كان النوم طويلا وعميقًا - بسمة عبد العزيز - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 3:07 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كان النوم طويلا وعميقًا

نشر فى : السبت 16 مارس 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : السبت 16 مارس 2013 - 8:00 ص

بدأت المقالة التى نشرتها مجلة الإيكونوميست البريطانية فى نهاية شهر يناير الماضى، بجملة قصيرة تقول «كان النوم طويلا وعميقا». ليست الجملة جزء من مقالة علمية أو سياسية تناقش شأنا أوروبيا أو بريطانيا خاصا، بل هى جملة مُرِكَّزة، تصف حال العلم والبحث العلمى لدى الشعوب المسلمة. تستدل المقالة على هذا النوم الطويل ببعض الإحصاءات البسيطة والموجعة، منها أن عدد المسلمين الحاصلين على جائزة نوبل فى الأفرع العلمية هو اثنان فقط، مقابل تسعة وسبعين يهوديا حصلوا على الجائزة نفسها، وهى مقارنة معتادة ربما لا تكون نتيجتها مفاجئة، لكنى بحثت كذلك عن العدد الإجمالى للمسلمين الحاصلين على نوبل بمختلف فروعها العلمية والأدبية وغيرها، فوجدته عشرة أشخاص فقط، والمدهش أن ستة من بين العشرة حصلوا على الجائزة فى فرع «السلام»، بينما يموج العالم الإسلامى عامة، والدول التى جاءوا منها على وجه الخصوص، بصراعات كثيرة واضطرابات متعددة.

 

•••

 

يطرح المقال السؤال الشائك: هل يشكل الإسلام السبب الرئيس، فى التخلف العلمى الظاهر، لهؤلاء الذين يدينون به؟ لا توجد إجابة قاطعة، فقد أنتج المسلمون منذ قرون طويلة معرفة يُعتَدُّ بها، بينما كانت أوروبا تُحنى رأسها وتمر بأحلك عصور الظلام، ثم تبدلت الصورة ونهضت أوروبا، معتمدة إلى حد كبير على ما خلفه المسلمون من تراث علمى، استشهدت مقالة الإيكونوميست ببعضه، فذكرت الحسن بن الهيثم فى مجال البصريات، والخوارزمى فى الجبر، وبن سينا فى الطب، وجميعهم مسلمون، مع ذلك فإن الوضع الحالى يعيد محاولات الإجابة إلى نقطة البداية.  ينفى المسلمون عن دينهم التهمة، ويدفعون بأدلة متنوعة عن حث الدين على السعى وراء العلم، بدء من كلمة «اقرأ» التى تُعتَبَر الأمر الإلهى الأول، ووصولا إلى «اطلبوا العلم ولو فى الصين»، لكن هذا الدفاع لا يبدو كافيا، ففى الدين متسع لكل شىء، وهناك أزمة واضحة فى عقول بعض من يتحدثون باسمه حصرا، ويُنَصِّبون أنفسهم حراسا عليه ومدافعين عنه، باعتبار أنه قد أتى بكل شىء، ولا ينقصه شىء، وماعداه لا يساوى أى شىء. يضرب هؤلاء أسوارا كثيرة حول آفاق البحث العلمى، ويقيدونها بأمور دينية يعتبرونها من المسلمات، ولنا أن نتأمل قليلا ــ كما أشارت المقالة ــ فى الدعم الذى تقدمه دول إسلامية كبرى، لكتب من نوعية «المعجزة القرآنية الثابتة: الحقائق التى لا يمكن للعلم إنكارها»، وهى كتب تخلط المسألة العقائدية والروحانية بالعلم، وتضع العقل فى صراع وهمى مع المقدس، فتربك الكثيرين وتعطل مسيرة التقدم. رأينا مِن علماء المسلمين الحاليين مَن يفنون أعمارهم، فى محاولة تعسة بائسة لإثبات أن كل ما يصل إليه علماء الغرب من إنجازات، إنما جاء به النص الدينى من قبل، وعلى ذلك ينسبون لأنفسهم الفضل، ويصبح أتباع الدين والمؤمنون به أصحاب السبق العلمى، فقط لكونهم مسلمين. أنفقت الدولة العباسية ــ وهى الخلافة الإسلامية الثالثة فى التاريخ ــ بغزارة على العلوم، فأحدثت تطورات مهمة فى الفيزياء والزراعة. تقول الإحصاءات الواردة فى الإيكونوميست، أن دول المؤتمر الإسلامى جميعها، تنفق على البحث العلمى ما يُقَدَّر بثلث المتوسط العالمى، وبأقل من ربع الإنفاق الإسرائيلى. عبرنا قرونا طويلة منذ الحقبة العباسية، شهدنا خلالها فترات صعود وأزمنة انكسار، ثم رحنا نهلل منذ بضعة سنوات مضت، لأننا قد أفلحنا أخيرا بعد أبحاث علمية مضنية، فى إنتاج ممحاة «أستيكة».

 

•••

 

تشير المقالة بأصابع الاتهام إلى نظم الحكم المستبدة التى تسيطر على دول العالم الإسلامى، فرغم أنها قد تكون علمانية فى حقيقة الأمر، لكنها تستخدم عصا الدين فى السيطرة على الشعوب؛ تبقيها فى مستويات دنيا من الجهل، وتغرقها فى مستنقع من الخرافات والضلالات المكسوة بثوب مقدس، وتثبط كل محاولات الارتقاء العلمى والنهوض، وقد كان الدين ولا يزال على مر العصور، أداة طيعة فى أيدى الحكام، يزيفون بها وعى الناس، ويدفعونهم للرضاء بأوضاعهم المزرية من خلالها، وهناك مِن رجال الدين مَن فقد استقلاليته لصالح المنصب والجاه والنفوذ، ومنهم أيضا من تقاعس عن أداء دور تنويرى، يقضى به على المحظورات المفتعلة، ويفصل بين كل ما هو شأن دنيوى وما يخص المعتقد الشخصى، بحيث يصبح الهم الشاغل للجميع، هو ملء الفجوة الحضارية العميقة، بيننا وبين دول كانت تنظر إلينا بإجلال واحترام، ثم صارت تطل علينا ساخرة.

 

•••

 

فى زيارتى الأخير إلى الكلية التى درست بها لسنوات ست، شاهدت ظهور مسجد جديد داخلها يُضاف إلى ما سبقه من مساجد، بينما تناقص عدد الأكشاك الهزيلة التى تبيع الكتب الطبية الحديثة من اثنين إلى واحد فقط، وازدانت جدران الكلية بإعلانات ورقية تدعو الطلبة والطالبات للانضمام إلى حملة تلاوة القرآن. يمكننا أن نتذكر دائما، إن عدد الجامعات المصرية لا يتجاوز العشرين تقريبا، بينما لا يمكن حصر عدد الزوايا والمساجد المقامة فى كل مكان، والتى غالبا ما تستخدم فى غير أغراض العبادات. لا أنقذتنا دور العبادة من التخلف العلمى والحضارى، ولا كانت دليلنا على صفاء السريرة وحسن الأخلاق.  

بسمة عبد العزيز طبيبة وكاتبة
التعليقات