• اعتاد علماء الأزهر والحركة الإسلامية ومن ينتمون للدين عامة عدم الكتابة عن زوجاتهم مهما كان عطاؤهن وبذلهن ودورهن العظيم فى حياتهم، وأرى ذلك منافيا، للفهم الصحيح للإسلام، قد يكتبون عن أمهاتهم وهذا جميل، ولكن الكتابة عن الزوجات المخلصات لا تقل أهمية عن الكتابة عن الأمهات، وهى صنوها فى الفائدة والقيمة، واليوم أكتب من هذا المنطلق عن زوجتى وأكتب لها وعنها.
• فى مثل هذه الأيام منذ ثلث قرن تقريبًا يسر الله لى أمر زواجى فى ظروف كانت صعبة وشاقة، لم أكن أملك يومها من حطام الدنيا شيئًا يذكر، كان كل ما يحيط بى يدعو للقلق من الارتباط بى ولم أكن أملك يومها سوى السمعة الطيبة.
• لم تطلب زوجتى منى ولا من أسرتى شيئًا، لم تشترط على شروطًا لا قليلة ولا كثيرة، لا مؤخر ولا مهر يذكر، شقة بسيطة جدًا، مستقبل غامض مملوء بالمخاطر، تزوجتنى لتقف إلى جوارى فقط ورضيت بأقل القليل.
• صبرت معى الصبر الجميل الذى لا شكوى فيه، عاشت معى البدايات الصعبة دون أن تشكو حالها لأحد أو تفصح عن متاعبها لأحد.
• كانت أصعب فتراتها معى الفترة التى قضيتها خلف القضبان، ضحت بكل شىء بغير حساب ولا منَّ، أعطت فلم تستبق شيئًا.
• احتاجت يومًا أن تفحص ابننا الصغير عند طبيب خاص فلم تجد أجره فباعت قرطها «الحلق» وفحصته واشترت له العلاج، كانت ضيفة دائمة بهم على المستشفيات العامة ولأنها كانت تعيش بالإسكندرية التى لم أعش بها ولم أتخرج من جامعاتها فلم تعرف أحدا من زملائى وأصدقائى من الأطباء الذين كانوا فى محافظات الصعيد، كانت طوابير المستشفيات العامة تمتد طويلًا ومنذ السابعة صباحًا فى برد الشتاء أو حر الصيف.
• لم تطلب يومًا من أسرتها أو أسرتى شيئًا أو تحدثهم عن متاعبها ومصاعبها، كانت تشترى كل شىء وقتها بالتقسيط الطعام، الملابس، والحياة تسير رغم ذلك سعيدة هانئة.
• تزوجت أنا والمرحوم عصام دربالة فى يوم واحد زوجتين شقيقتين.
• وجدت فى زوجتى كل ما آمل وأرجو فى المرأة الصالحة الرفيقة الرقيقة وزيادة، فقد ورثت أجمل الصفات عن والدها الصوفى الكبير المرحوم أبوالعباس الذى كان شيخًا للطريقة الصوفية فى منطقته وكان صوفيًا بحق، كان أحد رموز التسامح والرفق والعفو والصفح واللين، يترك حقه للآخرين، يزهد فى الدنيا، ويتغافل تغافل الصالحين ورثت عنه زوجتى التبتل والعبادة والقيام والصيام وكراهية الاختلاط الكثير.
• وجدت تكاملًا بينى وبين زوجتى فأنا قليل الصيام، نادر القيام، مشغول دائمًا بخدمة الناس والعيش مع آلامهم فضلًا عن الطب والكتابة، فأصبح كلانا يكمل شخصية الآخر.
• وورثت زوجتى من أمها قوة الإدارة والعزيمة فقد شاء الله أن تكمل حماتى شخصية زوجها الصوفى الزاهد فى الحياة لتبنى هى البيت وتدشن مشروعها التجارى، وهكذا أكملت حماتى أم طه شخصية زوجها الزاهد فى الحياة والمال.
• إننى أتذكر اليوم كلمة قالها لى اللواء علاء فتحى وكان يومها برتبة الرائد والمشرف على الأمن الوطنى بسجون طرة قال: لو أن كل واحد منكم صنع لزوجته تمثالًا لم يوفها حقها، كان الرجل حكيمًا منذ شبابه ورأى ما تكابده الزوجات من مشقات فى الزيارة وغيرها وخاصة حينما تضيق أحوال السجون وما أدراك ما تقلباتها، صدق الرجل الحكيم الذى كان من الأسباب الأولى لانطلاق شرارة مبادرة منع العنف.
• كانت ملابس أولادى فى الزيارات أجمل وأرقى الملابس، سألتها بعد خروجى عن ذلك فقالت: هو غيار واحد للخروج من نوع جيد، وكل من يراه يظننا أغنياء، وهو بالتقسيط مثل غيره.
• سنوات من العطاء المتقطع والأمل فى الله، لقد منحتنى الأمل المتجدد برضاها عن الله أولًا ثم رضاها عن كل ما قسمه الله لنا مهما كان بسيطا.
• كانت تنتظر جوائز السماء أن تنهال عليها يومًا ما جزاء هذا الكفاح النبيل، وقد كان وهطلت عليها جوائز السماء فلم تزدد إلا شكرًا لله وتواضعا للخلق وحبا للناس.
• حاولت أن أرد بعض جميلها الذى يطوق عنقى ولكن هيهات هيهات فهو أكبر من رد بعضه، لا المال ولا غيره يرد جميلها، فمثل هذه الوقفات أكبر من شكر البشر، إنها موكولة لله سبحانه وتعالى، تحية للمرأة المصرية عامة، ولزوجتى خاصة.