جائزة نوبل - إكرام لمعي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 2:41 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

جائزة نوبل

نشر فى : الجمعة 14 أكتوبر 2022 - 7:25 م | آخر تحديث : الجمعة 14 أكتوبر 2022 - 7:25 م

جاءت فكرة جائزة نوبل للسلام لرجل الصناعة السويدى ألفريد نوبل، ذلك الرجل الذى انزعج من اختراعه للديناميت، حيث أيقن بحدسه أنه ستكون إحدى استخداماته قتل الإنسان لأخيه الإنسان، وهكذا خصص جائزة سنوية فى وصيته فى ٢٧ نوفمبر 1895، وبالتالى خُصصت جوائز نوبل فى مجالات أخرى، وتعتبر جوائز نوبل من أكثر الجوائز المرموقة الممنوحة فى مجالات تخصصها.
من هنا أنشأ البنك المركزى السويدى جائزة تستند إلى تبرع تلقاه من مؤسسة نوبل عام ١٩٦٨م بمناسبة الذكرى الثلاثمائة للبنك. وقد مُنحت الجائزة الأولى فى العلوم الاقتصادية عام ١٩٦٩م من قبل الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم وفقا لنفس الأسس المتبعة فى منح جوائز نوبل منذ عام ١٩٠١م.
وبما أن الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم تمنح جائزة نوبل فى الكيمياء، وجائزة وفى الفيزياء، وفى العلوم الاقتصادية، هكذا تمنح جمعية نوبل فى معهد كارولينسكا جائزة نوبل فى علم وظائف الأعضاء أو الطب، وتمنح الأكاديمية السويدية جائزة نوبل فى الأدب، وجائزة نوبل للسلام.
بين عام١٩٠١م و٢٠١٩م، مُنحت جوائز نوبل (وجوائز العلوم الاقتصادية من عام ١٩٦٩م فصاعدا) ٥٩٧ مرة إلى ٩٥٠ شخصا ومنظمة. مع حصول البعض على جائزة نوبل أكثر من مرة، فإن هذا يجعل إجمالى الحاصلين على جائزة نوبل ٢٧ منظمة و٩٠٨ أفراد. وتقام احتفالات توزيع الجوائز سنويا فى مدينة ستوكهولم، السويد (باستثناء حفل جائزة نوبل للسلام، الذى يقام فى مدينة أوسلو النرويج).
يحصل كل مستلم ومستلمة (يُعَرف باسم «لوريت» (laureate) أى بمعنى الحائز على الجائزة) على ميدالية ذهبية وشهادة ومبلغ من المال تحدده مؤسسة نوبل. (اعتبارا من عام ٢٢م، تبلغ قيمة كل جائزة ٩ ملايين كرونة سويدية، أو نحو ٩٣٥,٣٦٦ دولارا أمريكيا أو ٨٤٨,٦٧٨ يورو أو ٧١٦,٢٢٤ جنيها إسترلينيا). وكانت الميداليات التى قٌدمت قبل عام١٩٨٠م تُصك بذهب عيار ٢٣ قيراطا، أما اليوم فتُصنع الميداليات بالذهب الأخضر عيار ١٨ قيراطا مطلى بذهب عيار ٢٤ قيراطا.
لا تُمنح الجائزة بعد الوفاة؛ ومع ذلك، إذا حصل شخص على جائزة وتوفى قبل استلامها، فقد تظل الجائزة مقدمة له، كما لا يتم تقاسم الجائزة بين أكثر من ثلاثة أفراد، على الرغم من أنه يمكن منح جائزة نوبل للسلام لمنظمات تضم أكثر من ثلاثة أشخاص، ولا يتم الإعلان عن المرشحين السابقين والذين لم يتم اختيارهم لنيل الجائزة إلا بعد مرور خمسين عاما من تاريخ ترشحهم.
• • •
فى كل عام تثار التكهنات على مستوى العالم من ناحية وبين المثقفين والمثقفات من الناحية الأخرى للإجابة على سؤال: من يا ترى سوف يحصل على جائزة نوبل فى العلوم، أشهر جائزة علمية عالمية؟ وهكذا تتجه معظم التكهنات إلى العلماء الذين طوروا لقاحات «الرنا مرسال» (mRNA) والتى استخدمت على نطاق واسع فى جانب «كوفيد ١٩»، لكن وقعت المفاجأة الكبرى حيث فوجئت الجماهير المهتمة بهذه الجائزة العلمية العالمية الفريدة، أن (الجائزة) ذهبت إلى العالم السويدى سفانتى بابو، وذلك لاكتشافاته فى التطور البشرى، حيث قدم رؤى أساسية لنظام المناعة عند الإنسان، والذى يجعلنا كبشر متفردين مقارنة بأبناء عمومتنا وبأجدادنا المنقرضين، من الأجناس البشرية، وتستند التكهنات والتوقعات دائما إلى وصية مؤسس الجائزة ألفريد نوبل، الذى أوصى بأن تُمنح الجائزة إلى أولئك الذين يقدمون أكبر فائدة للبشرية خلال العام السابق، لكن لجنة الجائزة ومعظمهم من العلماء تُفضل دوما التأكد من صمود الاختراقات العلمية أمام اختبار الزمن، وما أدراك ــ عزيزى القارئ/عزيزتى القارئة ــ بالاختراقات العلمية، لذلك دائما ما تأتى الجوائز من خارج نتاج التوقعات على مستوى العالم، وهو ما حدث فى عامنا الحالى مع العالم السويدى سفانتى بابو، ذلك الابن الذى سبق لوالده العالم سون بيير غتروم son beer gatrom أن حصل على الجائزة عام ١٩٨٢م، وهكذا أصبحا أول أب ونجله (ابنه) يحصلان عليها فى فرع الطب، وأهمية هذه الجائزة هى أنها تُشبع رغبة البشر فى التعرف على أصولهم، والإجابة على تساؤلاتهم مثل: ما هى علاقتنا كبشر اليوم بمن سبقنا من البشر؟! وما الذى يجعلنا مختلفين عن أشباه البشر الآخرين؟!
