«المخرج الممنوع»!! - خالد محمود - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 5:09 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«المخرج الممنوع»!!

نشر فى : السبت 12 يونيو 2021 - 7:50 م | آخر تحديث : السبت 12 يونيو 2021 - 7:50 م

ما زال الصراع بين السلطة الروسية والسينمائيين مستمرا.. وما زال سقف الحرية مقيدا حتى لو اتخذ وجوها متعددة.
هذه المرة الواقعة الجديدة بطلها المخرج الروسى الكبير كيريل سريبرينيكوف الذى لم يستطع حضور مهرجان كان السينمائى فى فرنسا، حيث يشارك فيلمه الجديد «أنفلونزا بيتروف» فى المسابقة الرسمية، بسبب القرار الصادر فى حقه بمنعه من مغادرة الأراضى الروسية ووضعه تحت الإقامة الجبرية.
هكذا أعلن محامى سربيرينكوف مؤكدا أنه لا يمكنه مغادرة الأراضى الروسية حتى نهاية مدة عقوبة السجن الصادرة فى حق المخرج الروسى، وتنتهى فى يونيو 2023.
المخرج البالغ 51 عاما، حكم عليه نهاية يونيو 2020 بالسجن ثلاث سنوات مع وقف التنفيذ، ودفع غرامة فى قضية اختلاس أموال مساعدات عامة، وهو ما ينفيه بشدة سيريبرينكوف الذى وضع أيضا فى أغسطس 2017 قيد الإقامة الجبرية لأكثر من عام ونصف العام بتهمة اختلاس حوالى مليونى دولار (129 مليون روبل) من الإعانات العامة بين عامى 2011 و2014.
وصدر حكم السجن فى حق المخرج على الرغم من المواقف الدولية التى انبرت للدفاع عنه، وعريضة رفعها أكثر من ثلاثة آلاف شخصية من الوسط الثقافى الروسى.
ولم يجاهر سيريبرينيكوف بمعارضة الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، لكنه دأب على انتقاد الضغط الذى يستهدف الفنانين الروس، فى حين تتعرض أعماله التى تتناول مواضيع كالسياسة أو الدين أو غير ذلك، لانتقادات من السلطات أو رجال الدين.
منظمو مهرجان كان السينمائى بدورته الرابعة والسبعين أعلنوا أن فيلمه الأخير
«انفلونزا بيتروف» سينافس بقوة لنيل جائزة السعفة الذهبية.
الفيلم مقتبس من رواية للكاتب الروسى أليكسى سالنيكوف ويروى التغير السريالى فى الحياة اليومية لعائلة من مدينة إيكاتيرنبرج الصناعية فى جبال الأورال فى روسيا ما بعد الاتحاد السوفيتى وذلك بعد إصابة أفرادها الثلاثة بالإنفلونزا، حيث يروى قصة خيالية ومهلوسة عن كفاح الأسرة من أجل البقاء على قيد الحياة فى فوضى جائحة الإنفلونزا.
ويبدأ عرض الفيلم بروسيا فى التاسع من سبتمبر المقبل، وفق شركة «سونى بيكتشرز» الموزعة له.
المخرج الممنوع من مغادرة وطنه أثار جدلا كبيرا، حيث يقول مؤيدوه بأن القضية المرفوعة ضده كانت ذات دوافع سياسية، لأن عمله الجرىء يتعامل مع السياسة والجنس والدين بطرق تثير استياء الدولة الروسية، التى تدعو إلى العودة إلى القيم «التقليدية» الأكثر تحفظًا. وعلى الرغم من المناشدات التى وجهها المدير الفنى لمهرجان كان، تييرى فريمو إلى السلطات الروسية، فقد علق فى الإقامة الجبرية فى موسكو.
ووسط محاكمته بهذه الاتهامات فى يونيو، دعت العديد من مجموعات الفنون وحقوق الإنسان الدولية إلى إسقاط القضية. من بينهم: هيومن رايتس ووتش، التى نددت بما وصفته بـ«الاستهداف الذى لا أساس له» لسيربرينيكوف، وكذلك شبكة أفلام حقوق الإنسان، والتحالف الدولى لصانعى الأفلام المعرضين للخطر (ICFR)، وأكاديمية السينما الأوروبية (EFA)، ومهرجان الأفلام الوثائقية الدولى بأمستردام، ومهرجان روتردام السينمائى الدولى، والجمعية الدولية للأفلام الوثائقية (IDA)، ومهرجان جنيف السينمائى الدولى ومنتدى حقوق الإنسان (FIFDH) واتحاد مديرى الأفلام الأوروبية (FERA).
هذا العام سيشهد ثانى غياب له فى كان. كما غاب عن المهرجان فى عام 2018، على الرغم من ترشيحه للمنافسة على جائزة السعفة الذهبية بعملة الموسيقى «صيف» الذىى يصور مشهد روك لينينجراد تحت الأرض فى أوائل الثمانينيات وفاز بجائزة الموسيقى التصويرية.
