قضاء حوائج الناس.. اسألوا عنها «أحمد عواد» - محمد مكى - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 2:32 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قضاء حوائج الناس.. اسألوا عنها «أحمد عواد»

نشر فى : السبت 11 سبتمبر 2021 - 8:30 م | آخر تحديث : السبت 11 سبتمبر 2021 - 8:30 م

يجسِّد المرحـوم الأخ والصديـق، أحمد عــواد، نص الحديث الشريف: «إن لله عبادا اختصهم بقضاء حوائج الناس، حببهم إلى الخير وحبب الخير إليهم، إنهم الآمنون من عذاب الله يوم القيامة». ما رأيت أحدًا يسعى للجميع دون مواربة وطوال الوقت فى قضاء مصالح الناس سواء من أبناء قريته «الرجالات» أو من أبناء مهنته «الصحافة»، التى تميز فى ملف الاتصالات بها، مع قدرة حسابية واقتصادية بارعة، وتفانٍ منقطع النظير، وأمل فى مستقبل أفضل على المستوى المهنى والعائلى.
نحيب نساء قريته إبـَّان تشييعه إلى دار الحق، حتى من غير الأقارب، كان يؤكد ما فعله الرجل لهم من خدمات، قليل من يقـوم بها فى تلك الفترات التى سادت فيها الأنانية بشكل ملحوظ، مع أدب جمٍّ، كان أقله لا ينادى أحدا باسمه، كبيرا كان أو صغيرا، مع سماحـة تميز بها الفلاحون الطيبون ملـح الأرض، حيث كان دائمًا ما يردد ما يقولونه عند الزعل من شخص «بخاطره» سواء كان مع المصادر أو الزملاء أو فى الحياة العامة التى لا تخلو من المنغصات، وتحلَّى بالصبر وسماع الناس دون ضجيج أو افتعال، وضحكة صافية تملؤ وجهه طوال الوقت.
سنوات طويلة رأيته كريمًا لا يحمل عبء الرزق والمال، كثيرا ما كان يكرر التعهد الإلهى: «لأرزقن من لا حيلة له فى الرزق حتى يتعجب أصحاب الحيل» قناعته، مؤكدًا أنه طول عمره هكذا، متقبلا كل نقد كان يوجه إليه بصدر رحب.
«عــواد».. كان دائما يحفظ فضل الناس ولا ينكر من مدَّ له يد العون فى العمل والحياة، يتواصل مع الجميع دون كلل أو ملل، بل يبادر فى حل المشاكل والعمل التطوعى، لا يدخر جهدًا فى الوقوف مع الناس فى الأزمات، وعلى الرغم مما كان عنده من مشاكل لا يظهرها بل يتمتع برضا شديد جعله متصالحا حتى فى أصعب الأوقات.
خطف الموت «عــواد» من بين أيدينا وهو من عاش بقلب صبى، جسرا لكثير من الناس فى الخير، فاتحا للأبواب وسندا لكثير من المكلومين، كان واضحا سهلًا لينًا، لم يغضب أحدا، وكأنه يريد أن يحتفظ برصيد كبير من المحبة جعلنا نشعر بالألم بعد فـراقه.
كان ــ رحمة الله عليه ــ نسمة هادئة، وابن موت بحق، نقى كريم الخلق، بار بالجميع، نجح فى معادلة التوزان فى كل العلاقات، كان يخرجنا من عالم الصحافة المتوتر بأفعال سهلة، والله عقلى رفض فى البداية أن أصدق أنه رحـل، فالانقياء لا يرحلون.. فكيف لى أن أصدق من جاورنى سنوات ليس فى العمل فقط بل فى كل مناحى الحياة يتركنى دون وداع.
تمكن «عـواد» من ملف الاتصالات، فلم نعد نحمل هـمَّ الملف بعد أن أصبح متداخلا فى كل الأنشطة الاقتصادية، فلديه قدرة على الوصول لكل المصادر الحكومية والشركات والقطاعات المرتبطة مع علاقة إنسانية تجسدت فى عزائه، وعبر عنها حتى المختلفون من أهل المهنة بأنه على تميزه كان صديقا للجميع، وهو أمر نـادر فى مهنة قائمة على الخلاف وتعدد الرؤى.
ليس هناك أشد إيلاما على النفس من أن تتلقى نبأ وفاة صديـق عزيـز عليك، خاصة إذا كنت قد عاشرت هذا الصديق، وبقى وفيًا صادقًا لهذه الصداقة الحميمة إلى آخر لحظة من حياته، الأماكن ولحظات النجاح والفشل والطرقات والأصدقاء المشتركون ضروب الحياة المختلفة «بماذا أرثيك ياصاحبى..؟؟!! بدمعٍ قد تحجّر فى المحاجر. أم بآهاتٍ مُتنَ فى الحناجر..!! أكاد لا أحصى فيك المآثر..!!
مات صديقى وسَيموتُ غَيرهُ الكثيرون، وسَنَموت نحنُ عن قريبٍ أو بعيد، وننزِل منازِل كما نزلت، ونقف بين يدى المَلِك يوم الوعيد، وهذهِ سُنَة الله تعالى فى خلقهِ، إنه لا باقى سِواه والكل سيفنى.
«سألتُ الدّار تُخبِرُنى عن الأحبابِ ما فعلوا، فقالت لى أناخ القوم أياما وقد رحلوا، فقُلت فأين أطلبَهم، وأيّ منازلٍ نزلوا؟ فقالت بالقبورِ وقد لقوا والله ما فعلوا».
رحل «عــواد» ولم يحمل على أحد حتى فى مرض الموت، كان خفيفا مثلما كان دائما، كان بينه وبين الله سر، فكيف يحصد كل الحب بدون أن يكون أحسنَ الزرعَ.
أصارحك يا صديقى كنت أتمنى أن أكون معك ألطف مما كنت عليه معك، لكنها ضغوطات الحياة وأمراض المهنة وأشياء لا يعلمها إلا الله، لكن الحب فى الله كان موجودا وبقوة، بدليل استمراره حتى اللحظات الأخيرة، وسيستمر مع أولادك «حسين وحنين وياسين وسيف وتمنى»، ومع من كنت توصينى بهم خيرا سواء من أهلك وأصدقائك.
ما أصعب أن نصحوَ ذاتَ صباحٍ ولا نَجِد صديقا أقرَب من أخ لنا.. لماذا ذهبتْ بهذه السُرعة يا صديقى.. إنها أقدار الله.. على العهد والوعد ــ يا عــواد ــ الأمانة فى رقبتى ما حييت.. وإنا لفراقك والله لمحـزونون.
نلتقى فى الجنة برحمة ربنا وفضله.. مع السلامة يا صاحبى.

التعليقات