الثورة والمسئولية - أحمد يوسف أحمد - بوابة الشروق
الإثنين 6 مايو 2024 5:59 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الثورة والمسئولية

نشر فى : الخميس 15 سبتمبر 2011 - 9:00 ص | آخر تحديث : الخميس 15 سبتمبر 2011 - 9:00 ص

عندما بدأ الإعداد لجمعة «تصحيح المسار» بدأ القلق ينتابنى، ليس لأن «المسار» لا يحتاج تصحيحا، وليس لأنه لا قيمة للتجمعات الجماهيرية فى الضغط من أجل قرارات مطلوبة، ولكن لأن أيام «الجُمع» أصبحت مناسبات لتذكيرنا بانقسام قوى الثورة بين مدنى ودينى، ثم بين عشرات الائتلافات التى لم يعد المرء يعرف لها أولا من آخر، ومن ثم فإنه لا تصحيح ممكنا للمسار فى ظل الانقسام.

 

 كذلك فإنه من المذهل أن الداعين للمسيرة لا يبدو أنهم توقفوا طويلا أمام احتمال تضارب التوجهات والسلوك داخل فعاليات «الجمعة»، مع أنها ظاهرة يعرفها كل من شارك ولو فى عدد قليل من المظاهرات، ولو كان الداعون قد فطنوا لذلك فى حينه لربما تحسبوا له وأنقذوا الثورة والوطن مما وقع يوم «تصحيح المسار». وعندما وقعت أحداث مباراة «الأهلى وكيما» فى استاد القاهرة ازداد توجسى، فقد شهدت فى نهايتها صداما عنيفا بين قوات الشرطة وقطاعات من «التراس» الأهلى أدت إلى إصابات عديدة فى صفوفهم جميعا، وتحطيم معدات للشرطة وممتلكات لمواطنين لا ذنب لهم، ناهيك عن قطع الطريق، وكان بمقدور أى عاقل أن يعرف أن أحداثا كهذه لابد وأن تنعكس تداعياتها على جمعة «تصحيح المسار» لدرجة أننى توقعت أن يبادر الداعون إليها بتأجيلها تجنبا لمزيد من  توتير الأجواء.

 

●●●

 

ثم كانت الجمعة بأهدافها المشروعة ونهايتها الدامية التى لا يمكن أن يكون الثوار الحقيقيون ضالعين فيها، والتى لم أتصور رغم توجسى المبكر أن الأمور يمكن أن تصل فيها إلى هذا الحد. وأتوقف هنا عند حدثين: أما الحدث الأول فهو محاولة اقتحام وزارة الداخلية، وتحطيم شعارها، وكتابة بعض العبارات البذيئة على جدرانها، والشعارات السياسية المراهقة والمرفوضة مثل «يسقط المشير»، و«لا لمجلس الخونة». الخونة؟ أإلى هذا الحد ضلنا طريقنا فلم نعد نفرق بين الخطأ والخيانة؟ وهل يصل بنا الحال إلى وصف من حسموا الأمور لصالح الثورة بالخيانة مهما كانت أخطاؤهم اللاحقة؟ لكن العجب قد يزول عندما تشاهد «الجماهير» التى قامت بهذه الأعمال: مجموعة محدودة من الصبية الصغار الذين لا أريد أن أسىء إليهم بأكثر من القول إنهم لا يمكن أن يكونوا منتسبين إلى معسكر الثورة.

 

أما الحدث الثانى فهو مهاجمة السفارة الإسرائيلية على النحو الذى تابعناه جميعا، وموقف كاتب هذه السطور من إسرائيل والمعاهدة بينها وبين مصر معروف، ولا شك أن التظاهرات السلمية الحاشدة والغاضبة أمام السفارة مطلوبة لإرسال رسالة قوية وواضحة لكل من يهمه الأمر، وهى أن التحسب لغضبة الرأى العام المصرى قد آن أوانه، غير أن وقائع الهجوم تحتاج إلى وقفة مؤلمة مع النفس.

 

 هناك أولا من قاموا بهذا العمل الذين لم أر بينهم وجها مألوفا من وجوه الثوار، والذين لم يقدروا أنهم يلحقون بعملهم هذا ضررا بالغا بمصر بإظهارها دولة غير قادرة على الوفاء بالتزاماتها الدولية، وتخفيف الضغط على إسرائيل الذى تولد فى أعقاب جريمتها الأخيرة على الحدود المصرية. وهناك ثانيا الحالة الانفعالية المراهقة التى تردد فيها حديث الحرب مع إسرائيل وكأنه مواجهة بين قوات الأمن المركزى ومجموعة من المتظاهرين، والمزايدات بأن الحرب مع إسرائيل سوف تكون «بأذرعتنا وأيدينا»، وقد سبق أن حذرت من أن هذه الأمور الاستراتيجية لا يجب أن تترك للشارع السياسى وحده، ثم هناك ثالثا حالة الانفلات العشوائى لهذه «الجماهير» التى هاجمت لاحقا مديرية أمن الجيزة فالسفارة السعودية دونما هدف سوى التخريب، لأنه كان ممكنا الاكتفاء بالحشد الجماهيرى ورفع الشعارات وترديد الهتافات بما يوصل الرسالة المطلوبة.

