أزمة الدول الكبرى فى إفريقيا لها جذور تاريخية - قضايا إفريقية - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 3:49 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أزمة الدول الكبرى فى إفريقيا لها جذور تاريخية

نشر فى : الأربعاء 14 يوليه 2021 - 8:05 م | آخر تحديث : الأربعاء 14 يوليه 2021 - 8:05 م

نشرت مجلة World Politics Review مقالا للكاتب هووارد فرينش يرى فيه مشكلة نشأة دول القارة الإفريقية من قبل القوى الاستعمارية التى نتج عنها خلق كيانات ليس لديها القدرة على تحقيق التنمية... نعرض منه ما يلى:

أعرب كل من الصحفيين والعلماء لعقود من الزمان عن أسفهم لأن حدود إفريقيا رسمت من قبل قوى خارجية، مع بدء ما سمى بالتنافس الأوروبى بين عام 1881 والحرب العالمية الأولى. لم تراع المستعمرات عند نشأتها الاختلافات الدينية واللغوية والسياسية للجماعات الإفريقية المختلفة، وبعد فترة نتج عن هذه المستعمرات دول إفريقية جديدة أجبر فيها الجميع فجأة على محاولة الانسجام وبناء جمهوريات مستقلة. المشكلة هنا ليست أن هذه الأحداث وقعت، ولكن المشكلة فى هذه الرواية هى أنها لا تسرد ما يعد التحدى الرئيسى أمام تنمية القارة.
مأساة إفريقيا الحقيقية أخطر وأبعد من مجرد رسم الحدود التى لا يقتنع بها حتى الآن مئات الملايين من الأفارقة. فالضرر الأعمق الذى تسبب فيه الأوروبيون كان ناتجا عن رغبتهم فى إنماء تجارتهم للعبيد، ثم غزو الممالك الإفريقية الراسخة والدول البدائية عمدا من أجل بناء إمبراطورياتهم العالمية المتنافسة.
منذ القرنين السادس عشر والسابع عشر، اجتاح أجزاء كثيرة من القارة الكثير من الفوضى وعمليات الغزو ومحاولات تدعيم الموقف السياسى من قبل قوى إقليمية ناشئة. تضمنت هذه الدول القادرة والطموحة على سبيل المثال لا الحصر أشانتى وبنين وربما الأكثر إثارة للاهتمام كانت الكونغو، التى أرسلت ممثلين إلى الفاتيكان ودبلوماسيين إلى البرازيل، وقاتلت إلى جانب الهولنديين لهزيمة البرتغاليين فى جميع أنحاء جنوب المحيط الأطلسى.
فى الواقع، لم تكن العمليات الأصلية لتشكيل الدولة فى إفريقيا مختلفة تماما عن تلك التى كانت موجودة فى أوروبا نفسها فى ذلك الوقت، ولولا خروجها عن مسارها بسبب الغزو الأوروبى والاضطراب والموت الناتج عن تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسى، لكان من الممكن تخيل قارة مختلفة اليوم. بدلا من إفريقيا المجزأة بشدة التى نراها على الخرائط المعاصرة؛ مع وجود العديد من الدول الصغيرة مثل غامبيا وتوغو، والعديد من الدول غير الساحلية، مثل النيجر وتشاد، فقد كان من الممكن أن تكون عالما ناتجا من قيام الدول الكبيرة نسبيا فى الحقبة القديمة بالتمدد تدريجيا وضم الشعوب المختلفة تحت راية واحدة، وربما تحت لغة أفريقية واحدة، مثلما حدث فى أوروبا.
إذا كانت هذه العمليات السياسية الداخلية استمرت دون اضطراب، فبدلا من وجود 54 دولة بعضها يعانى من سوء المناخ أو ندرة الموارد أو العزلة الجغرافية التى فرضت عليها حالة مستمرة من الضعف الاقتصادى أو فرض عليها الانقسامات بسبب الهوية التى تم تقنينها أو منحها المستعمرون الأوروبيون قوة قانونية، بدلا من هذا كان من الممكن تخيل قارة تضم على سبيل المثال 25 أو 35 دولة معظمهم متجانس وقابل للحياة اقتصاديا.
•••
