وباء الوحدة النفسية فى حلل جديدة - علي محمد فخرو - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 4:59 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

وباء الوحدة النفسية فى حلل جديدة

نشر فى : الأربعاء 12 أبريل 2023 - 7:00 م | آخر تحديث : الأربعاء 12 أبريل 2023 - 7:00 م

لقد فجرت ظاهرة انتشار وباء الكورونا جدلا واسعا فى كثير من الأوساط حول مرض نفسى معروف: مرض الشعور بالوحدة. لقد أدى اضطرار الملايين إلى البقاء فى بيوتهم وعدم الذهاب إلى أمكنة العمل وتجنب كل مناسبة جماهيرية وعدم التزاور مع الأصدقاء والأقارب إلى انتشار ذلك المرض النفسى وإلى ازدياد بعض نتائجه من مثل الانتحار أو الأمراض العقلية المزمنة.
واعتقد البعض بأن كل ذلك سيكون مؤقتا، وستزول آثاره بانحسار وباء الكورونا. لكن الصعود المذهل لممارسة التواصل الاجتماعى عن طريق شتى الوسائل الإلكترونية من قبل كل الأعمار فى كل مجتمعات العالم أعادت مؤخرا إلى النقاش ظاهرة الوحدة الفردية والجماعية التى ميزت فترة انتشار وباء الكورونا. ومؤخرا، بدأ الكثيرون من علماء النفس ومن مفكرى علوم الاجتماع يضيفون مصدر خوف وقلق آخر فى هذه الساحة: حلول الروبوتات ووسائل الذكاء الاصطناعى الأخرى محل مئات الملايين من القوى العاملة المستقبلية، وبالتالى انضمام تلك الملايين إلى قوائم الأشخاص العاطلين عن العمل، والذى بدوره سيفاقم ظاهرة الوحدة الفردية والجماعية.
من هنا جاءت المطالبة الواسعة من قبل مختلف العلماء والمفكرين بضرورة إجراء تغييرات كبرى فى أفكارنا ونظمنا السياسية والاقتصادية وفى تنظيمات علاقاتنا المجتمعية والاجتماعية، وذلك من أجل مواجهة ظاهرة الوحدة الزاحفة بعنف، لا كظاهرة طبيعية محدودة كما كان الحال عبر القرون الماضية، ولكن كموجات كبيرة متلاحقة، ما إن تهدأ إحداها إلا وتتبعها موجة أخرى جديدة أكبر وأعقد وأخطر.
ما يدفع إلى المطالبة بإجراء التغييرات الفكرية والسلوكية الكبرى هو الاقتناع التام بأن المسئول الأول عن كل ما يحدث هو الإنسان نفسه، كفرد وكجماعة، وعبر العالم كله، ولكن على الأخص إنسان الحضارة الغربية المهيمنة والقائدة لهذا العالم.
ولما كان هذا الموضوع، ظاهرة وأسبابا ونتائج، مرتبطا بالمستقبل المنظور، فإنه من الضرورى أن يعيه شباب وشابات الأمة بعمق وموضوعية، وأن يحملوا جزءا من مسئولية مواجهته من خلال عملهم السياسى النضالى الوطنى والقومى والأممى.
فهذا الموضوع مرتبط بالفعل بنوع القرارات السياسية التى تتخذ، وبإدارة الاقتصاد وعدالة توزيع خيراته، وبالثقافة المجتمعية السائدة، وعلى الأخص الجانب الإعلامى والفنى منه. وهو بالتالى مرتبط بنوع ومستوى قيادة المجتمعات ومدى التزام تلك القيادات بالقيم الإنسانية والأخلاقية بعد أن تبين أن بعضا من القيادات تساهم فى أسباب ونشر الوحدة.
ولأنه كذلك فهو فى صلب المسئوليات التى يجب أن يحملها ويكافح من أجلها الشباب والشابات قبل أن ينتشر ذلك الوباء فى صفوفهم.
وكواحد من المجتمعات الإنسانية فإنه مطلوب من المجتمع العربى أن يساهم فى حمل مسئولية المواجهة، خصوصا بعد أن بدأت ظواهر مصاحبة عادة للوحدة تنتشر أيضا فى الوطن العربى، من مثل ازدياد نسب الانتحار والأمراض النفسية والالتحاق بمتاهات الأنشطة العنفية العبثية والتمرد على القيم الدينية والأخلاقية... إلخ.
سنحاول أن نبرز بتدرج فى المستقبل شتى الجوانب التى تساهم فى انتشار الوحدة والتى تهم المجتمعات العربية قاطبة، وعلى الأخص مكوناتها الشبابية، ونطرح للنقاش بعضا من التغييرات الفكرية والسلوكية الضرورية لمواجهة مجتمعاتنا عبر الوطن العربى كله لهذه الظاهرة الجديدة، الفردية منها والجماعية.
مفكر عربى من البحرين

علي محمد فخرو  شغل العديد من المناصب ومنها منصبي وزير الصحة بمملكة البحرين في الفترة من 1971 _ 1982، ووزير التربية والتعليم في الفترة من 1982 _ 1995. وأيضا سفير لمملكة البحرين في فرنسا، بلجيكا، اسبانيا، وسويسرا، ولدي اليونسكو. ورئيس جمعية الهلال الأحمر البحريني سابقا، وعضو سابق المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة العرب، وعضو سابق للمكتب التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات الوحدة العربية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات فلسطينية. وعضو مجلس إدارة جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبييشغل حاليا عضو اللجنة الاستشارية للشرق الأوسط بالبنك الدولي، وعضو في لجنة الخبراء لليونسكو حول التربية للجميع، عضو في مجلس أمناء الجامعة العربية المفتوحة، ورئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث.
التعليقات