الرئيس الحائر - أحمد يوسف أحمد - بوابة الشروق
الثلاثاء 30 أبريل 2024 2:34 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الرئيس الحائر

نشر فى : الخميس 12 يناير 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الخميس 12 يناير 2012 - 8:00 ص

ليس لعنوان هذا المقال أدنى علاقة بمسرحية «السلطان الحائر» التى أبدعها كاتبنا الكبير توفيق الحكيم، ذلك لأننا فى المسرحية كنا إزاء سلطان فعلى، أما الرئيس الذى مازلنا نبحث عنه فهو رئيس تحيط به علامات استفهام عديدة تجعلنا جميعا بمن فينا «المرشحون المحتملون» لرئاسة الجمهورية فى حالة يعتد بها من الحيرة. بدأت قصة الرئاسة فى مصر الثورة بالفزع من فكرة إعادة إنتاج الفرعون، وبالتالى فعلينا أن نلوذ بالنظام البرلمانى الذى لا حول ولا قوة للرئيس فيه، وأن النظام الرئاسى الذى ازدهر فيه الديكتاتور المخلوع يجب أن يسقط من اعتبارنا نهائيا.

 

كتبت فى حينه ضد التيار السائد ألفت إلى أن ما كان سائدا لدينا قبل ثورة يناير هو نظام استبدادى وليس رئاسيا، وأن نظرة واحدة إلى الدستور الأمريكى أصل النظام الرئاسى تكفى للتأكد من هذه الحقيقة، فالرئيس الأمريكى وإن أمسك بخيوط السلطة التنفيذية لا يستطيع أن يخطو خطوة واحدة فى تنفيذ رؤيته السياسية دون موافقة الكونجرس على مشروعات القوانين التى تترجم هذه الرؤية، علما بأنه من المألوف ألا تكون أغلبية الكونجرس من حزب الرئيس نفسه، وبالتالى يتعين عليه كثيرا أن يسبح ضد التيار فى محاولة لإقناع خصومه داخل السلطة التشريعية بالموافقة على مشروعات القوانين التى يتقدم بها، بل إن الكونجرس يُعد بأحد المعايير صاحب «فيتو» على المرشحين لبعض المناصب التنفيذية المهمة، ويتعين عليه الموافقة على هؤلاء المرشحين قبل إصدار الرئيس قرارات تعيينهم. وهذا مبرر كافٍ لعدم الفزع من النظام الرئاسى.

يعزز ما سبق أن الدول فى مراحل الانتقال من الديكتاتورية إلى الديمقراطية عادة ما تفتقر إلى قوة سياسية واحدة تهيمن على المسرح السياسى، وإنما تتبعثر مفاتيح القوة بين عديد من القوى السياسية بحيث تتعثر عملية التشريع ويصبح اللجوء إلى الائتلافات الحزبية ضرورة من أجل تشكيل الحكومة، وفى هذه الظروف يصبح وجود رئيس قوى يقود سلطة تنفيذية متماسكة ــ ولا يهيمن على كل السلطات كما كان الوضع فى عهد مبارك ــ ضمانة أساسية للاستقرار.

 

•••

 

فى التطبيق سارت الأمور على نحو ما نعرف جميعا، فعانينا من هذا الترتيب المربك لبناء مصر الثورة إذ أصبح علينا بموجب التعديل الدستورى الذى استفتى الشعب عليه ثم الإعلان الدستورى الصادر عن المجلس الأعلى للقوات المسلحة أن نبدأ بالانتخابات التشريعية التى سيُكلَف المجلس الناجم عنها باختيار الجمعية التأسيسية لوضع الدستور، ثم تجرى انتخابات الرئاسة بعد أن يوافق الشعب عليه، وهو ترتيب يتم السير وفقا له حتى الآن بالانتهاء من إجراء الانتخابات التشريعية، بغض النظر عما يمكن أن يسببه هذا الترتيب من ارتباك فيما لو تناقض الدستور الجديد مع شروط تشكيل الهيئة التشريعية التى طبقت فى الانتخابات الأخيرة بما يحتم إعادة الانتخابات التشريعية (وإن كنت استبعد ذلك لأسباب معروفة)، كما أن من سموا بالمرشحين المحتملين لرئاسة الجمهورية هم فى الواقع مرشحون حائرون ما بين انتخابات رئاسية محتملة يعدون لها ما استطاعوا من شعبية فيما لو أخذ بالنظام الرئاسى أو بمزيج منه مع النظام البرلمانى وما بين احتمالات تبنى النظام البرلمانى بما يعنى أن الرئيس لن تكون له أية سلطات فعلية، ولن يُنتخَب من الشعب أصلا، وبالتالى لن تكون هناك حاجة إلى كل هذا الجهد السياسى والدعائى طالما أن أعضاء البرلمان هم الذين سينتخبونه.