تقول لجنة «جائزة نوبل» فى بيانها الصادر هذا العام فى الإثنين ٣ أكتوبر ٢٠٢٢م «إن بابو استطاع من خلال بحثه الرائد تحقيق شىء يبدو مستحيلا، حيث قدمت أبحاثه بحلول نهاية التسعينيات، أن الجينوم البشرى بأكمله تقريبا قد تسلسل ــ مما أدى إلى إجراء دراسات للعلاقة الجينية الوراثية ــ بين مختلف المجموعات البشرية (أبيض ــ أسود ــ أصفر.. إلخ)، ومع ذلك فإن دراسة العلاقة بين البشر الحاليين والسابقين تتطلب تسلسل الحمض النووى الذى هو الأصل الذى خلقنا به الله».
• • •
فى عام ١٩٩٠م عُين بابو فى جامعة ميونخ، حيث واصل عمله أستاذا، وعين حديثا فى مجال الحمض النووى الذى يُقدم معلومات عن أصول الإنسان التاريخية، وهكذا أصبح بإمكان بابو ومساعديه وتلاميذه التحقيق فى العلاقة بين الإنسان المعاصر وما قبله فى أماكن مختلفة ومتعددة من الكرة الأرضية، وأظهرت الأبحاث أن الإنسان تزاوج وتعايش سواء كان من أصل أوروبى أو آسيوى أو إفريقى، وأظهرت المقارنات مع متواليات من البشر المعاصرين من أجزاء مختلفة من العالم، أن تدفق الجينات قد حدث أيضا بين نوعيات كثيرة من البشر (أوروبي ــ آسيوي ــ إفريقي.. إلخ) عبر التاريخ الإنسانى الطويل الأمد، وهكذا بفضل اكتشاف هذا العالم الفذ بابو أصبحنا نفهم الآن أن التسلسلات الجينية القديمة من البشر تؤثر بالطبع فى تكوين البشر الحاليين فى الوقت الحاضر (أبيض ــ أسود ــ أصفر ــ ... إلخ)، والأمثلة على ذلك كثيرة، فأهل التبت الذين يعيشون على الجبال المرتفعة الشاهقة لا يستطيع إنسان الوادى (نظيرنا) أن يعيش فيها لزمن طويل، ومن الناحية الأخرى وجد العلماء أن هناك جينات للإنسان البدائى تؤثر على استجابتهم المناعية لأنواع مختلفة من العدوى... وهكذا.
هذه المعلومات لا تؤثر إطلاقا بالسلب فيما هو وارد فى الكتب المقدسة، فالله خلق العالم بحكمة فائقة (الأبيض ــ الأسود ــ الأصفر... إلخ)، وكل نوعية إنسانية من هؤلاء يعيش فى مناخ يتلاءم معه لكنهم جميعا، رغم اختلاف الألوان واللغات والعادات والتقاليد وبدون استثناء، يولدون كبشر بنفس نظام الخليقة التى صنعها وأبدعها الله (رجل وامرأة ــ ذكر وأنثى) مع اختلاف اللون والحضارة واللغة، وجميعهم يتطلعون بالفطرة بحثا عن أصولهم ومصدرهم، وأيضا يتطلعون للقوة الخارقة التى أوجدتهم وقامت بحمايتهم رغم الأخطار الشديدة سواء من الطبيعة (زلازل ــ براكين ــ فيضانات ــ حروب ــ وحوش ــ... إلخ) ووضعت فيهم العقل القادر على أن يحفظهم كبشر ليتناسلوا ويعتنوا بنسلهم ويحفظوا أنفسهم من البراكين والفيضانات والوحوش والزحافات... إلخ، بل صنعوا مع الزمن حضارات واخترعوا من يسهل عليهم الحياة والمسافات برا وبحرا وجوا، وفى حالتنا هذه تعارف أصل الكرة الأرضية جمعاء من خلال الإذاعة والتلفزيون والقمر الصناعى والصعود للقمر والمجرات واختراق الفضاء وهناك آمال لسكنى الإنسان الفضاء والحياة على الكواكب الأخرى، ونحن لا نعلم ما الذى ينتظر الإنسان فى المستقبل القريب أو البعيد، إلا أننا نستطيع القول إنه مع مرور الوقت لآلاف السنين أو ملايينها ومع الاكتشافات العلمية العظيمة من غزو الفضاء واكتشاف البحار وما وراء الأكمة هذا فضلا عن تطلعات الإنسان للحياة على الكواكب الأخرى، وغرس الحضارة الإنسانية فى كل ركن من العالم الذى نعرفه والذى لم نعرفه بعد، فإن الأجيال القادمة ستكون أفضل وأرقى علميا وفكريا وجسديا وقدرة على الحياة الأطول عمرا والأفضل نوعية، وذلك لأن الله الذى نعبده يعرفنا ويعرف حدودنا وبدايتنا ونهايتنا... إلخ. لكننا نحن معرفتنا محدودة سواء فى الزمان أو المكان أو الإنسان لكننا ونحن على الطريق يزيدنا الله من خلال البشر الفاهمين العلماء فى كل مناحى الحياة فهما ومعرفة وإدراكا له أولا ولأنفسنا ثانيا ومن حولنا أخيرا ومستقبلا.

إكرام لمعي  أستاذ مقارنة الأديان
التعليقات