وقال مراقبون: «يبدو أن قفزة الدولة فى توجيه تهم الاختلاس الجنائى كانت طريقة مستترة إلى حد ما للانتقام من سيريبنيكوف بسبب انتقاداته السياسية وإرسال رسالة تقشعر لها الأبدان للفنانين الآخرين ــ الذين ليس لديهم خيار سوى قبول تمويل الدولة للبقاء كفنانين ــ للامتناع عن توجيه النقد السياسى».
حضر المخرج الروسى مهرجان كان لأول مرة من خلال دراما دينية بعنوان «الطالب» عام 2016، والذى عرض فى قسم «نظرة ما».
يشرح المخرج الكبير كيف يمكن للفنون أن تتحدى الوضع الراهن لروسيا من خلال العمل فى ظل السلطة وضدها ــ والتكاليف الباهظة التى تنطوى عليها مثل هذه المعارك.
وقال: «كتبت مسرحيات وأخرجت عروضا أثناء إقامتى الجبرية. لقد كان ابتكارى أن أجمع عرضًا على بعد آلاف الكيلومترات. لقد اعتدنا على العمل عن بعد ومع الفيديو قبل أن يبدأ الجميع فى القيام بذلك أثناء الوباء. نُقلت أقراص USB إلى المحامى الخاص بى، وشاهدنا المواد وكتبنا مئات التعليقات. لقد كنت رهن الإقامة الجبرية ــ والآن، العالم بأسره يخضع للإقامة الجبرية».
إن قصة سيريبرينكوف تتتبع صعود وسقوط حقبة معينة من الثقافة. قبل عقد من الزمان، عندما ظهرت حركة طليعية جديدة فى روسيا، كان مخرجنا فى مقدمة كل ذلك. أصبح المدير الفنى لمركز Gogol فى عام 2012، وحول المسرح إلى منصة للفنانين المعاصرين. قبل توليه منصبه، كان المسرح معروفًا بمخزونه القديم، حيث يمكن تشغيل نفس الإنتاجات بشكل مستمر لسنوات متتالية. عندما تولى زمام الأمور، ابتكر سيريبنيكوف أعمالًا فنية صريحة يمكن أن تسير فى التوازن الدقيق للوضع الراهن، وتكتسب شهرة بسرعة فى عصر أراد فيه الكرملين صراحة إظهار قدرته أيضًا على دعم الفن التجريبى.
ولكن إذا كانت الإنتاجات الراديكالية لسيريبرينكوف تجسيدًا لهذا المجال الثقافى الجديد الأكثر ليبرالية، فإن اعتقاله فى عام 2017 يمثل زواله. فى أوائل عام 2016، ألقى المدعون باللوم عليه فى الاحتيال، واتهموه باختلاس حوالى 1.5 مليون جنيه إسترلينى من الأموال العامة فى تمويل الدولة لمسرحياته ــ وهى تهمة ينفيها سيريبنيكوف بشدة. والأمر الأكثر غرابة هو أن المدعين زعموا أيضًا أن بعض المسرحيات لم يتم إنتاجها على الإطلاق، على الرغم من وجود مئات المتفرجين وجبل من الوثائق المنشورة. عندما مثل المخرج أمام المحكمة، شعرت بصدمة فى المجتمع الروسى. بالنسبة للكثيرين، بدا أن القضية كانت بمثابة تحذير وعلامة على التحول
لم تكن الصعوبات التى واجهها سيريبرينكوف مع السلطات غير متوقعة على الإطلاق. فى بعض الأحيان، أدى المخرج دور العدو للحكومة الروسية، وانتقد فى كثير من الأحيان التأثير المتزايد للكنيسة الأرثوذكسية الروسية ودافع مرارًا عن الأقليات الجنسية.
وصف النقاد القضية المرفوعة ضد سيريبنيكوف بعبارات الثأر، وان الاتهامات الموجهة إليه تلقى بظلال طويلة على الأعمال المعقدة للبيروقراطية التى يمكن نشرها لتعطيل الفنانين الذين يعملون تحت السلطة وضدها فى نفس الوقت. دافع العاملون فى المجال الثقافى فى روسيا والخارج عن سيريبرينكوف ووصفوا لائحة الاتهام بأنها «تلفيق».
توقفت كثيرا عند كلمات سيريبنيكوف التى تحظى العديد من أعماله باهتمام عالمى، عند الحديث عن التهم.
«الحياة فى روسيا لا يمكن التنبؤ بها. أنا أعالج ما حدث بدرجة معينة من القدرية
«أنا أكره أن أكون ضحية. لقد عملت دائمًا بأسلوب صادق، ودعمت إدراك الآخرين وإبداعهم. خلال كل هذه السنوات، فعلت ما أعتبره مهمًا وضروريًا ــ لقد ساعدت الناس. وطالما عشت سأستمر فى ذلك، كما يقول:
«أريدك أن تعرف أن الشىء الأكثر قيمة والأهمية فى روسيا ليس سلطة الحكومة أو وسائل الإعلام. أثمن شىء هو الثقافة الروسية. إنها اللغة، والثقافة، والاكتشافات داخل الفنون التى تجعل الحياة أكثر احتمالًا».
سوف يصفق عشاق السينما طويلا لسيريبنيكوف وفيلمه فى مهرجان كان فى مشهد سيكون بمثابة الرسالة الكبرى للسلطة فى روسيا.. وقد شاهدنا ذلك المشهد من قبل مع المخرجين الإيرانيين رسولوف. وبناهى، وفرهادى.. وخسرت السلطة.. ونجح الإبداع.

خالد محمود كاتب صحفي وناقد سينمائي
التعليقات