قراءة في تقرير صندوق النقد - محمد الهوارى - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 4:08 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قراءة في تقرير صندوق النقد

نشر فى : الجمعة 13 يناير 2023 - 7:25 م | آخر تحديث : الجمعة 13 يناير 2023 - 7:25 م
نشر صندوق النقد منذ أيام قليلة تقريره عن برنامج التمويل الجديد الخاص بجمهورية مصر العربية. وكمتخصصين فى مجال الاستثمار والتمويل الدولى ننظر لهذه التقارير بعين فاحصة تختلف عن رؤية غير المتخصص تساعدنا على قراءة واستنتاج ما وراء الكلام والأرقام. وسأحاول هنا تقديم قراءة مختصرة لأهم النقاط فى البيان والذى تكمن أهميته فى تقديمه صورة أكثر شفافية من الكثير من البيانات الرسمية. وأذكر القارئ أن ما أكتبه هنا هو تفسيرى وتحليلى كمتخصص ولا أدعى خلوه من احتمالات الخطأ.
أولا أثار انتباهى مؤخرا ومنذ حديث السيدة إيفانا فلادكوفا، المسئولة الأولى عن ملف مصر فى الصندوق، فى منتصف ديسمبر الماضى تخلى الصندوق عن بعض محاذيره الدبلوماسية فى التعامل مع البرامج الخاصة بالدول. فمثلا يحرص الصندوق دائما على أن يترك المجال للحكومة لإعلان أغلب تفاصيل الخطة الاقتصادية المزمع تنفيذها وذلك حتى تظهر الخطة وكأنها نتاج أفكار الحكومة وليست إملاءات من الصندوق. لكن هذه المرة نجد أن أغلب أخبار البرنامج تخرج من الصندوق وليس من الحكومة، ولا أعلم هل هذا بسبب صعوبة بعض البنود أم بسبب تعارض هذه البنود مع السياسات الاقتصادية التى انتهجتها الدولة فى السنوات الأخيرة، أم أن ذلك علامة على ضيق الصندوق من بعض تصريحات المسئولين مؤخرا والتى تتعارض مباشرة مع الأهداف المعلنة للبرنامج. فى كل الأحوال أجد هذه علامة مقلقة وقد تكون سببا من أسباب تأخر إتمام الاتفاق مع الصندوق. وفى لغة التقرير أيضا العديد من المواضع ذات اللهجة القاسية بالمقارنة بما اعتدناه من الصندوق فى الماضى والتى تبدو أحيانا وكأنها تعنيفا. كذلك أفرد الصندوق مساحات كبيرة لسرد المخاطر والتركيز عليها، ويعبر ذلك فى تقديرى عن إدراك الصندوق أن البرنامج يعكس تغيرا كبيرا فى الاتجاه الاقتصادى للدولة فى السنوات الأخيرة وتوقعه أن تلاقى هذه التغيرات مقاومة شديدة على عدة مستويات، رسمية وغير رسمية، وتخوفه من رضوخ صناع القرار لهذه الضغوط أو رغبتهم فى التمسك بالاتجاه الأصلى لإدارة الاقتصاد.
النقطة الثانية أن الصندوق أشار للحرب الروسية الأوكرانية كعامل ساعد على إظهار وبلورة اختلالات متراكمة فى الإدارة الاقتصادية مما يضحد مزاعم أن الحرب الروسية الأوكرانية أو حالة الاقتصاد العالمى هى السبب الأول وربما الوحيد فى المصاعب الاقتصادية التى يواجهها الاقتصاد المصرى حاليا. ويبدو لى أن بطء وتيرة البرنامج وتأخير النظر فى الحزمة الإضافية التى تساوى حوالى المليار وثلاثمائة مليون دولار إلى مارس القادم كآلية تهدف من جهة إلى تقليل زيادة حمل الدين الخارجى حيث يراها الصندوق تقترب من مستويات خطرة، ومن جهة أخرى التأكد من تنفيذ شروط البرنامج والجدول الزمنى الخاص بكل منها والتى اعتبرها الصندوق علامات طريق Milestones يتوجب تخطى كل منها بنجاح من أجل إنجاز البرنامج كله، مما يعكس أيضا إدراك الصندوق لتحديات تنفيذ البرنامج وصعوبته. ينعكس ذلك الإدراك أيضا فى أسلوب مراجعة علامات الطريق الذى ستتم مرتين فى السنة، وحتى رغبة الصندوق فى أن يتشاور مع الحكومة أو البنك المركزى عند تحقق بعض مخاطر التنفيذ؛ مثل هبوط صافى قيمة الأصول الأجنبية لدى البنوك المصرية بأكثر من مليارى دولار فى خلال ثلاثة أشهر.
النقطة الثالثة أن هذه قد تكون المرة الأولى التى يتجمع لدينا صورة شبه واضحة للفجوة التمويلية وطرق تمويلها المتوقعة. حيث أفرد الصندوق فقرة كاملة لتقديم هذه الحسابات التى تهم الكثيرين وأخص بالذكر هنا المستثمرين الأجانب والذين شهدنا ما أصابهم من تخبط فى الفترة السابقة انعكس بوضوح فى توقعات بنوك الاستثمار الأجنبية التى أثبتت فشلها تماما بسبب عدم الإلمام بمصر من ناحية ومن الناحية الأخرى عدم توافر معلومات وبيانات واضحة وموثوق بها. وركزت هذه الفقرة كما ركزت تقارير أخرى على أهمية الدعم الخليجى لمصر كحجر زاوية يعتمد عليه الاقتصاد للتعافى حيث أكدت الحكومات الخليجية على تجديد ودائعهم الدولارية لدى مصر حتى عام ٢٠٢٦ وهو عام نهاية البرنامج وكذلك توقع أن تتحول جزء من هذه الودائع إلى استثمارات.
النقطة الرابعة والأخيرة هى اهتمام الصندوق بإجراءات الشفافية على عدة مستويات. وبينما هذا البند يكاد يكون شبه متكرر فى أغلب برامج الصندوق مع الدول النامية لاحظت أن طلبات الصندوق هنا أكثر من مثيلاتها فى أغلب الدول الأخرى مما يعكس غياب أكثر للشفافية فى التعاملات الاقتصادية وهو ما نادينا به مرارا فى مقالات مختلفة لخلق بيئة أفضل للاستثمار المحلى أولا ثم الأجنبى.
أخيرا أقول أن دواء الصندوق المر قد يكون جزءا من الحل ولكن الحل يجب أن يكون رغبة حقيقية فى التغيير. مصر لديها قدرة كامنة أن تكون فى مصاف دول أقوى اقتصاديا ومن المحن تتولد الفرص فلنجعل هذه فرصتنا.
محمد الهوارى مدير صناديق استثمار دولية
التعليقات