سلامة فى خير - أحمد الصاوى - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 1:17 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سلامة فى خير

نشر فى : السبت 14 يوليه 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : السبت 14 يوليه 2012 - 8:00 ص

كقابض على جمر الضمير عاش، قال كلمته ومضى، هادئ وعاقل وواضح وشجاع، حين يكتب ويختلف وينتقد، وحين يرحل مغادرا العالم الذى تركه خلف ظهره ومضى، عاش سلامة أحمد سلامة فى خير، اكتسبه من سكينة ارتضاها، فمضى لا يحمل «بغضا» لأحد حتى لو سن قلمه فى انتقاده، ولا يحمل «ولها» بأحد حتى لو ذهب إلى مديحه، لم يكترث بالأشخاص قدر اكتراثه بالأفكار والأفعال، مارس دور الناقد السياسى ببراعة ونزاهة عززها باستقلال حقيقى عن ذهب السلطة، وشجاعة حقيقية فى مواجهة بطشها.

 

من قلب مناخ كان يعتقد أن «الخوف صبر.. والجمود عقل.. والتطور جنون.. والتجديد إلحاد.. والحرية كفر.. والتفكير جريمة.. والضعف نعمة.. والجُبن قيمة.. والشجاعة رذيلة.. والصمت حكمة.. والجهل فضيلة.. والتمرد زندقة.. والاختلاف خيانة.. والظلام نور.. والظلم عدل.. والطغيان قوة.. والإرهاب قانون.. والحكم إله.. والمرأة حيوان.. والشعب عبيد.. والتاريخ أسطورة.. والماضى مقدس.. والحاضر مقبول.. والمستقبل ملعون»، عاش سلامة أحمد سلامة يروج لكل شىء معكوس فى هذه المنظومة المشوهة من القيم التى سادت وتسيدت طوال العقود الثلاثة الأخيرة، ينتصر للحريات بكل معنى، ويبقى مخلصا لذلك، بعيد عن الاستقطاب السياسى، يمارس الكتابة باستقلال حقيقى، لا تحركه مصلحه، ولا يسقط فى إغواء منفعة، ولا ينتظر موقعا، ولا يخشى من خسارة، ولا تتبدل قناعاته بتبدل المواقف، أو بتغير المعطيات.

 

واجه السلطة بالزهد فيما لديها، وواجه زمن الفتن والتحولات بالثبات على المبدأ، دعا لحرية يستحقها الجميع، ولم ينزعج إذا ما رفعت ريح الحرية من يختلف معهم فى التفكير أو من يتخوف من طرائق تفكيرهم، انتصر لحقوق الإنسان، أى إنسان فى مصر أو فى العالم، أى كان جنسه ولونه ودينه، حارب التمييز والفساد وإهدار القانون، وعندما قامت الثورة لم يفكر لحظة فى الضفة التى يجب أن يقف عليها، كان تلقائيا على ضفة التغيير والحلم، فى ذات اللحظة التى أدرك فيها أن الوطن الذى بشر بقيمه فى العدالة والمساواة والحريات وحقوق الإنسان ومناهضة التمييز والديمقراطية وسيادة القانون، صار على مرمى البصر.

 

لكن الأستاذ سلامة رحل قبل أن يطمئن على وطن قطع شوطا فى الاتجاه الصحيح، لكن مازالت تهدده الانقسامات، فيما الأطراف كلها تتخوف من بعضها وتتحسب ويغرق الجميع فى استقطاب حاد تضيع وسطه كلمة العقل غير المتلونة بهوى السياسة وأمراضها، وغير المؤقتة باللحظة وأغراضها، فى هذه المحنة تحديدا التى سيطرت على كل شىء، وليس الصحافة فحسب، تجد الاحتياج لسلامة وكلمته النافذة المستمدة من صدقها واستقلالها وموضوعيتها وتجردها من الهوى والمصلحة، لكن السماء اختارت للرجل مكانا آخرا، ومنزلة أخرى، لكنها لم تأخذ سيرته، وتركتها ملهمة لكل من يريد أن يواصل هذا الدرب ويسير فيه.

 

اليوم سلامة فى خير، عاش متسقا مع ذاته وأفكاره، منصفا فى أحكامه، مخلصا لمهنته وللحقيقة، ومات غير حاقد على أحد، راضيا بقدره، تاركا لتلاميذه من كرامات الاستقلال ما يكفى لتطمئن به قلوبهم.  

أحمد الصاوى كاتب صحفي
التعليقات