التنمر بالصينيين والآسيويين! - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 8:12 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التنمر بالصينيين والآسيويين!

نشر فى : الخميس 13 فبراير 2020 - 9:00 م | آخر تحديث : الخميس 13 فبراير 2020 - 9:00 م

صحفى عربى كان يستقل طائرة من عاصمة عربية إلى أخرى. كان هناك بعض الركاب الصينيين. الزميل حينما نزل، كان لديه ما يقرب من اليقين بأنه سوف يصاب بفيروس كورونا، طالما أنه رأى الصينيين!!
ظللت أتجادل معه بأن مجرد التواجد مع صينيين فى مكان واحد، لا يعنى بالضرورة أن يصاب المرء بالفيروس. لكنه «دماغه كانت ناشفة» وأصر على وجهة نظره، ويحرص على قياس درجة حرارته كل يوم، خوفا من انتقال الفيروس إليه.
هذه الحمى التى أصابت الزميل، لم تكن حالة فردية، بل هى أقرب إلى الهستيريا التى ضربت العالم بأكمله ضد الصينيين وربما الآسيويين.
كنت أزور أبوظبى الأسبوع الماضى، لحضور التجمع الإعلامى العربى «من أجل الأخوة الإنسانية»، وهناك قابلت العديد من الزملاء الكتاب والصحفيين والإعلاميين، والقاسم المشترك أن كل زميل تقريبا، كان يقول إن مجموعة من الركاب الصينيين كانت معه على الطائرة، ويخشى أن ينتقل الفيروس إليه.
وقتها أدركت أن الأمر تعدى حدود الخوف إلى ما يشبه الوباء.
فى فيديو متداول على مواقع الإنترنت، رأيت شخصا، أعتقد أنه صينى، يقوم بالتجول فى العديد من الأماكن العامة خصوصا المزدحمة، وبمجرد أن يقوم بالعطس ينصرف الجميع، فيحصل هو على ما يريد من خدمات بصورة سريعة. فعل ذلك فى نادى للجيم، وفى المصعد وفى أحد المطاعم وفى السينما والمسرح.
الفيديو من الواضح أنه ساخر، لكنه يعبر عما يحدث فى العالم هذه الأيام، منذ اكتشاف هذا الفيروس اللعين.
كورونا أو «كوفيد ١٩» أظهر أن الروح العنصرية موجودة بصورة أو بأخرى لدى غالبية شعوب العالم، لا فارق بين دولة متقدمة وأخرى متخلفة، إلا فى الدرجة، بل إن هناك عنصرية مقترنة بجهل تجعل عددا لا بأس به من الناس، لا تستطيع التفرقة بين الصينى أو الكورى أو اليابانى، للدرجة التى دفعت البعض للقول إنها «فوبيا أو إرهاب العرق الأصفر»!
وبسبب النكات والتعليقات والمضايقات التى تواجه الصينيين والآسيويين وتسخر وتتهكم منهم وتتحاشى الاحتكاك بهم، لجأت مجموعة من الشباب ذوى الأصول الآسيوية إلى إطلاق هاشتاج «أنا لست فيروسا».
وقال مواطن فرنسى من أصول آسيوية.. كنت فى المترو متجها إلى العمل وجلست على المقعد، وكان الجالس بجوارى يتحرك عدة سنتيمترات، ولو كان بإمكانه التحرك بضعة أمتار لفعل، ثم غطى فمه بملابسه، لقد أصبت بصدمة وكنت عاجزا عن الكلام»!!
رئيسة جمعية الصينيين الفرنسية للشباب لاتينيا شيف، قالت: «لقد لاحظنا استيقاظا لعنصرية كامنة. كنا نعلم أنها موجودة، لكن يتم التعبير عنها اليوم من دون تحفظ عبر كلمات وسلوكيات غير محترمة ومهينة بل وعنصرية بشكل واضح».
صحيفة لو كوريار بيكارد الفرنسية أثارت غضبا عارما، حينما كتبت «إنذار أصفر»، وأرفقت العنوان مع صورة لامرأة صينية ترتدى قناعا واقيا، وهو ما أعاد للأذهان العبارات العنصرية القديمة التى تنظر لعادات الآسيويين وطعامهم، بأنها غير آمنة، وهو ما دفع الصحيفة للاعتذار.
ما حدث فى فرنسا تكرر فى العديد من البلدان مثل كندا ونيوزيلندا، وتداول مغردون تقارير تفيد بتعرض أطفال آسيويين للتنمر فى المدارس، ما دفع العديد من البلدان إلى تحذير مواطنيها من العنصرية بسبب كورونا. ربما هذا التنمر هو الذى دفع الصحفى البريطانى جون بلجر ــ الذى اشتهر بتغطيته لحرب فيتنام ــ للقول إنه تحت غطاء كورونا تشن أمريكا وحلفاؤها حربا ضد الصين، هو يستشهد بإصدار قرارات يراها عنصرية، بمنع السفر، وقيادة هستيريا إعلامية تثير المخاوف والمبالغات، ضد الفيروس بما يتناقض مع توجيهات منظمة الصحة العالمية.
فى تقدير بلجر ــ كما جاء فى صحيفة اربيان بيزنس ــ أن استجابة الصين لانتشار الفيروس كانت مثالية عكس وباء الإنفلونزا العادية الذى قتل عشرة آلاف فى الولايات المتحدة منذ أكتوبر الماضى، لكنه لم ينل التغطية الإعلامية التى يستحقها. هو يستشهد بصحيفة لوس أنجلوس تايمز التى تقول إنه بالنسبة للأمريكيين فإن تهديد الموت من الإنفلونزا، أكبر بكثير من تهديدات كورونا، تفسير ذلك أن كورونا فيروس مميت لكنه جديد، فيما الإنفلونزا فيروس مميت لكنه صار مألوفا.
طبعا هناك كتابات كثيرة تتحدث عن وجود مؤامرة غربية وراء فيروس كورونا. وهو أمر يصعب إثباته، خصوصا فى ظل الروايات الكثيرة التى تتحدث عن أن الصين كانت تعلم بالفيروس منذ بداية ديسمبر الماضى.
فى كل الأحوال علينا أن نتذكر أن تكنولوجيا المعلومات ووسائل التواصل الاجتماعى مثلما قربت المسافات والاتصالات، فهى أيضا زادت من المخاوف والفوبيا بل والعنصرية، بحيث صارت أيضا عالمية!

عماد الدين حسين  كاتب صحفي