هل يمكن إصلاح الخطاب الدينى أو تعديل المفاهيم الدينية الخاطئة والمغلوطة والمتطرفة عند البعض، أو تحسين صورة المسلمين فى نظر الآخرين من دون أن يكون لدينا أئمة وخطباء ووعاظ ودعاة على أعلى مستوى من الوعى والفهم والتنور والقدرة على التأثير فى الجمهور المستهدف؟.
مضمون هذا السؤال وجهته للدكتور أسامة الأزهرى وزير الأوقاف خلال لقاء موسع عقده مع رؤساء تحرير وبعض رؤساء مجالس الصحف المصرية القومية والخاصة ظهر يوم الأحد الماضى فى المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بجاردن سيتى.
ومن واقع استماعى للعديد من أئمة المساجد وخطباء الجمعة، أنه يستحيل الحديث عن تطوير أى خطاب دينى أو إصلاح صورتنا المتراجعة كمسلمين لدى غير المسلمين، مع عدد كبير من هذه النوعية من الأئمة.
لا أعمم ولا أقول إن جميع الخطباء لديهم مشاكل.
المؤكد أن هناك نوعية جيدة ومتعلمة ومثقفة ومتنورة وقادرة على الإقناع والتأثير، لكن هناك نوعية ليست بالقليلة تحتاج إلى من يعلمها ويصلح خطابها أولا حتى تؤثر فى الآخرين.
قلت للوزير إن هناك خطباء وأئمة إذا حككت تحت جلودهم فسوف تجد داعشيا أو إخوانيا أو دعاة تقليديين يخاطبون الناس من أوراق وكتب قديمة جدا انقطعت علاقتها بالعصر الحاضر بكل تقلباته وتغيراته.
لا أقصد من هذا الكلام أنهم منضمون إلى هذه التنظيمات المتطرفة، لكنهم يمكن أن يصبحوا كذلك فى غمضة عين لأنهم بلا فكر مؤسس أو قدرة على المناقشة والمحاججة.
استمعت وأستمع إلى خطباء كثيرين وآخرهم قبل أقل من شهر يقول بعضهم إن التليفزيون حرام، والتعليم المختلط حرام.
أحد هؤلاء وبعد أن دعا إلى نصرة فلسطين قال إن الغرب الكافر هو الذى ينصر إسرائيل.
كدت أتهور وأقاطعه أثناء الخطبة، والحمد لله أننى تمالكت أعصابى حتى انتهت الخطبة، وذهبت إليه وقلت له ما رأيك فى بعض الأوروبيين الذين احتجوا وتظاهروا دفاعا عن فلسطين، وما رأيك فى طلاب كثيرين فى الجامعات الأمريكية الذين ساندوا فلسطين وغزة لدرجة أن بعضهم قُبض عليه وحُرم من الدراسة؟
فقال لى إنهم جيدون جدا، فقلت له ولكنك وصفتهم بالكفر وخذلان المسلمين، فى حين أنهم ساندوا الفلسطينيين أكثر مما فعل بعض العرب، فصدق على كلامى.
سألته أيضا: ما رأيك أن دولا مسيحية مثل إسبانيا وأيرلندا وبلجيكا والنرويج اعترفت بالدولة الفلسطينية، وتحملت هجمات وانتقادات إسرائيلية كثيرة؟.
فقال إنه أمر جيد.
قلت له ولذلك ينبغى عليك أن تكون حذرا فى كلامك، لأن غالبية الموجودين فى المسجد لا يدركون كامل الصورة، ووعيهم محدود، وسوف يأخذون كلامك باعتباره حقائق دامغة.
للموضوعية هذا الخطيب كان مهذبا، وصدَّق على كلامى ووعد أن يكون حريصا فى المرات المقبلة.
هذا النوع من الخطباء لا أراه منظما فى جماعة أو متطرفا، بل ربما تلقى تعليما تقليديا تلقينيا ولم يقرأ ولم يناقش، وبالتالى فلن يكون قادرا على إصلاح الخطاب الدينى بل يحتاج إلى من يصلح خطابه أولا!!.
الإمام أو الخطيب أو الداعية هو أهم حلقة فى نقل صورة الدين الصحيح المعتدل والمتسامح، هو يشبه المعلم تماما، فبدون معلم جيد متنور ومتعلم وواعٍ ومتمكن، فلن يكون لدينا تعليم جيد، حتى لو كان لدينا أفضل المدارس والأجهزة.
وبالمثل فحتى لو كان لدينا أفضل رؤية واستراتيجية لتعديل الخطاب الدينى، وطبعنا أفضل الكتب المستنيرة فإن كل ذلك لن يحل المشكلة رغم أهميته، طالما ليس لدينا إمام أو خطيب أو داعية مستنير وواعٍ.
سؤالى مرة أخرى: هل لدينا مثل هذا الداعية القادر على التأثير فى الناس ونقل صورة الإسلام الصحيح، وربما نسأل بصورة أكثر تفصيلا: هل لدينا تصنيف للدعاة والخطباء من حيث المستوى والفهم والقراءة والاطلاع، والأهم هل يعرف هؤلاء ماذا يحدث فى العالم من تطورات متسارعة؟.
كل ما سبق وجهته لوزير الأوقاف الدكتور أسامة الأزهرى فى سؤال مختصر، وسأقدم إجابته لاحقا.