سمر فى (مكان) - خولة مطر - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 12:54 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سمر فى (مكان)

نشر فى : الثلاثاء 15 مايو 2012 - 8:35 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 15 مايو 2012 - 8:35 ص

فى مكان هو «مكان».. على بعد خطوتين من «بيت الأمة» هناك حيث للتاريخ مذاق اخر تسامر الثوار العرب او هكذا أعلنوا أنها ليلة تحمل عنوان «سمر مع الثورة».. اتشح المكان بالبساطة ربما ليكون هو الاخر شبيها بالثورة الاولى عندما تصدت الصدور العارية لخراطيم المياه وطلقات الرصاص الحى! وبعدها وقبل أن يسكت دوى «الشعب يريد» سال الدم الزكى لتغتسل شوارع وطرق المدن استعدادا للعيد القادم ولو بعد حين!

 

تبحث عن «المكان» لتجد بوابة صغيرة ما ان تحملك قدماك إلى الداخل حتى ترى كيف تحولت ما يقال إنها كانت مطبعة إلى حضن بدفء ساكنى هذا الفضاء المحدود.. كل شىء يتماهى ببساطته، الجدران العارية الا من صور لوجوه لفحتها أشعة شمس النوبة.. مائدة صغيرة رصت فوقها كتيبات وأشرطة مدمجة لموسيقى وغناء لم يدخلا سباق الاستهلاك فى محال الاشرطة الهابطة.. وكتب تسرد حكايات هى الاخرى مختلفة.. شباب وشابات من مختلف بقاع الارض.. كلهم شوق لجلسة سمر مع الثورة.. كلهم فى انتظار سماع تفاصيل الأيام والليالى التى لم تكتب بعد أو ربما حشرت فى مقالة تحليلية مطولة.. هنا فى «المكان» لم تتحول الثورة إلى سلعة بعد ولا شبابها إلى الكلمة «الموضة» بمعنى أن تضع الشباب والثورة فى جملة فتفوز بالقلوب والجيوب معا.. لم تصبح الثورة ولا شبابها وشيخوها مادة دسمة لأحاديث التلفزة الممجوجة ولا هى السلم الذى يتسلقه كثير من المتسلقين.. هنا الشباب احتضن نقاءه ووزع ثورته ولحظاتها بالتساوى على قلوبهم.. فى «سمر مع الثورة» لم تكن الثورة يوتوبيا الكمال والخلاص.. رغم أن «المكان» ليس بعيدا عن قلب الثورة الا انه فضل ان يسمع الرواة عراة كما ولدتهم أمهاتهم.. عراة من الخوف والوجع!

 

 

●●●

 

لحظات ونبدأ.. اعلنوا.. جلس الثلاثة فى اليوم الأول لـ«سمر مع الثورة» فى مواجهة جمهور بدأ يستعد للاستماع بكل حواسه، بعضهم جلس على كرسى صغير وآخرون افترشوا الأرض وكأنها جلسة حميمية فى غرفة المعيشة ببيت العائلة الكبير ذاك الذى بقى يتسع لهم جميعا ولزوارهم.. بخاصرة القاعة المتواضعة سلم إلى القسم العلوى من «المكان» تسلقه بعض الشباب وراحوا يطلون برؤوسهم من الأعلى شغوفين منتظرين سماع حكايات وقصص..

 

هو بعض الانتظار المصاحب لكل فعالية فهذا أمر لم تغيره الثورة ربما عندما تقوم الثورة الثانية سيكون للوقت مكانته ورونقه أيضا ونعيد تكرار تلك التى علمونا اياها بعد اقرأ واكتب وارسم، هو الوقت الذى كان كالسيف فأصبح قطعة من البلاستيك رديئة الصنع.. هى دقائق امتدت بعض الشىء لم يبدد طولها سوى هم الثلاثة الذين بدأوا فى سرد قصتهم معها.. الأول الطبيب الذى جاء من تلك الجزيرة الصغيرة حمل ملح بحرها وخزن بلحها فى جيوبه، راح فى صوت لا يخلو من حميمية ودفء أهلها.. أهل جزيرته تلك، يبدأ رواية لم تكتمل بعد ولكنها بدأت قبل الثورة، هناك من غزة إلى حيث اللؤلؤة كما يطلق عليها أهله «الدانة».. سرد كأى راو متمكن، هنا وقفنا، هنا عالجنا الجرحى وهنا التحفنا السماء وهناك كان الدم هو العنوان.. كانت عيناه ترويان القصة كاملة كما لسانه.. لم يتوقف لحظة، لم يأخذ نفسه الا عندما اتكأ على جرحه أو ربما نكئه.. هل تشافى الجرح بعد؟ كانت ابتسامته الحزينة هى الاكثر تعبيرا وكأنه يقول «ما زال الجرح يسكننى وهو ليس جرحى وحدى بل جرحنا كلنا»..أخذ بيدنا وادخلنا صدره غرفة، غرفة كلما فتح باب احداها دخل الاكسجين إلى الرئة بقوة فانتشى.. راح يسرع بعض الشئ ليشرع ابواب غرف صدره فيخرج كل نور الشمس المخزون فيها.. وبعد الباب الأخير توقف مبتسما وشاكرا أيضا لأنكم، أى الحاضرين المتعطشين لسماعه، قد قدمتم له حضوركم وصبركم واصغائكم هدية.. توالت الحواديت من مدن البن واللبان حيث كان أن تعرت تلك الثورة أمام عيون المشاهدين والمراقبين للمرة الأولى فتحت تلك السيدة صدرها أيضا وكأنها قد عرفت انه ليس من بين الحضور من سيزدرى نقدها او يخرج الخجر من غمده لأنها وهى الانثى فى بلد الذكورة المغمسة بالسلاح والدم، تجرأت فقالت ما لم يقولوه هم.. هى قالت إن فرحتنا لم تكتمل وكررت دون ان تستخدم نفس الكلمات والتعابير «لقد سرقوا ثورتنا»! فى كلماتها شىء من الحسرة وكثير من الخوف على ذاك الطفل الوليد.. عندما سكتت عن الكلام المباح جاء دور المتحدث الثالث... وما هى الا سويعات وانهمرت الأسئلة على الثلاثة، فالكل مشتاق لمعرفة تضاريس الثورات.

خولة مطر  كاتبة صحفية من البحرين
التعليقات