 

●●●

 

هكذا تحولت جمعة «تصحيح المسار» إلى جمعة حاول مشاركون فيها «تخريب المسار». فمن المسئول عما حدث؟ هناك أولا الداعون «للجمعة» لأنهم لم يحسنوا تنظيمها، ولم يتحسبوا لاحتمالاتها المختلفة، والأخطر من ذلك أن يكون هؤلاء غير قادرين أصلا على التنظيم المحكم لهذه التجمعات الحاشدة. وهناك ثانيا مسئولية مؤسسات الحكم التى بدا سلوكها غريبا من العنف الزائد فى أعقاب المباراة إلى الغياب التام يوم الجمعة عن مسرح الأحداث. صحيح أن للغياب مزايا تفادى الصدام المحتمل مع المتظاهرين، ولكن عيوبه واضحة، فوزارة الداخلية ــ بغض النظر عن رأينا فى وزيرها وسياستها وأدائها ــ رمز من رموز سيادة الدولة، وامتهانها قضاء على البقية الباقية من الدولة المصرية، والدفاع عنها مطلوب فى كل الأحيان، وهو دفاع مشروع عن النفس. ويدخل فى مسئولية مؤسسات الحكم أيضا غياب الخطاب القيادى المؤثر فى الجماهير لتنبيهها إلى مغبة ما يمكن أن يحدث، والتلويح بمواقف صارمة من المخلين بالأمن.

 

 وهناك ثالثا مسئولية عديد من وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية التى «هللت» للجمعة قبل حدوثها دون أى تحفظ أو تحذير من احتمالات معينة يجب التحسب لها، بل إنها ظهرت عقب الأحداث الدامية لليل الجمعة بروايات متعاطفة مع كل ما حدث بحلوه ومره. وفى اليوم التالى اكتفت بعض الصحف بوصف ما وقع، فيما اعتبره البعض الآخر «عودة للروح» للثورة المصرية مع أن نهاية جمعة «تصحيح المسار» كادت تزهق روح هذه الثورة. ومن الواضح أن هذه الحالات تؤكد درجة عالية من درجات المزايدة على الثورة لدرجة القول عقب أحداث مباراة الأهلى وكيما بأن ما فعلته الجماهير «أمر عادى» فلماذا هذه العصبية الزائدة من قوات الأمن (!) والإشادة بالدور الثورى «للألتراس». هكذا هانت أقدارنا حتى اعتبرنا هذه المجموعات المتعصبة فرسانا للثورة. وهناك رابعا «طعم الفلول» فى مذاق كل ما يجرى، فما الذى يدفع أولئك الضباط من شاهدى الإثبات فى محاكمة مبارك إلى تغيير أقوالهم التى أدلوا بها فى تحقيق النيابة العامة أمام المحكمة؟ ولماذا استمرار المعاملة المتميزة «لكبار المتهمين» عند خروجهم «أحرارا» من مبنى المحكمة ليقابلوا بالسلامات والابتسامات؟ ومن المسئول عن التجمعات المحدودة من أنصار مبارك التى دأبت على الحضور فى أيام محاكمته للاعتراض عليها والاعتداء على مختصمى مبارك فى حضرة رجال الأمن دون أن نسمع أن أحدهم قد اعتقل لنعرف من يقف وراءه؟ ومن المسئول كذلك عن حضورهم «السياسى» فى المحاكمة «مدججين» بالشعارات والصور؟ وهى فى حدود ما أعلم واقعة غير مسبوقة. وألا يمكن أن يكون هناك من حرض قطاعا من جماهير الأهلى على أن تفعل ما فعلت، وزج بالصبية الصغار والبلطجية فى أوساط الثوار ليفعلوا ما فعلوا فى جمعة «تصحيح المسار»؟ وألا يكون ما يجمع كل ما سبق هو «فلول» النظام الذى أسقطته الثورة معززة ــ أى هذه الفلول ــ بدعم خارجى؟ ومن عجب أنه على كثرة ما وقع من أحداث لم نصادف تحقيقا ولم نعرف من فعل هذا ومن حرض عليه.

 

●●●

 

لقد صارت مواجهة هذا الواقع المخيف ضرورة من ضرورات بقاء الثورة، وهو واقع لم تخلقه جمعة «تصحيح المسار» وإنما فرض نفسه عليها، وقضية المواجهة هذه تستحق وقفة طويلة مع النفس وإمعانا للنظر. وإلى أن يحدث هذا أناشد القوى الحقيقية للثورة أن تتوقف عن الدعوة «لجمع» جديدة، وأن تتدارس فيما بينها ما آلت إليه الأمور فى مصر وسبل إنقاذ ثورتها بما يحافظ على طابعها السلمى ويجنب الوطن مزيدا من التعثر. حمى الله الثورة المصرية وسلاما على أبنائها المخلصين. 

أحمد يوسف أحمد أستاذ العلوم السياسية بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وعميد معهد الدراسات العربية