قتل المهاجرين الأفارقة مأساة وفضيحة وإجهاض للمصالح الوطنية - إبراهيم عوض - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 9:45 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قتل المهاجرين الأفارقة مأساة وفضيحة وإجهاض للمصالح الوطنية

نشر فى : الأحد 10 يوليه 2011 - 10:09 ص | آخر تحديث : الأحد 10 يوليه 2011 - 10:09 ص
نشر غير موقع للصحافة المصرية، منها موقع جريدة «الأهرام» باللغة الإنجليزية، يوم الاثنين السابع والعشرين من يونيو أن قوات الشرطة المصرية قد أردت، فى اليوم السابق، أربعة قتلى من المهاجرين الأفارقة وهم يحاولون الخروج من مصر ودخول الأراضى الإسرائيلية، بدون تصريح من اسرائيل. وهذه حادثة صادمة جديدة تضيف قتلى جددا إلى عشرات الضحايا الذين سقطوا برصاص الشرطة المصرية فى السنوات الأخيرة، بدعوى عبورهم إلى إسرائيل بشكل غير قانونى، والذين يقدر عددهم فيما بين عامى 2007 و2009 بتسعة وستين قتيلا.

الحادثة مؤسفة بشكل خاص إذ إنها تقع بعد شهور قليلة من ثورة المصريين من أجل حقوقهم، وهى حقوق الإنسان، التى لا تعرف التمييز على أساس جنسية هذا الإنسان أو أصله القومى، وفى مقدمة هذه الحقوق حقه فى الحياة. والحادثة مأساة إنسانية، فليست جناية المهاجرين الأربعة إلا أنهم كانوا يبحثون عن فرص للعمل تعينهم وتعين أسرهم على الحياة، بعد أن ضاقت بهم سبل العيش فى بلادهم، وتبين لهم ألا فرص للعمل بشكل قانونى ومجز أمامهم فى مصر.

هذه الحادثة تثير تعجب المراقب. الحدود التى عرف اطلاق الرصاص عندها هى الحدود بين المكسيك والولايات المتحدة، ولكن فى هذه الحالة، الشرطة الأمريكية تطلق الرصاص على الداخلين إلى الولايات المتحدة. أما فى مصر، فإن الرصاص يطلق على الخارجين منها! هل نريد إبقاءهم بأى شكل فى أراضينا؟ إن كان لا بد من القتل، والعياذ بالله من هذا الافتراض، فلنترك الإسرائيليين يفعلون ذلك ويتحملون وزره ومسئوليته أمام العالم. هل نحن نقبل أن يقتل شبابنا فى إيطاليا أو اليونان أو فرنسا إن هاجر إليها بشكل غير قانونى؟

والحادثة وسابقاتها فضيحة حقيقية. ففضلا عن أنها تعبر عن ازدراء بقيمة الحياة الإنسانية، فهى تكشف كذلك عن ضعف الحرص على احترام الالتزامات الدولية لمصر أو، وهو الأنكى، أن هناك تراتبا فى احترام هذه الالتزامات. من المهم التذكير بأن مصر من أولى الدول التى صدقت على الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم، وهى الاتفاقية المعتمدة فى الجمعية العامة للأمم المتحدة فى سنة 1990 والتى دخلت حيز النفاذ فى سنة 2003. من أهم أدوات أى دولة فى العلاقات الدولية سمعتها فى احترام التزاماتها الدولية، حتى وإن لم تحترم دولا أخرى، تربطها بها علاقات صراعية، ما عليها من التزامات. الاتفاقية الدولية تنص فى مادتها التاسعة على أن القانون يحمى حق الحياة للعمال المهاجرين وأفراد أسرهم، والمقصود هنا جميع العمال المهاجرين، وليس فقط الموجودون منهم بشكل نظامى قانونى فى إقليم دولة طرف فى الاتفاقية. ثم إن الهجرة غير النظامية، قد يكون فيها خروج على القانون، بإرادة المهاجر أو بغير إرادته، إلا أن المواثيق الدولية لا تعتبرها جريمة بأى حال من الأحوال. والأولى ببلد مثل مصر، هى بلد منشأ لملايين المهاجرين، أن يكون حريصا على تأكيد هذا المعنى.

وفى قتل المهاجرين، وهم دائما أفارقة، إجهاض للمصالح الوطنية لمصر. إن لمصر مصلحة عليا فى تأمين وصول مياه النيل إليها. والقتلى فى هذه الحالة، كما فى أغلب الحالات، من السودانيين الذين سيصبحون مواطنين فى دولة جنوب السودان الجديدة. كيف نريد أن نؤمن وصول ماه النيل إلينا ونحن لا نحترم حياة مواطنى جنوب السودان؟ باقى الضحايا من بلدان أخرى فى شرقى إفريقيا، واحترام هذه البلدان، بل وكل بلدان إفريقيا ومواطنيها، ضرورى لتوفير البيئة التى، من داخلها، تكفل دول المنبع ودول المرور الأولى انسياب مياه النيل إلينا. ثم إن مصر تنشد الحصول على مقعد دائم فى مجلس الأمن عن القارة الإفريقية. كيف يمكن لنا أن نتصور تحقيق مصلحتنا هذه ونحن نزدرى حياة مواطنى القارة التى نسعى إلى تمثيلها فى مسرح العلاقات الدولية؟

●●●

إن مصر الديمقراطية الجديدة لا بد أن تحترم الإنسان فى الداخل والخارج، سواء كان هذا الإنسان مواطنا أو لم يكن، وأن تتخذ مواقف إنسانية من كل المشكلات التى تعترضها. المهاجر ليس جمادا أو حيوانا فى البرية يقتنصه الصيادون بنيران بنادقهم. لا يمكن أن نبنى نظاما سياسيا يحترمه الآخرون ونحترمه نحن، إن استهنا بغيرنا، خاصة إن كان ضعيفا. هذه الاستهانة هى أولى خطوات استهانتنا بأنفسنا.
ومصر الديمقراطية الجديدة لا بد أن تتعامل مع كل التزاماتها الدولية على قدم المساواة، سواء كانت الالتزامات مترتبة على اتفاقية دولية فى مجال الهجرة، أو على معاهدة للسلام. ثم إن عليها أن تحلل التزاماتها تحليلا سليما، فهل يعقل أن ترتب معاهدة للسلام التزاما على مصر بقتل من يغادر أراضيها إلى إقليم البلد المعاهد بدون إذن من هذا البلد؟
ومصر الديمقراطية العاملة على تنمية قارتها الإفريقية ومحيطها العربى، والناشطة من أجل نهوض كل العالم النامى، لا ينبغى أن يغيب عنها شىء بديهى وهو أن كل الموضوعات الإقليمية والدولية متشابكة. لا بد أن نكف عن اعتقاد أن على بعض الآخرين أن يقبلوا صاغرين كل ما يصدر عنا من تصرفات. هؤلاء الآخرون لن يقبلوا وسنكون نحن الخاسرين. والأكثر مدعاة للمرارة أن ألف حساب يحسب لغير هذا البعض من الآخرين.

●●●

من المؤسف أن يضطر المرء إلى كتابة ما سبق. كنا نعتقد أن ما دفع جموع المصريين إلى الخروج فى ثورة على أوضاعهم، وأن الشعارات التى رفعوها، قد بينت للمسئولين عن صياغة السياسات، ولمنفذيها، القيم المترابطة التى ينبغى أن تلهم هذه السياسات. الإنسانية، واحترام القانون، وتحقيق المصلحة الوطنية من بين هذه القيم.

إبراهيم عوض أستاذ السياسات العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة
التعليقات