المشاركة والمواطنة - جورج إسحق - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 11:26 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المشاركة والمواطنة

نشر فى : الجمعة 14 يونيو 2019 - 11:15 م | آخر تحديث : الجمعة 14 يونيو 2019 - 11:15 م

«المشاركة مدخل لبناء روح المواطنة»... هذا الشعار قمت بعمل برنامج حوله لمدة عشر سنوات فى الأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية التى تتكون من نحو 176 مدرسة تخدم نحو 150 ألف تلميذ فى كل الطبقات وفى جميع مدن مصر وقراها من بورسعيد إلى أسوان وكانت النتائج مبهرة يطول شرحها، من إصدار صحيفة غير دورية رئيس تحريرها تلميذ وأعضاء التحرير تلاميذ صغار وتوزع على تلاميذ هذه المدرسة. واستكمالا للمشروع كنا نقوم بعمل معسكرات صيفية فى فترة الإجازة بإشراك كل البنات والأولاد من المرحلة الابتدائية إلى المرحلة الثانوية، وكل هذه المعسكرات مشتركة فى كل سواحل مصر.

وفى هذه المؤتمرات يضعون هم استراتيجية العمل فى العام الدراسى المقبل والعمل على تأكيد فكرة المواطنة والحث على التطوع. ويتبلور ذلك كله فى مؤتمر فى إجازة نصف العام، هم يضعون محاور هذا المؤتمر ويدعون لمؤتمر صحفى ويديرون حوارا جادا حول المشكلات التى تواجههم فى مدارسهم من المناهج إلى المعلمين إلى الأنشطة. وفى آخر أيام المؤتمر يدعون وزاء التربية والتعليم ومنهم الدكتور حسين كامل بهاء الدين والدكتور أحمد جمال الدين اللذين كانا يحضران ويحاوران هؤلاء الطلبة وكانت تجربة ثرية للغاية، وأصبحت المدرسة بالنسبة لهم مكانا مشوقا وليس مكانا منفرا، وغالبية اللذين حضروا معى هذا البرنامج أصبحوا مشاركين وإيجابيين فى كل مجالات الحياة وشعروا بأنهم يعيشون فى وطن يستطيعون أن يقولوا بأن هذا الوطن هم شركاء فيه بشكل جيد دون ترديد أناشيد بكلام مكرر أو رفع شعارات، ولكن بالمشاركة الجادة. وهنا تظهر العلاقة بين ظاهرة التنشئة السياسية والمشاركة، فالتنشئة السياسية هى بمثابة الدافع الأساسى للفرد ودخوله فى الحياة السياسية فى مجتمعه.

ولذلك لا يمكن الحديث عن الديمقراطية دون التعرض للمشاركة السياسية لأفراد المجتمع، المشاركة بمعنى المشاركة الرسمية فى كل أنشطة المجتمع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والمشاركة الإيجابية الحرة فى اختيار اعضاء المجالس المحلية والنيابية بإرادة حرة وشفافية وواقعية. ولتحقيق المواطنة الحقيقية، يجب أن يكون من حق المواطن التصويت وتولى الوظائف العامة دون حساسيات الجنس أو اللون أو العقيدة، وإشراك المواطن فى عملية اتخاذ القرار.. ولذلك طالبنا ومازلنا نطالب بفتح المجال العام وإعطاء مزيد من الحريات للمواطنين وأيضا حرية الاجتماعات العامة والتواصل الحى بين المواطنين. وهنا نتطلع إلى عقد اجتماعى متمثل فى الدستور والقوانين التى نجتهد جميعا فى الحفاظ عليها. ولذلك نحن نحذر من نماذج معاصرة مثل ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية وأمريكا فى الستينيات الذين حاولوا حرمان المواطن من التعبير، ولكن هذه النماذج فشلت جميعا.

والمواطنة الإيجابية لا تقتصر على دراية المواطن بحقوقه وواجباته فقط، ولكن إتاحة الفرصة أمامه بممارسة هذه المواطنة بشخصية مستقلة قادرة.. وهذا لن يتم إلا بالتدريب منذ الصغر على أهمية المشاركة التى تعمل على تشكيل المواطن والتزاماته من خلال العملية التربوية والممارسة العملية فى إدارة شئون مجتمعه الصغير حتى يتدرج فيما بعد إلى المشاركة السياسية الواعية القادرة المعبرة عن نفسها، وليس هناك شك من أهمية المشاركة فى مؤسسات الدولة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، فالمشاركة تعطى مقومات جديدة فى العمل أيا كان وتدرب على قبول الخلافات والاختلافات. ويدفع هذا إلى تطوير المجتمع والاعتراف بالآخر المختلف مهما كانت عقائده أو معتقده.. هذا كله يؤدى إلى بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة. وهنا يأتى دور التعليم وهو المهم فى هذه المنظومة التى ضربت لها مثلا فى السابق من خلال التربية المدنية ومن خلال إطلاع الجيل الصغير على تجارب الآخرين فى العالم من خلال التعليم بالمشاركة لإطلاق الإبداعات التى شاهدتها فى التجربة التى ذكرتها فى بداية المقال، فتعليم النشء القيم الإنسانية فى كل مجال. فليس المفروض أن نحشو عقول النشء بمعلومات حول الكرامة والحرية والمساواة دون الاعتراف بحقوق الآخرين والإيمان بالقيم العليا لتنمية روح المواطنة، وتعريفهم بحقوقهم وتشجيعهم على المبادرات التى يتمنوها، وتعريفهم أيضا بالنظام السياسى فى مصر والمؤسسات المختلفة فى الدولة والمجتمع المدنى لأن كثيرا من الشباب لا يعرف ما هو دستوره وما يتضمنه وما الحقوق المكتسبة من خلاله.. ولذلك يجب أن نعرف الجيل الصغير والشباب بهذه المعلومات لأن معظم الآباء والأجداد لا يعلمون شيئا عن الدستور.. فالمستقبل وكل المستقبل لهذا النشء والشباب. ومن القيم الحاكمة التى يجب أن نعززها مكافحة التمييز وخصوصا ضد المرأة والفئات المهمشة والشباب ذوى الاحتياجات الخاصة.. لو كان عندنا برنامج لاحترام المرأة والحرص عليها لما رأينا حفلات التحرش التى يقوم بها صغار السن فى الشوارع وأيام الأعياد وكذلك يجب أن نعلمه الحفاظ على المصلحة العامة.

ولا يجب ترك النشء لوسائل الإعلام المغيبة والبرامج الدينية المتشددة التى تنشر الخرافات كما أنها ليس لديها معرفة بأصول الدين الحقيقية، ويجب توعيتهم بالقيم الدينية التى تضبط مواقفهم. وكما قال الدكتور مراد وهبه على سبيل المثال أن ابن رشد حى فى الغرب وميت فى الشرق ويجب أن نفتح عقول أبنائنا على أساتذة التنوير فى العالم وعدم وضع قيود على تفكيرهم أو الحد من أنشطتهم.. ولو قدرنا أن ننشر أفكار ابن رشد وعلى عبدالرازق ونجيب محفوظ ــ الذى كفره السلفيين الذين ينتشروا فى مجتمعاتنا بشكل غير مسبوق سيحدث فرق. وقيمة التعليم فى أن المدرسة تبادر بنشر هذه المعرفة وشرحها وتتبناها لبناء دولة ديمقراطية مدنية حديثة.

جورج إسحق  مسئول الاعلام بالامانة العامة للمدراس الكاثوليكية
التعليقات