل الميدان «الجماعة» تقعد فى البيت»، لكن الأمر اختلف هذه المرة، فالجماعة خائفة قلقة على تدهور شعبيتها، ومن ثم على نتائج انتخابات الرئاسة، ومطلبها غير الدستورى بإقالة الحكومة أجهض أكثر من مرة، ومن ثم فقد صعدت من انتقاداتها للمجلس الأعلى للقوات المسلحة بعد شهر العسل الطويل بينهما، حتى يصبح الاتهام بتزوير الانتخابات الرئاسية لاحقا مبنيا على أساسٍ ما، ولذلك فإن جزءا من ضمان الحد الأدنى من الاستقرار فى مصر بعد هذه الانتخابات هو ضرورة وجود أكبر قدر ممكن من الرقابة الدولية عليها حتى تصبح تقارير هذه الجهات الرقابية الخارجية سلاحا فعالا ضد كل من يحاول التشكيك فى نزاهة الانتخابات.

 

***


لا أحد يعرف على وجه اليقين من المسئول عن هذا السيناريو العبثى الذى ظهر قبل الانتخابات البرلمانية وأعاد إنتاج نفسه بمناسبة الانتخابات الرئاسية ومتى يتوقف، وأغلب الظن أن هذه الانتخابات ونتائجها لن تكون إيذانا بنهايته خاصة أن الرئيس القادم سوف يفوز بنسبة أصوات معتدلة، وقد لا تصل إلى 60% من إجمالى الأصوات، وبالتالى سوف يكون من السهل على قوى تعودت أن ترفض أى شىء لا يعجبها بالنزول إلى الشارع أن تكرر هذا السلوك، فمتى يتوقف العبث بمستقبل الوطن؟

أحمد يوسف أحمد أستاذ العلوم السياسية بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وعميد معهد الدراسات العربية