تعتبر منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مهد التعليم العالى، حيث تقع الجامعات الثلاث الأقدم فى العالم، والتى لا تزال تعمل، فى إيران والمغرب ومصر. حيث تمنح جامعة القرويين فى فاس درجات جامعية منذ عام 859 من الميلاد، فيما كانت مكتبة الإسكندرية القديمة، بالإضافة لكونها مستودعا للكتب والمخطوطات، مركزا للتعليم فى عهد الأسرة البطلمية، حيث كان العلماء يسافرون إلى هناك من جميع أنحاء حوض البحر المتوسط وما وراءه. واكتشف علماء مثل ابن خلدون أساسيات علم الاقتصاد قبل أربعة قرون من آدم سميث وغيره. باختصار، كل واحد منا، نحن الذين استفدنا من التعليم الجامعى، مدين لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. مع ذلك، فإن جودة التعليم العالى فى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من بين أدنى المعدلات فى العالم. حيث لا توجد سوى جامعتين أو ثلاث جامعات عربية فى قائمة أفضل 500 جامعة فى العالم، ولا توجد أى واحدة منها فى قائمة أفضل 200 جامعة.
يشكو أرباب العمل فى المنطقة من كون خريجى الجامعات يفتقرون للمهارات اللازمة للعمل فى السوق العالمية. فالعديد منهم غير مدربين فى مجال العلوم والرياضيات والهندسة وغيرها من المواضيع التقنية حيث تتوافر الوظائف. وعلاوة على ذلك، يفتقر هؤلاء الخريجون «للمهارات الشخصية»، بما فى ذلك الإبداع والعمل الجماعى، ويرجع السبب فى ذلك جزئيا لكون تعليمهم يعتمد على الحفظ والتلقين. ففى مصر، وعلى الرغم من معدل البطالة الذى يتجاوز نسبة الـ10 فى المائة، فإن هناك ما يقرُب من 600 ألف وظيفة شاغرة. وتبلغ نسبة العاطلين عن العمل من خريجى الجامعات فى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حوالى 40 فى المائة، وتعتبر مشاركة النساء فى القوى العاملة، ومعظمهن أفضل تعليما من الرجال، الأدنى فى العالم. والأسوأ من ذلك كله قيام الجماعات المتطرفة التى تنتهج العنف باستخدام الجامعات كواحدة من مصادر التجنيد.
كيف حدث هذا؟ كيف يمكن لذات المنطقة التى أوجدت التعليم العالى أن تمتلك نظاما غير فعال للغاية ولدرجة أنه يساهم فى خلق المشاكل التى تواجهها منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بدلا من تخفيفها؟ وكيف يمكن تغيير هذا الوضع، لكى تعود الجامعات لتكون من بين الأفضل فى العالم مرة أخرى؟
***
بإمكاننا البدء بالبحث عن الأسباب الكامنة وراء المشاكل الراهنة فى المنطقة. ومن المؤكد أن الأسباب التى أدت لارتفاع معدل البطالة بين خريجى الجامعات متعددة وغالبا ما ترتبط بمناخ الاستثمار وغياب نمو القطاع الخاص. لكن هناك ميزة ما تشترك بها جميع البلدان فى المنطقة وهى أن غالبية خريجى الجامعات يحصلون على وظائف فى القطاع العام، حيث كانت الدولة الموظِف الأول والأخير الذى يمكن اللجوء إليه. ولهذه الخصوصية تأثير على جودة التعليم الجامعى يتم عرضها فيما يلى:
• لم يكن موضوع التخصص مهما بقدر كاف فى القطاع العام، لذلك لم يختر الطلاب دراسة العلوم أو الهندسة، واختاروا الموضوعات «الأسهل» نوعا ما مثل الأدب والتاريخ.
• لم يكن القطاع العام يطالب بالمهارات الشخصية.
• طبيعة المناهج الدراسية، التى تركز على الذاكرة وتكرار ما يقوله الأستاذ من دون استجواب أو مناقشة، ربما كانت مقبولة بالنسبة للقطاع العام ــ لكنها لم تساعد القطاع الخاص، الذى يبحث عن عقول مبدعة بإمكانها اختراع تطبيق أوبر القادم على سبيل المثال. وقد جعلت هذه المناهج أيضا من السهل على الجماعات المتطرفة تجنيد الطلاب.
• تسعيرة التعليم الجامعى، حيث توفر كل الجامعات تقريبا التعليم مجانا، على أساس فكرة وجوب حصول الفقراء على فرصة التعليم العالى كوسيلة للتخلص من الفقر. ولكن لسوء الحظ، فإن النتيجة هى مجىء الغالبية العظمى من الطلاب فى الجامعات من الفئات الأكثر غنى من السكان. ولا يقتصر هذا النمط على الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فحسب، حيث يوجد فى قارتى آسيا وأفريقيا أيضا. ولهذا السبب علاقة بالاقتصاد. فعندما تقدم شيئا مجانا، يكون هناك فائض فى الطلب. وتحدّ الجامعات من الطلب المتزايد عن طريق اشتراط اجتياز الطلاب لامتحان القبول. ويتمكن الأغنياء من إرسال أولادهم إلى أفضل المدارس الثانوية لإعدادهم لاجتياز امتحان القبول. ونتيجة لذلك، تمتلئ الجامعات بالطلاب من أغنى طبقات المجتمع. بعبارة أخرى، يمنح التعليم العالى المجانى أماكن كبيرة بالنسبة لأولئك الذين يتمكنون من الوصول إليه، وغالبا ما يكون الأغنياء فى وضع أفضل من الفقراء للاستيلاء على تلك الأماكن. المشكلة أسوأ لأن التعليم المجانى يعطى حوافز ضعيفة لتحسين جودة التعليم الجامعى. وتكسب الجامعة القليل فقط لتستثمره فى تطوير المناهج الدراسية. وفى الوقت نفسه، لا يطالب الطلاب بجودة أفضل بالقدر الذى كانوا سيقومون به فى حال لو كانوا يدفعون مقابل التعليم وملزمين باسترداد استثماراتهم.
***
من المؤكد أن مجرد فرض الرسوم الدراسية على التعليم العالى لن يحل مشاكل الجامعات فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فمن ناحية، يجب أن يبقى الفقراء قادرين على تحمل تكاليف التعليم العالى، لكن ينبغى أن تعالج هذه المشكلة من خلال توفير منح دراسية على أساس استطلاع الموارد المالية بدلا من الإعانات المالية العابرة للحدود التى يمكن للأغنياء الاستفادة منها. ومن ناحية أخرى، من الواجب أن تتم إدارة الانتقال لأن مثل هذه التحولات من المرجح أن تثير رد فعل سياسيا. مع ذلك، يجب أن يكون المبدأ متمثلا فى ضرورة منح الجامعات حوافز للاستثمار فى جودة التعليم العالى، ويجب أن يمتلك الطلاب الحافز للمطالبة بتعليم ذى جودة أعلى.
إذا ما تم تحقيق هذين التغييرين – أى التحول المتمثل بابتعاد تركيز التعليم العالى عن وظائف القطاع العام ونظام التمويل الذى يؤيد تزامن الحوافز مع جودة التعليم – فسنكون قد قطعنا شوطا كبيرا فى طريق استعادة عظمة التعليم العالى فى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ينشر بالاتفاق مع مجلة الفنار للإعلام
اقتباس
لا توجد سوى جامعتين أو ثلاث جامعات عربية فى قائمة أفضل 500 جامعة فى العالم، ولا توجد أى واحدة منها فى قائمة أفضل 200 جامعة.
شانتا ديفاراجان