التاريخ، للأسف، لم يمنح إفريقيا المساحة اللازمة للوصول إلى مثل هذه النتيجة. وكما تظهر أخبار القارة، فإن العديد من الحواجز الأخرى تقف على طريق إفريقيا نحو تنمية سياسية سليمة ومستقرة. تأتى الأخبار من إثيوبيا، التى، على عكس كل دول القارة الأخرى، شكلت إلى حد ما حدودها الخاصة. إثيوبيا هى المثال الإفريقى الوحيد لدولة إمبريالية ولدت محليا، وعلى الرغم من أنها تتجنب حاليا هوية الإمبراطوريات، إلا أن هذا النمط القديم للنظام السياسى يحدد صراعاتها المستمرة.
منذ الإطاحة بآخر إمبراطور إثيوبى، هيلا سيلاسى، فى عام 1974، جاءت الأنظمة وذهبت فى إثيوبيا، من ديكتاتورية ماركسية متشددة إلى دولة تنموية استبدادية يدعمها الغرب إلى ديمقراطية ليبرالية اسمية، مثل الحكومة الحالية. لكن فى كل من هذه الأنظمة، كافحت الدولة للاحتفاظ بالسيطرة على مجموعة متنوعة للغاية من السكان مع الاحتفاظ بأراضيها الشاسعة.
ومع ذلك، على الرغم من العمل لضمان بقاء المركز، إلا أن كل نظام قد خسر أرضا كبيرة. فى عهد ميليس زيناوى، الذى حكم من 1991 إلى 2012، اكتسبت إريتريا ــ وهى منطقة لها تاريخها فى الحكم الذاتى ــ اعترافا دوليا كدولة مستقلة فى عام 1993 بعد حرب مريرة استمرت ثلاثة عقود مع إثيوبيا. تحت حكم آبى نشب صراع أديس أبابا مع منطقة تيجراى وسكانها البالغ عددهم سبعة ملايين نسمة، ويناضل قادة إثيوبيا من أجل السيطرة على الوضع. بلغ الأمر ذروته بداية الشهر الحالى بهزيمة القوات الإثيوبية، التى تعد من أكبر الجيوش فى إفريقيا، من قبل مقاتلى التيجراى واستعراضهم فى مسيرة مهينة كأسرى فى العاصمة الإقليمية ميكيلى. هذا بالطبع لن يكون الحدث الأخير فى الأزمة.. فهل سيتطور المأزق الحالى بين تيجراى وإثيوبيا إلى حرب أهلية ومحاولة للانفصال؟ أم هل ستقرر المكونات الأخرى لهذه الإمبراطورية أن تستقل سواء كانت أمهرة جيدة التسليح فى غرب البلاد، أو شعوب أقصى الجنوب التى تم إهمالها لفترة طويلة سياسيا واقتصاديا؟
•••
يتحدث مستقبل إثيوبيا غير المؤكد عن التحدى الأكبر الذى تواجهه إفريقيا اليوم؛ أزمة الدول الأفريقية الكبرى، والتى يعمل القليل منها بشكل جيد، ويتأرجح بعضها وعلى وشك الفشل. يعيش ما يقرب من 600 مليون شخص، أو ما يقرب من نصف سكان القارة السمراء، فى دولها الخمس الأكثر اكتظاظا بالسكان: نيجيريا وإثيوبيا ومصر وجمهورية الكونغو الديمقراطية وجنوب إفريقيا. ولكن فى نمط وجد فى مرحلة ما بعد الاستقلال، والذى انطلق فى بداية الستينيات، كانت معظم النقاط المضيئة فى القارةــ سواء لقصصهم السياسية الإخبارية الجيدة (على سبيل المثال الديمقراطية فى غانا) أو النمو الاقتصادى (على سبيل المثال رواندا) ــ دول صغيرة فى القارة ذات تأثير محدود على الثروة الإجمالية للقارة. وعلى النقيض، فإن العثور على الوصفة الصحيحة لإثيوبيا، أو وضع الكونغو أو نيجيريا على المسار السليم، سيساعد فى تحسين مناطق فرعية بأكملها، ومن ثم القارة ككل.
فاجأ آبى أحمد الإثيوبيين والعالم بأسره عندما أطلق سراح سجناء سياسيين وخفف من ضوابط الدولة البوليسية عند توليه السلطة، لكنه يعيد سلطوية الدولة مرة أخرى، ومن المفارقات أنه يتحرك فى هذا الاتجاه بعد حصوله على واحدة من أعظم الجوائز فى العالم الغربى، جائزة نوبل للسلام، فى عام 2019. يقال إن والدته أخبرته أنه سيكون حاكما عظيما ذات يوم. لكن كونك حاكما عظيما فى بلد مجزأ ومعقد مثل إثيوبيا قد يتطلب التخلى عن بعض الرغبة التقليدية فى السيطرة. لقد انقضت لحظة الإمبراطوريات، ويبدو أن الخيار الذى يلوح فى الأفق اليوم هو فدرالية تنقل المزيد من السلطة إلى مناطقها فى ظل آليات أكثر ديمقراطيةــ أو تفكك أوسع للبلاد إلى الأجزاء المكونة للمملكة القديمة.

إعداد: ابتهال أحمد عبدالغنى
النص الأصلى هنا

التعليقات