 

أسفرت ممارسة إجراء الانتخابات البرلمانية عن ابتعاد خطر تبعثر مفاتيح القوة السياسية على نحو يربك العمليتين التشريعية والتنفيذية، إذ كان واضحا من نتائجها أن حزب الحرية والعدالة قد حصل على نصيب الأسد فى هذه الانتخابات. صحيح أنه لم يحصل على الأغلبية المطلقة، لكنه سيسهل عليه فى الغالب الوصول إلى هذا الوضع من خلال ائتلافات حزبية محدودة، بما يعنى أن مخاطر عدم الاستقرار فى مؤسسات الحكم سوف تكون فى حدها الأدنى، وفى الغالب فإن مخاطر عدم الاستقرار السياسى ستنجم عن التناقض المحتمل بين سياسات القوى السياسية الجديدة المهيمنة على مؤسسات الحكم وبين قوى النخبة المدنية والقطاعات التى سوف تتضرر من هذه السياسات، لذلك فإن الحاجة إلى وجود رئيس قوى فى إطار ضوابط ديمقراطية تبقى مطلبا ملحا لبناء التوازن داخل الحياة السياسية المصرية الجديدة.

 

•••

 

لكن معضلة بناء هذا التوازن تكمن فى أن الأمر كله بيد جماعة الإخوان المسلمين، فحزب الحرية والعدالة الجناح السياسى لها هو صاحب أكبر قوة داخل المجلس التشريعى الذى سيختار الجمعية التأسيسية لوضع الدستور الجديد، وجنبا إلى جنب مع حزب النور السلفى الذى حظى بدوره بنحو ربع المقاعد فى المجلس لابد وأن نتوقع احتمال أن تكون الجمعية التأسيسية أقرب إلى فكر «التيار الإسلامى» ورؤاه منها إلى منطق وضع دستور دائم لوطن بأكمله. والاحتمالات القوية فى هذا الصدد تتراوح بين تبنى نظام برلمانى على إطلاقه بما يركز القوة السياسية فى يد ذلك التيار وبالأخص جماعة الإخوان المسلمين، وبين الأخذ بنظام خليط بين البرلمانى والرئاسى على أن تكون عناصره البرلمانية أقوى بكثير من الرئاسية، فيكون لرئيس الجمهورية سلطات حقيقية غير أنه لا يستطيع أن يمارسها فعلا إلا بالمشاركة مع الحكومة، أو تكون هناك قيود تفرضها السلطة التشريعية على هذه السلطات.

 

 

لأنه لا يعقل سياسيا أن تخلق جماعة الإخوان المسلمين بنفسها مركز قوة قد يكون مناوئا لها يتحصن بمنصب رئيس الجمهورية، وأعتقد أن دروس تجربة جمال عبدالناصر ومحمد نجيب ليست بعيدة بما يكفى لنسيانها.

يزيد الأمور حيرة الطريقة التى يتعامل بها الإخوان المسلمون مع موضوع رئاسة الجمهورية، فتارة نسمع أن مرشحهم المفضل قد يكون أستاذا فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية (بالذات)، وتارة أخرى نقرأ أن الدكتور نبيل العربى الأمين العام الحالى لجامعة الدول العربية وأول وزير خارجية لمصر الثورة هو مرشحهم، حيث إنه يحظى بقبول عدد من قيادات الإخوان (وهذا هو الشرط الأهم)، كما أنه يمثل حلا توافقيا، حيث يحظى بقبول عدد كبير من التيارات السياسية وشباب الثورة بالنظر إلى انحيازه لها منذ اندلاعها فضلا عن ثقله الدولى والإقليمى، وفى حالة قبوله الترشح سوف يكون مرشح الجماعة رقم 1. فإن لم يكن فهناك السيد منصور حسن رئيس المجلس الاستشارى الذى يحتفظ بعلاقات جيدة بعدد من قيادات الجماعة، والسيد عمرو موسى الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية والذى لم تذكر تكهنات الجماعة شيئا عن مبررات اختياره.

 

 

•••

 

المهم أن موضوع رئاسة الجمهورية أصبح يبدو وكأنه بيد جماعة الإخوان المسلمين تحديدا: إن من زاوية تحديد شروط ترشيحه وسلطاته دستوريا، أو من ناحية الأشخاص المرشحين، والذين تظهرهم التصريحات السابقة وكأنه يتعين عليهم أن يقفوا بالدور فى انتظار رضا الجماعة عنهم. ويلاحظ أن الإخوان «من باب الديمقراطية» قد أعلنوا مرارا وتكرارا أنهم لن يكون لهم مرشح فى انتخابات الرئاسة، لكن من الواضح أن ثمة مرشحين يحظون بتأييدهم، ولا أرى فى الواقع فارقا كبيرا بين الخيارين، خاصة إذا قُلِصَت سلطات رئيس الجمهورية إلى حد بعيد فى الدستور المقبل. وأظن أن بناء مؤسسات مصر الثورة ومنصب الرئيس بالذات يحتاج منا نهجا مختلفا، وهذه تحديدا مهمة جماهير ثورة يناير وقواها السياسية، وإلا فإننا قد نجد أنفسنا بعد شهور قليلة نردد العبارة المأثورة: «ما أشبه الليلة بالبارحة!»

أحمد يوسف أحمد أستاذ العلوم السياسية بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وعميد معهد الدراسات العربية